الشيخ الحسن البمباري
تظهر الإحداثيات الأولى لرسالة يناير من وكالة الاستخبارات الأمريكية لقائد فيلق القدس التفوق الذي تملكه إيران على حساب الولايات المتحدة ، في الشرق الأوسط و خاصة في المنطقة الخطيرة نسبيا على مئات الجنود الأمريكيين ، فالرسالة التي بعثت إلى القائد الإيراني الذي كان وقتها في (البوكمال السورية) و لم يكن في مكتبه بطهران ، كما أن وكالة الاستخبارات تدرك أن الرجل يعتبر أمريكيا الأكثر إرهابا بعد أسامة بن لادن ، كما لا يمكن نسيان متغير العلاقات الخليجية الإيرانية التي تدخل منحنا خطيرا باعتبار ما يوصف بالتقارب الأمريكي السعودي و الانفجار المخيف في البيت الخليجي .
دون حديث عن التفاصيل التي سيكنها الشيطان عادة و تكون عرضة للتأويل و التحليل فان مجرد تأكيد بومبيو رأس CIA على بعث رسالة لقائد ميداني يعكس مدى التخبط الذي وصلت إليه الولايات المتحدة في العراق و سورية (الشرق الأوسط بشكل عام) ، و مع أن “السي آي أي” تقول إنها بعثت بتحذير إلى قاسم سليماني بعدم المساس أو تعريض الجنود الأمريكيين في العراق للخطر ، فان الوقائع تقول إن الرسالة لم تكن استجداء لسليماني – الذي استطاع بسط سيطرة كبيرة لإيران في معارك الشرق الأوسط التي تأبى الانتهاء – بل هي اقرب إلى الرجاء و خاصة أنها بعثت إلى سليماني نفسه و بشكل شخصي كما أنها بعثت خطيا ، و هو ما يعني أن المسألة لم تتعلق بفتح خط تنسيق بين البلدين بل خدمة مباشرة من قائد الجناح الخارجي للحرس الثوري الإيراني.
إعلان رفض سليماني استقبال رسالة بومبيو و طلبه الحديث مع المركز في طهران ، لا يعكس فقط التنظيم الهرمي الدقيق لإدارة الإيرانية و إنما أيضا تناسق مختلف هذه المفاصل التي تسعى إلى فرض تسوية جيدة في برنامجها النووي ، مع استمرار تذمر ترامب من الاتفاق المبرم في هذا الشأن ، و ردة فعل سليماني هذه تعني وضع إدارة ترامب تحت الضغط الخارجي و هي التي تضيق عليها الدائرة المحلية بسبب اعترافات مايكل افلين و قرب سقوط جاريد كوشنير مستشار الرئيس في الشرق الأوسط ، و ما يمكن تلخيصه بالفشل الخارجي الكبير الإدارة الأمريكية في عهد ترامب .
رسالة وكالات الاستخبارات الأمريكية لم تأت حتما من فراغ ، فالوكالة التي تعد مهمتها الأولى جمع المعلومات عن كل كبيرة و صغيرة في العالم ، لن تخاطب الرجل الذي تحمله الولايات المتحدة كل جريمة قتل تقريبا تحدث في لبنان و سورية و العراق منذ العام 2004 إلى الآن ، و تعتبره التهديد الأكبر للكيان الصهيوني ، فان مخاطبة رجل من هذا النوع و بشكل خاص و مباشر يعني أن الوكالة لديها مخاوف حقيقية من الدور الذي يلعبه سليماني نفسه و اعتراف أيضا بتأثيره في المجال حيث يبعد عنه الجنود الأمريكيون بضعة كيلومترات .
ليس من المتوقع أن وكالة الاستخبارات الأمريكية كانت تريد من رجل كسليماني عميلا لها أو شخصا يبيعها المعلومات ، و من غير المحتمل أن لا يكون سليماني قرأ الرسالة قبل رفضها ، و لكن وجوده الرسالة وحده كان فعلا كافيا للسؤال عن مدى قدرة الولايا المتحدة الأمريكية الخروج من مستنقع الدماء في العراق و سوريا حتى بعد القضاء على تنظيم و الدولة ، في ظل بوادر استمرار الصراع السني الشيعي في المنطقة و استمرار مسلسل كيد الإخوة في الخليج .
باحث في المركز الموريتاني للبحوث و الدراسات الإنسانية (مبدأ)