عمر الردّاد
خلافا لما يعتقده كثيرون بان المنطقة تتجه إلى حرب شاملة ، استنادا لأجواء التصعيد ذات الوتائر العالية، وعنوانها استمرار”دق” طبول الحرب عبر وسائل الإعلام ، من قبل بعض إطراف الصراع ،إلا أن المنطقة تتجه عمليا وفق كثير من المعطيات والمؤشرات باتجاه تسويات كبرى في معظم مناطق الصراع (سوريا والعراق واليمن وفلسطين)، وان ما تعيشه المنطقة اليوم يمكن وصفه ب”لعبة عض الأصابع″ بين الخصوم والمحاور ،قبل الجلوس الى طاولات المفاوضات، ودون ان يعني هذا التقدير توقف بعض “المناوشات ” هنا وهناك، فالإرهاب لم ولن ينتهي بغياب “داعش” ،لكن دون ان تغيب الصور الشاملة ، القائلة بان اتجاها إقليميا وبضغوط قوى دولية يعمل على انجاز تلك التسويات.
فعلى صعيد الأزمة السورية ، التي ينظر إليها اليوم باعتبارها لب الصراع في المنطقة ، تعقد القمة الثلاثية في سوتشي بين رؤساء روسيا وتركيا وإيران ،لبحث التسوية في سوريا ،في إطار العودة إلى جنيف” تحت رعاية الأمم المتحدة” بعد انتهاء مهمة مؤتمرات إستانا بانجاز مناطق خفض التوتر،ولقاء للرئيس بوتين مع الرئيس بشار الأسد ،وبالتزامن مع انطلاق مؤتمر الرياض لمنصات المعارضة السورية الثلاث، الذي يهدف لتوحيد المعارضة السورية تمهيدا للمشاركة في مؤتمر جنيف وسقفه القبول بالرئيس الأسد في مرحلة انتقالية.
وفي إطار التساؤلات المطروحة حول حدود التسوية التي تقودها روسيا في سوريا ، فقد بات مؤكدا ان الترتيبات لها تتم بتوافق روسي أمريكي ، وإنها ستتجاوز “عقدة” مستقبل الرئيس بشارالاسد ، حيث تصر أطراف في المعارضة على رفض اي دور للرئيس بشار ، فيما يرى الحلف المؤيد للرئيس بشار ان غيابه في هذه المرحلة سيعيد سوريا الى حالة فوضى، ويرجح ان تطرح روسيا مشروعها القديم الجديد وهو الدستور الروسي المقترح ، الذي يتضمن علمانية الدولة وفدرالية وصلاحيات واسعة لرئيس الوزراء على حساب رئيس الجمهورية ، فيما ستخضع معضلتا مطالب إسرائيل بضمانات لإبعاد إيران عن سوريا لإنهاء التهديد لها ، والموقف التركي من طموحات أكراد سوريا وتمددهم بدعم أمريكي، موضع مساومات في إطار تلك التسوية.
وفي الملف الإيراني، فرغم التصعيد الإعلامي الإيراني والتعبئة العامة التي تشكل جوهره منذ الثورة الإسلامية ، على مدى اقل من أربعين عاما ، الا أن هناك الكثير من الإشارات التي تؤكد نزوعها نحو التسوية أبرزها أولا :التنازلات التي ستقدم عليها بالملف السوري ،بما في ذلك شكل ومضمون وجودها على الأراضي السورية، وثانيا: إعلانها عن تحقيق الانتصار على “داعش” في العراق وسوريا، يتضمن إشارة بانتهاء دورها عسكريا في البلدين ، واستعدادا للتفاوض حول انتشار مليشياتها ، بما فيها الحرس الثوري،ولم يكن مصادفة إعلان زعيم حزب الله اللبناني ” السيد حسن نصرالله” انسحاب تشكيلات حزبه من العراق، وهو ما سينسحب على الحزب في سوريا أيضا ، في ظل نفي حازم لأي دور للحزب في اليمن والبحرين ” وهي مزاعم يتم تناولها في إطار شكوك عميقة في ظل دلائل وحقائق تؤكد تدخل الحزب تدريبا وتسليحا لجماعات شيعية في البلدان العربية “وثالثا: ان نجاح إيران في معركة استفتاء أكراد العراق ، وإعلان أكراد سوريا ان غاية طموحاتهم حكم ذاتي في إطار دولة سوريا الاتحادية ، سيدفع إيران للقبول في الدخول بأجواء التسويات،ورابعا: حفاوة إيران بحركة حماس التي ابتعدت كثيرا عنها في الملف السوري ، والعائدة الى طهران محملة بملف مصالحة مع حركة فتح سقفها اتفاقات أوسلو ووضع سلاحها ، بما فيه الإيراني الصنع على طاولة المفاوضات ، ربما شكل إشارة للجميع بحدود قبولها بالحلول المطروحة في فلسطين (وربما يفتح الطريق مستقبلا للقبول بطرح سلاح حزب الله على الطاولة في اطار تسوية في لبنان) ، وخامسا: رغم كل ما أثاره الصاروخ الإيراني ، الذي أطلقه “الحوثيون” على الرياض، خاصة وانه تم كشف الغطاء عن الحرب في اليمن، بعد إعلان علي عبدالله صالح مؤخرا تجميد تحالفه مع الحوثيين ، وإذا ما استمر موقف صالح سيتأكد الدور الإيراني بأنها تدير حربا مذهبية في اليمن وسادسا: انخفاض منسوب الدعم الإيراني لقطر على خلفية أزمتها مع جيرانها، بالتوازي مع كثافة في التصريحات القطرية التي تؤكد استمرار تحالف طهران معها.
ورغم ذلك ،تبقى تلك الإشارات الإيرانية ، مجرد إشارات دون ان يعني ذلك ان تنازلاتها ستكون بالمجان ، وتدرك ان خصومها وعلى رأسهم الولايات المتحدة ،أنجزوا خططهم للصراع مع إيران على ثلاثة محاور: الصفقة النووية وإعادة النظر فيها ، والصواريخ البالستية بعد إطلاق صواريخ إيرانية من إيران ضد داعش في دير الزور وعلى الرياض من اليمن، ودور الحرس الثوري في المنطقة بنشر الفوضى، ويلاحظ ان الإشارات المتضمنة تنازلات من طرف طهران تقع في اطارالمطلب الدولي الثالث الخاص بالحرس الثوري وتدخل إيران في المنطقة، فيما يبدو ان إيران بطريقها لخسارة رهانها على موقف أوروبي سيكون متمايزا عن الموقف الأمريكي ، بعد الموقف الفرنسي الجديد تجاه الصفقة النووية، مما سيدعوها لتنازلات في ملفات اخرى.
وفي سياقات التسويات الكبرى، تبدو صفقة القرن ، في نسختها الخاصة على جبهة القضية الفلسطينية نشازا ، ارتباطا بمخرجاتها ، حيث ان جوهرها لا يعدو عن كونه “خلطة” غير موفقة، لما طرح من مبادرات تم رفضها منذ اتفاق أوسلو، وعنوانها اعلى من حكم ذاتي واقل من دولة ، وقفز لتطبيع عربي وإسلامي شامل مع إسرائيل ، كان يفترض ان يتم وفق مبادرة السلام العربية ، بعد انسحاب إسرائيل من الأراضي المحتلة عام 1967، وإقامة دولة فلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية ، ومن المؤكد ان صفقة القرن بصيغتها المتسربة اليوم لن يكتب لها النجاح ، خاصة وان الإطراف المعنية بها وهم الفلسطينيون وشركاؤهم التاريخيون الأردنيون مغيبون عن تفاصيلها ، إضافة لإطراف دولية فاعلة كالاتحاد الأوروبي وروسيا والصين، وربما كان في رد الفعل الشعبي الفلسطيني ، عند إغلاق بوابات المسجد الأقصى قبل أشهر، ما يشير الى اي حد يمكن ان يذهب الشعب الفلسطيني في الإجابة على صفقة القرن بمخرجاتها المطروحة، فهل ستكون الصفقة إيذانا بانطلاق انتفاضة فلسطينية جديدة؟
كاتب اردني