كلام في الممنوع- بقلم عزيز محمد

أحد, 04/26/2015 - 20:56

تتعدّد مصادر اطلاع الجيل المراهق على المواضيع الجنسية في أيامنا، إلا أن معظم هذا المصادر مشوه ويشجع على الانحراف والعلاقات غير الطبيعية، كما أنه لم يعد بالإمكان مراقبة تلك المصادر، فمن القنوات التلفزيونية الأوربية "هوتبيرد" أو"سيرس"، إلى الانترنيت والمجلات الإباحية والسيديات التي تباع بأرخص الأثمان من البسطات أو عبر مروجين يتاجرون بها، وهناك البلوتوث الذي أضحى مقصداً لهواة المقاطع الجنسية، وما إن تفتحه في مكان عام كالكافيتيريا أو السرفيس، حتى تجد رسائل جنسية وأفلام وصور تدخل إلى موبايلك.
أرى أفلام الجنس الأسبوع بأكمله
يقول أحمد الطالب في الصف الحادي عشر: أنا اشتري السيديات من المحل وأحياناً أستعيرها من أصدقائي وانظر إليها بشكل مستمر، وحول الأوقات التي يرى فيها الأفلام الجنسية، قال إنه يراها طوال الأسبوع!
طالب آخر لم يذكر اسمه قال: أرى الأفلام الجنسية كلما كان ممكناً وخاصةً حينما يخرج أهلي من المنزل، وزميل ثالث أكد أنّه في شهر الامتحان لا ينظر إليها أبداً، أما في الأسابيع السابقة فتقريباً كل يوم، وأضاف أن لديه كمبيوتر خاص بغرفته ويستعمله لحاجتين فقط، إما للألعاب وإما لأفلام "الجنس"، ونادراً ما تطلب أسرتي أن آتي لها بفلم كي يشاهدوه عليه.
السؤال إذن.. من يعطي مراهقينا التربية الجنسية!! أليس أمراً مخجلاً أن نرفض الكلام في الموضوع و لا نلقي بالاً، لماذا جميع المراهقين يطرحون الموضوع للنقاش ويتابعون كل ما هو رديء عن الجنس؟!!
الحديث عن المواضيع الجنسية "قلة ترباية"
حين طرحنا الموضوع أمام مجموعة من الفتيات ظهر الخجل على وجوههن جميعاً، باستثناء "دعاء" التي تشجعت وأفصحت عن رأيها بالقول: أنا أفضّل الزواج المبّكر لأنني أفكر في هذه المواضيع كثيراً ولا أحد يناقشني فيها، ولا أعرف شيء عن جسد الرجال ولا حتى كيف أتعامل مع التغيرات الجنسيّة التي تفاجئني في جسدي، موضحة أن ووالدتها ترفض بشدة أي حديث وتعتبره وقاحة وقلة ذوق وقلة ترباية، وأضافت: إنها تهددني بأن تقول لوالدي إن عدّت للكلام بهذه المواضيع.
"سارة" بدورها رأت أن الموضوع حساس جداً، وتابعت بالقول: أنا أمشي مع زميل لي وهو في نفس عمري ونتحدث في مواضيع الحب ولكنني لا أمشي معه إلّا في الشارع وحينما أعود إلى المنزل اشعر بسعادة فائقة وأقوم بواجباتي المدرسيّة بشكل جيد ونتائجي في المذاكرات ليست سيئة. و أما "ربا" فاقتصر حديثها عن الموضوع على القول: من الأفضل لنا كبت مشاعرنا فالأهل يرفضون بصورة قطعية هذه المواضيع، فلماذا نتعب رؤوسنا بها؟ معتبرة أنه ليس من شاب "يستاهل" الكلام معه.
أما سالي ابنة التاسعة عشر فكان لها رأي واضح، إذ وجدت أن أسوأ قرار تتخذه الفتيات لحل مشاكلهن الجنسية هو الزواج المبكر وخاصة إذ تمّ قبل الحصول على الشهادة الثانوية، فهن ـ حسب قولها ـ سيخسرن العمر والعلاقات في الجامعة والخبرة الحياتية وستكون الفتاة مجرد لعبة بيد الرجل وستنتقل من سلطة الأب إلى سلطة الزوج.
وبعد ما سبق من آراء، يتبين أن هذا الموضوع يشغل دماغ الفتيات كما الشباب، ولكنهن لا يستطعن مواجهته حيث أن العقاب سيكون شديداً إذا علم الأب أو الأخ به، وهو ما يوضح مقدار الثقة المفقودة من الأهل ببناتهم وكأنهن لا يفكرن إلا بالجنس وحده!! وبمعنى آخر إن سد الأهل لكل منافذ الحرية العاطفية للفتيات يدفعهن دفعاً إلى القبول بالزواج المبكر.
لا يجوز للمدرسات تدريس التربية الجنسية
"علي" طالب البكالوريا رأى أنّه لا بد من منهاج خاص بالتربية الجنسية، لافتاً إلى أنه وأبناء جيله "لا نعرف شيئاً تقريباً عن الجنس الآخر، وحتى الدروس التي توجد في المنهاج لا تعطى بصورة دقيقة، رغم أننا نطالب المدرسين بأن يشرحوا لنا بالتفصيل عن تقلبات الجسد وعن المسائل الجنسية عند الذكر والأنثى".
طالب آخر بيّن أن مدرسة مادة العلوم لم تعطي الدرس المخصص لأعضاء الجسد ووظائفه ولم تسمح بأي نقاش في الموضوع!، مؤكداً أن الأفضل هو "وجود منهاج يشرح لنا هذه القضايا بدلاً من أن نراها في الأفلام الجنسية التي لا تشعرنا إلّا برغبة جنسية غير صحية". ورأى أنه يجب أن يعطي هذه المادة مدرس وليس مدرسة، فتجربتنا ـ حسب رأيه ـ "لا تسمح لنا بان نؤيد أن تدرسنا مدرسة لأنها ستكون محرجة جداً". وبعد الإلحاح بالسؤال فيما إذا كان هذا الرأي متعلق بالمدرّسة أم بسبب آخر، كان جوابه بأن النساء "يجب أن لا يعرفن عن هذه الأشياء، والأساتذة الذكور سيعطوننا معرفة دقيقة بالتفصيل ودون أي إحراج، ويمكننا أن نسألهم عن الجنس الآخر دون خوف".
هنا تحضر مشكلة أخرى يثيرها هذا المراهق، ألا وهي أن المرأة في نظره ونظر الكثيرين من جيله هي مادة للمتعة فقط، والرجل هو الفاعل الوحيد في العلاقة الجنسية، والمؤسف أن هذا الرأي يتبناه عامة الناس في مجتمعنا الذكوري، وقد تكون مدرستهم تلك أسوأ مثال عن المرأة، دون أن ننسى وجود مدرسات يعطين هذه الدروس بكل وعي حول دورهن التربوي وضرورة أن يكتسب الطلاب معرفة جنسية من مصادر علمية.
تتزوج في الصف الثامن:
السيدة هناء وهي سيدة خمسينيّة وموجهة بإحدى المدارس، أكدت أن هذه المادة ضرورية جداً والفتيات كثيراً ما تسألن المرشدة النفسية عن هذه القضايا أو بعض المدرسات القريبات من الطالبات في المدرسة، ورأت السيدة أن هذه المادة قد تساعد إن رأت النور يوماً ما، على الحدّ من الزواج المبكر. مشيرة إلى أنه في المدرسة التي تدرس بها فتيات يتزوجن وهن في الصف الثامن، وهذه ـ حسب قولها ـ ليست حالات فردية وإن كانت ليست كبيرة كذلك.
الأب يهدد
أحد الآباء اتصل مع إحدى مديرات المدارس مهدّداً بأنّه سيوصل شكواه إلى مناصب عليا إن استمر مدرس الفلسفة بالكلام عن مساوئ الزواج المبكر وضرورة أن تأخذ جميع الفتيات شهادة البكلوريا وتصلن إلى الجامعة، ثم يمكنها الزواج بعد أن تكون قد مرت بتجارب تفيدها في حياتها، وقد تحجج ذلك الأب بأن المنهاج لا يتكلم عن هذه المسائل، فلماذا ـ حسب قول الأب ـ يحشر نفسه بما لا يخصه؟!!
وعي هذا الأب هو عقلية ذكورية بحتة ترفض أن تمتلك الفتاة عقلاً منفتحاً وتناقش في مخاطر هذا الزواج أو أن ترفض عريساً "دسماً" إن تقدم لها، وتعتبر تلك العقلية مكان الفتاة الطبيعي ليس في تكميل التعلم فالعلم للذكور والمنازل والزواج للإناث، وبذلك يتخلصون من علاقاتهم العاطفية والجنسيّة التي ستظهر إن دخلت الجامعة أو تأخرن في الزواج!!
لماذا لا توجد مادة التربية الجنسية!
أخيراً نشير إلى أحد أسباب مشكلات شبابنا الجنسية، وهي غياب منهاج دراسي متخصص في التربية الجنسية حتى الآن في سورية، واقتصار تدريسها بشكل مختصر في مادة العلوم، فهذه المسألة تعود إلى عدم إيلاء وزارة التربية هذه المسألة أية أهمية واعتبارها قضية لا جدوى لها، وتشتت وعي الطلاب وقد يعارضها رجالات الدين.
والصحيح أن هذه المادة ضرورية جداً حيث أن طلابنا بأغلبيتهم الساحقة يهتمون بالموضوع ومصادرهم جميعها قذرة ومن أجل تسويق أفلام الدعارة والربح التجاري ولا تعطي أية فكرة لها معنى تربوي عن الجنس إلا كونه أمر حيواني وعلى الفرد أن يمارسه كلما استطاع ومع من يشاء!!.
إذا هناك ضرورة لوجود منهاج التربية الجنسية وهو يعرّف الطلاب المراهقين على أعضاء الجسد والدوافع الجنسية وعلى تقلبات الإنسان في مراحل عمره المختلفة وكيفية التعامل مع هذه القضايا في السنوات المتتالية وتقديم شرح كامل للعملية الجنسية ومقاصدها كاللذة والتكاثر. وهذا ما يساعد على خلق توازن نفسي اتجاه مواضيعهم الجنسية.

 

 

الفيديو

تابعونا على الفيس