بينما كان يتأهب لتسديد ركلة الجزاء الحاسمة التي قد تصعد ببلاده لكأس العالم للمرة الأولى منذ عام 1990 ، كان محمد صلاح يدرك أن حياته على وشك أن تتغير، لكن ماحدث بعد ذلك كان بالتأكيد أكثر مما تخيل.
بعد أن سجل هدفي الفوز لمصر على الكونغو والذي أعلن تأهل المنتخب المصري رسميا لمونديال روسيا ، تحول صلاح من نجم لكرة القدم إلى بطل قومي في بلاده.
تصدرت صور صلاح وهو يحيي الجماهير كل الصفحات الاولى في الصحف الصادرة في مصر - البلد الذي يتجاوز سكانه الثمانين مليونا - وأطلق اسمه على مدرسة مسقط رأسه، بل وحصل كل من يحمل نفس الاسم على خصومات في بعض المطاعم بمصر كتعبير عن الامتنان لإنجاز النجم الشاب.
ونظرا لمولده في عام 1992 ، لم يشاهد صلاح أبدا منتخب بلاده يلعب في كأس العالم، لكنه غير وبمفرده تقريبا هذا الواقع.
"صلاح هو الرجل الذي يقف خلف تأهلنا لكأس العالم" يقول حازم إمام بطل أمم افريقيا 1998 مع منتخب مصر والذي لعب 87 مباراة دوليه في تصريحات لبي بي سي.
يتابع امام قائلا "عندما تأهل المنتخب في عام 1990، كان الامر نتيجة لمجهود جماعي للفريق، لكن هذه المرة كان صلاح قائد الفريق طوال مشاركة المنتخب في التصفيات".
كان لصلاح يد في كل الاهداف السبعة التي أهلت مصر إلى كأس العالم ، وذلك بتسجيله خمسة أهداف وصناعته لهدفين، واضعا نهاية لواحد من اكبر الغاز الكرة الافريقية المتمثل في عدم قدرة الفريق الذي سيطر على الكرة في القارة بسبعة القاب في كأس الامم الافريقية على التأهل الى كأس العالم.
المفارقة تكمن في ان حل اللغز جاء بعد فترة من التراجع في نتائج الكرة المصرية التي تاثرت بالاحداث التي شهدتها البلاد بعد ثورة 2011 الى حد الغياب عن المشاركة في كأس الامم الافريقية لثلاث دورات بين عامي 2012 و 2015 بعد ان كان الفراعنة قد حصدوا ثلاثة القاب متتالية في نفس البطولة بين عامي 2006 و 2010.
لكن الموازين بدأت في الانقلاب في مطلع عام 2017 عندما قاد صلاح بمساهمته في أربعة أهداف من أصل خمسة المنتخب المصري لانهاء كأس امم افريقيا في المركز الثاني.
تحت القيادة الفنية للمدرب الارجنتيني هيكتور كوبر المعروف بأسلوبه المعتمد على الصرامة في تطبيق الاسلوب الدفاعي، تحول محمد صلاح الى الإختيار الهجومي الرئيسي للفريق، الى حد دفع بعض الجماهيرالى وصف المنتخب بفريق "مرر الى صلاح".
يقول حازم إمام إن مساهمات صلاح مع منتخب مصر بالاضافة الى تألقه مع فرق الصف الاول في الكرة الأوروبية تجعل منه اللاعب الأعظم في تاريخ كرة القدم المصرية متقدما بذلك على اسماء اسطورية مثل حسام حسن ومحمد ابوتريكة ومحمود الخطيب، ويتابع إمام قائلا"لا أحد في تاريخ الكرة المصرية وصل الى هذا المستوى في اعلى فرق الكرة الاوروبية بالاضافة الى النجاح الكبير مع المنتخب الوطني".
يتمتع صلاح بشعبية كبيرة بين كل المصريين، رغم أنهم اعتادوا تشجيع اللاعبين الذين يمثلون عملاقي الكرة في البلد الاهلي والزمالك، لكن صلاح القادم من بلدة بسيون الصغيرة بمحافظة الغربية والتي تبعد 100 كم عن القاهرة، لم يتمكن من الالتحاق باحد القطبين في العاصمة، لينضم لنادي المقاولون العرب حيث بدا مسيرته مع الفريق الاول هناك في عام 2010.
"عندما بدات العمل معه، قلت له إن طموحه لايجب أن يكون له حدود كان يمتلك سرعة مذهلة والاهم من هذا ان كان ملتزما بتطوير أدائه الفردي كلاعب"، هكذا تحدث ضياء السيد المدرب السابق لمنتخب مصر للشباب في تصريحات لبي بي سي.
يتابع السيد قائلا "كان يستمع جيدا للتعليمات ويحاول تطبيقها بمثالية، لقد كرس حياته داخل الملعب وخارجه لكي يصبح لاعب كرة قدم من المستوى العالمي".
لكن بمجرد أن بدأ صلاح في الصعود ولفت انظارالاندية الكبيرة بمهاراته، كانت الكرة في مصر على موعد مع مأساة.
توقف النشاط الكروي في مصر بالكامل بعد مقتل 74مشجعا للنادي الأهلي في ملعب بورسعيد بعد إعتداء من جماهير المصري في فبراير 2012 ، بعد هذا التاريخ بشهرين انضم صلاح الى نادي بازل السويسري ليجذب انتباه المشجعين المصريين المحرومين من متابعة الكرة المحلبة ، وساعده عدم انتماءه لاي من الاهلي والزمالك على ان يتحول الى رمز يمكن أن يتفق عليه الجمهور.
المشجعون المصريون تحمسوا لانتقال اللاعب الى تشلسي الإنجليزي بعد موسمين من وصوله الى بازل، لكن مدرب الفريق البرتغالي جوزيه مورينيو لم يمنحه فرصة المشاركة لفترات طويلة رغم تمتعه بالسرعة وقدرته على التسلل بين المدافعبن.
"مفتاح نجاح محمد صلاح في أوروبا هو انه كان دائما يعرف متى عليه ان يتخذ الخطوة المناسبة"، يقول ضياء السيد مدرب منتخب الشباب المصري السابق ، ويتابع قائلا "لم يستغرق وقتا طويلا ليدرك أن الخروج من تشلسي مهم لتطوره كلاعب".
انتقل صلاح على سبيل الاعارة بعد ذلك الى فيورنتينا الايطالي، وهناك قدم صلاح لفتة اوضح تضامنه مع مأساة الكرة المصرية عندما ارتدي قميصا برقم 74 في اشارة لعدد ضحايا كارثة ملعب بورسعيد.
يرى اللاعب الدولي المصري السابق حازم إمام وهو أول لاعب مصري يلعب في الدوري الايطالي أن انتقال محمد صلاح للبطولة الايطالية هو اهم قرار في مسيرته الاحترافية.
ويتابع إمام قائلا "الوعي التكتيكي هو الأولوية في ايطاليا، كان محمد مهتما بان يتعلم كيف يعتاد على نظام اللعب المعقد هناك، لم تكن فترته طويلة في فيورنتينا لكنها كانت بداية رائعة جعلته مرتاحا للغاية عندما انتقل الى روما".
تألق صلاح مجددا في موسميه في فريق العاصمة الايطالية ، ففي موسم 2015-2016 أختيرلاعب العام في الفريق، وفي الموسم الماضي سجل 15 هدفا وصنع 11 ليقود روما لاحتلال المركز الثاني في الدوري الايطالي خلف يوفنتوس البطل، قبل ان ينضم إلى ليفربول الانجليزي في الصيف الماضي.
يقول ضياء السيد "أتذكر أنه سجل هدفا في مرمى توتنهام هوتسبر عندما كان لاعبا مع فيورنتينا وأحتفل بطريقة غير مالوفة عنه، عندما سألته عن السبب قال لي، "كنت سعيدا لأنني أثبت قدراتي امام فريق من الدوري الانجليزي الممتاز، وأعتقد انه نفس السبب الذي دفعه للإنضمام الى ليفربول هذا العام".
أثبت صلاح انه يسحق المبلغ الكبير الذي دفعه ليفربول لضمه الى صفوفه بتسجيله تسعة اهداف في أول اثني عشر مباراة في الدوري الانجليزي الممتاز هذا الموسم ليتصدر قائمة هدافي المسابقة حتى الان.
وفي مونديال روسيا في صيف العام المقبل، سيكون صلاح الرجل الحاسم لمنتخب مصر (سجل 32 هدفا في 56 مباراة دولية) حاملا على على عاتقه طموحات كبيرة.
"الكل سينظرالى منتخب مصر في كأس العالم على انه الفريق الذي يقوده محمد صلاح ، وهو ما قد يمثل ضغطا عليه، لكن اذا وصل الى المونديال بنفس المستوى الذي يقدمه الان سيكون من الممكن ان يقود المنتخب للتاهل الى الدور الثاني بكأس العالم للمرة الاولى في تاريخ الفراعنة" هكذا يؤكد حازم إمام قائد المنتخب المصري السابق.
أمر واحد يبقى مؤكدا على اي حال، هو ان مصر باكملها ستكون خلف صلاح، خاصة الملايين من الشباب الذين لم تسنح الفرصة لهم مثله تماما لكي يستمعوا الى النشيد الوطني لبلادهم في اكبر محفل لكرة القدم في العالم من قبل.