كمال خلف
ما هو واضح حتى الآن من قرار الرئيس ترامب أن هذا الأخير ومتطرفي إدارته، رتبوا المسرح جيدا قبل اتخاذ القرار، ووضعوا تقديرات ملخصها أن العالم العربي والإسلامي سوف ينتفض لفترة، ثم يعود إلى سباته ومشكلاته الداخلية . هذه التقديرات للأسف صحيحة، ونستدل على صحتها من التجارب الماضية . فمع كل امتهان لكرامة هذه الأمة، يتحرك الشارع العربي ونخبه وقواه وتياراته بدافع العاطفة، وبعفوية، ولكن سرعان ما يخبو الزخم وتعود الأمور إلى طبيعتها، خاصة أن طقس ما سموه”بالربيع العربي”، وضع أمام الشعوب العربية تحديات واولويات، وأخذت الشعوب على وقع الأحداث تبحث عن لقمة العيش، والاستقرار والحفاظ على الدولة الوطنية والهوية، وإعادة إعمار بيوتها وترميم ما تهشم من وحدة مجتمعاتها، وما خلفه الإرهاب والتطرف من خراب ودمار، هذا كله يضع الطلب من الشعوب العربية أن تتصدى لسياسة ترامب وتنتياهو الوقحة موضعا صعبا.
وفق هذه المعطيات لابد من النظر إلى الحراك الشعبي الفلسطيني والعربي هذه المرة نظرة مختلفة، وتجنب تكرار تقاليد ردات الفعل العربية على امتهان كرامة الأمة والاستخفاف بها. إن دعوات المقاطعة للبضائع الأمريكية، والتحرك على وسائل التواصل الاجتماعي، والدعوة للتظاهر والاعتصام والإضراب، والتهجم على الأنظمة العربية العاجزة، كلها أساليب و دعوات جيدة ولكنها تقليدية، والحقيقة أنها لم تثبت نجاعتها في وقف صلف إسرائيل وحليفتها، والدليل هذا الاستخفاف الأمريكي والإسرائيلي بردة فعل العالم العربي والإسلامي على قرار خطير وحساس يتعلق باقدس بقعة لنا.
لهذا لابد من البحث عن خيارات خارج هذا الإطار التقليدي والمكرر، وإلا سوف نحصد ذات النتائج السابقة . وقبل كل ذلك يجب ضمان أن لا تنصاع السلطة الفلسطينية للطلبات الأمريكية، لأن تراجع السلطة، أو القبول باستقبال نائب الرئيس الأمريكي المتطرف مايك بنس أو غيره والخوض معه في مسارات تفاوضية بائسة وغير مجدية، سيكون بمثابة ضربة للحراك العربي الغاضب . وكم من قائل سوف يجد مبررا لعجزه بالقول اذا القيادة الفلسطينية تراجعت واستقبلت الأمريكيين، فلماذا تنتفض نحن .
يجب على الجماهير الفلسطينية والعربية ، والقوى السياسية أن تجترح منهجا جديدا للتعامل مع اهانتها والتغول في سلب حقوقها و مقدساتها.
لنتذكر انه في منتصف القرن الماضي، أخذ الزعيم جمال عبد الناصر قرارا بإنشاء حركة القوميين العرب، وهي لم تكن موجودة لحظة احتلال فلسطين، أخذ قرارا بإنشاء منظمة التحرير الفلسطينية كاطار سياسي للحالة النضالية الفلسطينية، إنشاء ودعم ولادة حركات التحرر الفلسطينية، وهي لم تكن موجودة . إن كان عبد الناصر أصاب أو أخطأ هذا أمر آخر، لكنه خاض بخيارات جدية، وصنع حالة جديدة لواقع مأساوي ساد بعد احتلال فلسطين عام 48 .
ولذلك على القيادات الفاعلة وتحديدا في محور المقاومة، أخذ قرارات تسعى إلى تغيير الوقائع، وخلق حالة جديدة كليا تواكب المخاطر الجديدة . سواء كانت تشجيع قيادة جديدة شابه للحراك لديها أفكارها وأساليب عملها في داخل فلسطين وخارجها، أو إعادة تفعيل الفصائل الفلسطينية الوطنية المهترئة، وعدم التركيز الخاطئ على الحالة الإسلامية في العمل المسلح فقط، إنما التواصل وتفعيل واستقطاب النخب الفلسطينية من كل التيارات القومية واليسارية وحتى المستقلة، لرفد العمل المسلح باجنحة فكرية وثقافية وفنية و سياسية وجماهيرية.
تؤسس لعمل جاد ومستمر ومتجذر ومختلف عن الحالة الراهنة البائسة.
إن التعامل مع فرصة التحرك الشعبي الصادق بالعواطف والغضب والبيانات وترداد ذات الشعارات، هو ارتجال محصلته صفر . حالة الغضب تحتاج إلى تأطير لعمل جاد ومستمر للوصول إلى أهداف توضع مسبقا، وتتجاوز برأيي تراجع ترامب عن قراره أو تعديل موقفه، إلى تأسيس حالة تقلب الطاولة وتعيد مفهوم القضية الفسطينية لتكون قضية حاضرة ونابضة بأستمرار، نحيي الشعوب العربية التي توحدت على قضية القدس وفلسطين، وأرعبت المطبعين والمندفعين للتحالف مع إسرائيل، وانشالله مستمرون وثابتون.
كاتب واعلامي فلسطيني