فؤاد البطاينة
أسئلة كثيره تتطارح في صدور الأردنيين بشأن استئناف هيكلة الجيشبطبيعة نوعية لم يتوقعوها توحي بتوابع لها أكثر عمقا تجاوزت عندهم خصوصية الجيش كمؤسسه تدخل بيوتهم جميعا وتغطي حاجاتهم المعيشية وتؤمن لهم الاستقرار والأمن الداخلي، فالأسئله التي تُطرح مختلفة في العمق والاتجاه . ومع أن شمول هذه الهيكله لأمراء هاشميين أحبة للملك ووطنيين، وبعضهم كالأمير علي لم يتوان عن تغريدات جريئه موجهه بشفافية لترمب ونتنياهو يعزز من مصداقية التوجه، إلا أنه يعزز أكثر من نية وعزم الملك على إحداث تغيير عميق في سياسة الاردن وتهيئة متطلبات الفرشة الادارية لذلك، وانسجام الشخصيات المطلوبهلهذا التغيير.
فكرة هيكلة الجيش تعود لسنين تزامنت مع بدايات الهجمة الارهابية على الدول المجاورة، ومع تعديلات على الدستور غير دستورية، قُننت فيها او دُسترت تابعية مؤسسات حساسه للملك مباشرة منها الجيش . وقد تم في حينه ربط جدوى تلك الهيكله من قبل الدولة باسباب اقتصادية وبالحاجة لجيش خفيف ونوعي وسريع الحركة في سياق الاستعداد لمواجهة الارهاب،خاصة فيما لوتحرك في الاردن او على حدوده. ولا شك هنا بأنه بات الأن مكشوفا للملك كما لغيره أن هذا الإرهاب ماجورا ومسيسا وموجها وأن استهدافه للاردن لا يكون الا بقرار سياسي خارجي وقد استُبعد ذلك فيما أما الأن فالأمر اختلف.
الخيال مفتوح لتحميل هذه الهيكله المستأنفه بإحالة الامراء الثلاثه للتقاعد حمولات زائده يبدو بعضها هراء . وبعضها حمولة ربما تصيب أهدافا مطلوبة للملك . أترك هذه الحمولات التي تتكلم عن مسائل كثيرة كتعزيز مؤسسة ولاية العهد مثلا، وأقفز الى ما هو أكثر منطقية بما يعنيه توقيت إحياء هذ الهيكلهبطبيعة نوعية ذات خصوصيه، وربطهابالمستجدات الخطيرة وتداعياتها التي تترتب على انفكاك الحماية الامريكية للاردن كدوله وكنظام.
و بهذا اقول أن التوقيت جاء متزامناً، بل في سياق التالي:
1 – افتقاد الأردن لحماية دولية أوحليف ضامن بعد تخلي امريكا عنه وتحولهلأول مرة الى دوله مستهدفه من جميع أصدقائها وحلفائها التقليديين من العرب والأجانب.
2 – تجاهل اسرايل لاتفاقية وادي عربه التي كانت تنطوي على ضمان بقاء النظام الاردني وعلى تحالف معه.
3 – بروز تهديدات جديه للنظام الأردني والأردن من قبل السعودية والإمارات بدعم وتواطؤاسرائيلي في ظل انفراط عقد النظام الرسمي العربي.
4 -عودة الاطراف الاقليمية والدولية لاستخدام الارهاب على خلفية تعثر العملية السلمية في سوريا وتعثر انسجام التحالفات الاقليمية من جهه، والتفاهمات الامريكية الروسية من جهة أخرى.
ومن الطبيعي أن تفرض هذه المتغيرات على الملك سياسة خاررجية – داخلية جديدة تقوم على ركنين . الأول هو البحث عن حليف دولي جديدة مؤهل وغير استفزازي لامريكا واسرائيل، وقادر على تحمل عبء حماية الاردن من الإستهداف ودعم اقتصاده ومواقفه السياسيه المعتدله . والثاني هو الاعتماد على بطانة جديدة من الناصحين والمستشارين المحليين والمؤهلين . والمقبولين على الصعيدين المحلي والأوروبي دون اعتبار لمواقف امريكا والخليج التقليدية منها .
بالنسبة للركن الأول، فإن بريطانيا كانت الدوله التي أسهمت بتخلي العائله الهاشمية عن عرش الحجاز، واقامت لها الدولة الأردنية الحديثة متحالفة معها على شروط سياسية والتي بتقديري أوفت بها القياده . ومن ثم قامت بريطانيا بتسليم عهدة الاردن وكلفة موازنته وبنائه وحمايته الى امريكا في سياق متفق عليه . إلا أن بريطانيا بقيت كما يقول الاردنيون ” مربط الخيل ” بل ورعت فيما بعد استئناف المفاوضات السرية بين الملك حسين والاسرائيليين . وما أريد قوله ان بريطانيا هي الخيار الأمثل الذي يسعى اليه الملك كدولة كانت الضامن بالأساس للاردن ونظامه ومن أخرجه من وعد بلفور، وانها لن تتردد بتحمل مسئوليتها التاريخية السياسية والادبية مجدد اتجاه الأردن حتى زوال الغمة القائمة.
وفي الركن الثاني، فإن بطانة الملك الحالية السياسية والاجتماعية ليست الا صورة ديكورية للداخل والخارج مضمونها هو محيَّاها . ورؤساء الجكومات ليسوا أكثر من اشخاص بمهمة واحدة متكاملة يتناوبون عليها وهي لا تتعدى تقنين ضرائب وجمع المال من الشعب بهدي من صندوق الابتزاز الدولي . و مثل هذه البطانة لم يعد لها حاجة مع السياسة الجديدة، بل برزت الحاجة لأسما تحمل في داخلها مضمونها ولديها ما تقدمه للملك وللأردن فيخدمة السياسة الجديده.
أما على صعيد العائلة الحاكمه فما زال الأمير حسن كشخصية اردنية ودولية وازنة ومخضرمه سياسيا بتجارب واسعة،غائبا . وإن كان غير مرغوب به على سبيل المثال امريكيا وخليجيا فإنه يحظى على الدوام بتقدير واحترام لدى الأوروبيين وبتقديري أن الملك والأردن بحاجة اليه في هذا الظرف.
أختم، لغايات الربط بين الركنين المشار اليهما على سيبيل الأهمية الموضوعية المبرره لسرعة إعادة هيكلة الجيش، بالتذكير أن خطر الارهاب الذي بعد أن شارف على إنهاء مهمته في سوريا والعراق وهُجِّر الى ليبيا ومصر. قد عادت الحاجة اليه ولاستخدامه بالمنطقة للأسباب التي ذكرتها باعلاه . إلا أن خطر استخدامه وتوجيهه للأردن هذه المره اصبح يمثل احتمالا وهاجسا قائما ومقلقا للأردن.
كاتب عربي