كردستان العراق وحقوق شعبها مسؤولية الدولة العراقية

أربعاء, 12/27/2017 - 16:56

د. سعد ناجي جواد

ما يحدث في مدن ونواحي كردستان العراق هذه الأيام هو امر كان متوقعا منذ فترة ليست بالقصيرة. لقد بلغ التذمر والناتج عن الفساد المستشري في الإقليم والذي بلغ، شانه شان الفساد في باقي العراق منذ ٢٠٠٣، مرحلة لا يمكن بل ولا يجب السكوت عنها. أضف الى ذلك ان تدهور الحياة المعيشية وتخفيض الرواتب مسالة تمس الحياة اليومية والأسرية لشريحة كبيرة من  الموظفين الذين تعتمد حياتهم وعوائلهم على هذا المورد وبنسبة كاملة، وهي اما متوقفة منذ اكثر من ثلاث سنوات او منقطعة بالكامل لأشهر طويلة بالنسبة لشريحة كبيرة من الموظفين ذوي الدخل المحدود، مثل المعلمين وغيرهم من الموظفين البسطاء. وَمِمَّا زاد في معاناة هذه الشرائح البسيطة هي النتائج التي تمخضت عن القرار الخاطيء المتمثل بالذهاب الى الاستفتاء والذي أدى الى اثارة مشاكل داخلية و إقليمية لحكومة كردستان العراق، وصل الى الحد الذي اصبح الإقليم يعاني من شبه حصار قاسي لا يعاني منه سوى المواطنين البسطاء. ورغم كل ما جرى فان الطرفين، حكومة الإقليم والحكومة المركزية، لا يزالان على إصرارهما في تحدي احدهما الاخر، او بالاصح  مصرين على إلقاء اللوم او الاتهامات على بعضهم البعض، دون اي اعتبار لمعاناة ابناء الإقليم. ويبدو ان حكومة الإقليم التي دأبت على تصدير اكثر من نصف مليون برميل من النفط يوميا منذ عام ٢٠١٤، ناهيك عن عمليات التهريب لحساب المتنفذين في الإقليم وحكامه، مما كان بالتأكيد  يوفر موردا كافيا لدفع الرواتب، خاصة اذا ما تم اللجوء الى إجراءات تقشفية في مسالة الإنفاق في الإقليم و تخفيض مخصصات رئاسات الإقليم و رواتب الموظفين الكبار من وزراء ونواب وقادة بيشمركة، فان خزينة الإقليم كانت كافية لتسديد الرواتب. لكن يبدو ان رئاسة الإقليم والتي كانت ولا تزال حريصة على تحريض شعب الإقليم على العراق ككل، اعتقدت ان هذا الادعاء هو افضل وأنجع سلاح  لشق المجتمع العراقي حتى تحصل على مبتغاها في السير نحو الاستقلال، مع علمها بصعوبة ان لم يكن استحالة تحقيق ذلك. طبعا تثبيت ذلك لا يعني إنكار هذا الحق على الشعب الكردي الذي سأم الفساد والعوائل والمتنفذين الفاسدين، وبالتاكيد فان الغالبية العظمى أصبحت لا ترغب في الحصول على استقلال سيؤدي الى استمرار الفاسدين في فسادهم و استمرار التستر عليهم، او العودة الى نظام وراثي قبلي يعمل على قمع الحريات وأسلوب التصفيات الجسدية. علما بان ما حصل ويحصل الان في المدن والنواحي الكردية لابد وان يضع علامة استفهام كبيرة على نتيجة الاستفتاء؟ فإذا كان حقيقة هناك ٩٢٪‏ من المواطنين قالوا نعم، فمن أين أتت هذه الآلاف المؤلفة الرافضة للوضع الحالي؟ والتي تلجأ الان للحكومة المركزية لحل مشاكلهم؟ ان التهم الجاهزة بكون هذه التحركات من صنع الخارج وعميلة لجهات خارجية، او مخربة او مدفوعة الثمن لا يمكن ان تنطلي على احد حتى وان أرضت الحكومات والطبقات الحاكمة في الإقليم.

من ناحية اخرى فمثلما كان هناك من يحرض قادة الإقليم على المضي قدما في الاستفتاء رغم كل الطلبات بل والتوسلات لتأجيله، والذي نتج عنه خسارة الإقليم لكل المكتسبات التي حصل عليها منذ عام ١٩٩١، فانه يبدو، بل وتوجد دلائل كثيرة تثبت ان هناك من يحرض السلطة المركزية على المضي قدما في تجاهل الحالة الصعبة التي يعيشها ابناء الإقليم وخاصة الموظفين البسطاء، على أساس ان ذلك يحقق للمركز الفرصة لكي تُخضِع الإقليم. ومثلما كانت سياسة قيادة الإقليم خاطئة فأن سياسة السلطة المركزية لا تختلف في خطأها.

على مدار العقود السابقة ضيعت الحكومات المركزية والأحزاب الكردية المتنفذة فرصا كثيرة في رأب الصدع الذي اصاب العلاقات العربية – الكردية في العراق. حيث ان الطرفين تعاملا مع المسالة من منطق القوة والضعف، ولم تُستَغَل الفرص المتاحة من اجل تمتين العلاقات  بين الشعبين العربي والكردي. واذا ما استثنينا استعداد الاحزاب الكردية المتنفذة للتعامل مع الاطراف الخارجية ووضع مصالحها فوق المصالح العراقية، وهي ظاهرة خطيرة ولا تزال مستمرة، فلعل اهم فرصة إضاعتها الاحزاب الكردية هي فرصة وضع دستور جديد يضمن الحقوق القومية الكردية في عراق موحد، ولكن بدلا عن ذلك اختارت هذه الاحزاب كتابة دستور مليء بالألغام ويبقي العراق ضعيفا و مشتتا معتقدين ان ذلك سيمكنهم من الحصول على كل ما يريدون ومتى ما أرادوا. في حين ان الحكومات المركزية المتعاقبة ظلت ترضخ للمطالب الكردية عندما تكون ضعيفة وتنقلب عليها عندما تشعر بالقوة. ولعل اهم فرصة كانت في عام ١٩٧٥ عندما انهارت الحركة. الكردية المسلحة وقامت الغالبية العظمى من مقاتلي البيشمركة بتسليم أسلحتهم للسلطة المركزية. وبدلا من ان تقوم السلطة المركزية بإقامة حكم ذاتي حقيقي وعلى أسس ثابتة لجأت السلطة آنذاك الى اُسلوب تهجير المقاتلين و النشطاء الأكراد الى المحافظات الجنوبية، وفرض حلول مركزية وقسرية، وبالنتيجة لم تحل المشاكل التي أدت الى استمرار الفعاليات المسلحة. ومع ذلك تبقى المسؤولية الأكبر على عاتق الحكومات المركزية لانها هي من يمثل ، او يفترض بها ان تمثل كل الشعب العراقي. واليوم تضيع الحكومة المركزية فرصة ذهبية لردم جزء كبير من الهوة التي اتسعت بين الشعبين العربي والكردي في العراق منذ عام ٢٠٠٣.

ان السلطة المركزية اليوم مطالبة بالوفاء بالتزاماتها، ودفع رواتب الموظفين أولها. نعم ان قيادة الإقليم مطالبة بكشف حقيقة الإيرادات النفطية والحدودية للسنين السابقة، وهذه مسالة بين الحكومة المركزية وحكومة الإقليم ويجب ان تتم بشفافية وعبر القضاء واللجان التحقيقية العادلة، على الأقل لكي يعلم ابناء الإقليم أين ذهبت مواردهم. اما ان تؤجل مسالة دفع الرواتب حتى يتم حل كل القضايا العالقة فان هذه مسالة غير مقبولة، والأكثر من ذلك فإنها ستؤدي الى نفور اكثر من جانب الشعب الكردي الذي تخرج يوميا من بين صفوفه آلاف الأصوات المتضررة والتي تلجأ الان للسلطة المركزية بإنصافها. وعندما يشعر المواطن الكردي المتذمر بان الحكومة المركزية تشعر بصدق بحقيقة معاناته فانه سيكون هو ايضاً اقرب منها ومن العراق، ويصر على محاسبة قادة الإقليم الذين حرموه من حقوقه. اما ان تحاول الحكومة المركزية ان تدعم المتظاهرين والمتضررين بالأقوال فقط وان تدعي بأنها تريد فضح الفساد الذي استشرى في الإقليم فان هذا الأسلوب لن ينجح ولن يقنع احد، خاصة وان الحكومة لم تفعل شيئا في مجال محاربة الفساد في داخلها وفِي المناطق العربية في العراق، والذي هو بالتأكيد اكبر بكثير من الفساد في الإقليم، واذا كان فساد الإقليم يتمثل بسوء التصرف او التلاعب او اهدار نسبة ١٧٪‏ كان الإقليم يحصل عليها،  فان الحكومات المتعاقبة منذ ٢٠٠٣ اهدرت وتلاعبت وسكتت عن فساد في نسبة ٨٣٪‏ من واردات العراق منذ ذلك التاريخ. ان توفير حياة كريمة للشعب الكردي في كردستان العراق هي مسؤولية الحكومة المركزية قبل اي طرف اخر، وان العمل على دفع رواتب الموظفين المتأخرة والمقطوعة يجب ان يتم اليوم قبل غدا. واذا ما كانت السلطة المركزية تشعر بانه بسبب الفساد في الإقليم لا تستطيع ان تدفع الرواتب للإقليم فإنها يمكن ان تلجأ الى أساليب تقوم من خلالها بإرسال لجان متخصصة للإقليم لكي تقوم اما بدفع الرواتب مباشرة او بالاشراف على هذه العملية. او ان تختار طبقة المعلمين لكي تبدأ بدفع رواتبهم المتأخرة ثم تنتقل الى الفئات الوظيفية الاخرى. وعسى ان يكون ذلك في أسرع وقت وبدون اي تاخير.

كاتب عراقي

الفيديو

تابعونا على الفيس