خالد علي عبدالخالق
بالرغم من حالة التباين المسيطرة على الدول العربية سواء سياسياً او ايدولوجياً او حضارياً ؛ الا انهم جميعا يشتركون في امر واحد هو اللجوء الى الدين ورجال الدين لكي يستمدوا السلطة والشرعية والقوة من باب فرض الله السمع والطاعة لولاة الأمر قال الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ) وحتى عندما تريد دولة تبديل سياساتها وتغيير موقفها ، ولكي لا تحدث صدمة اثناء عملية التغيير وتفاديا لاي اعتراض فانها تبدأ بفتاوي لرجال الدين ، هذا الاسلوب المُتبع من جانب الانظمة العربية ليس بالجديد . فعندما تعرضت الدول العربية جميعها لمختلف انواع الاحتلال من الشرق والغرب كان الملوك والسلاطين وحتى المماليك حريصون على التقرب لرجال الدين ، بعد ذلك ما فتئ رجال الدين ان اصبحوا هم اكثر حرصا على التقرب للحكام ، وصارت الدعوة لهم في المساجد جزء اصيل من عملية الدعوة ، فاحد اركان تثبيت النظام هو ولاء رجال الدين وان تكون الفتاوى متناغمة وموازية وغير متقاطعة مع النظام الحاكم ، لذلك كان يتم استحضار آيات قرانية او اقاويل مأثورة واحاديث من التراث مبتورة او ضعيفة تعمل على تسويغ الوضع القائم و تأييد كل السياسات التى تتخذ من قبل النظام الحاكم حتى ولو كانت باطلة او ظالمة او تبعد عن العقل والمنطق والضمير .
الانظمة العربية جميعها بالرغم من اختلافها وخلافها الا انهم جميعا يرجعون للسلطة الدينية ، فمنهم من ينتسب لآل البيت ويرى ان ذلك سبب لسلطانة ، ومنهم من يتشرف بخدمة الحرمين ، ومنهم من يرى انه دافع عن الاسلام والمسلمين على مر التاريخ . كلها اسانيد يرتكن اليها كل نظام عربي .
وبالرغم من حالة الصراع بين النظم السياسية في عدد من الدول العربية وبين التيارات الدينية التي يطلق عليها الاسلام السياسي ؛ الا ان الانظمة السياسية لجأت الى رجال الدين في المؤسسة الرسمية من اجل مواجهة رجال الدين في الجماعات الغير رسمية ، وحدث صراع بين رجال الدين اتباع المذهب الواحد “السنة” – بالاضافة للصراع الابدي بين السنة والشيعة – ، بين رجال الدين المنتمون للسلطة وبين رجال الدين ممن هم خارج السلطة . علماء الدين الاسلامي إنقسموا على أنفسهم وإختلفوا فيما بينهم ، ومنهم من كفر بعضهم البعض او احل دم بعضهم . ولم يقتصر الامر على الفتاوى فقط بل تم انشاء مؤسسات دينية لتكون بديلاً عن مؤسسات قائمة كمجلس حكماء المسلمين برئاسة الشيخ احمد الطيب بديلا عن الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين برئاسة الشيخ يوسف القرضاوي ، لقد كانت مؤسسات الدين الرسمية هي الملاذ الآمن للانظمة العربية عندما اهتزت العروش وسقطت الانظمة وتبدلت السياسات ، لجأ الجميع الى الدين والسلطة الدينية الرسمية ، خرجت الآف الفتاوي وما كان محرماً ومكروه في الامس اصبح اليوم حلال وجائز ومقبول ، ادخلوا الدين في كل شئ حتى في زيارات الرؤساء والدول ، زيارة حلال وزيارة حرام ، عاصمة حلال الزيارة لها وعاصمة كانت كافرة حتى وقت قريب والان اصبح حلال الزيارة لها ، حدث هذا عندما تم السماح للمراة في السعودية بقيادة السيارة فبعد عشرات السنوات من تحريم هذا الفعل من قبل رجال الدين خرج علينا رجال الدين انفسهم بفتاوى تجيز قيادة المراة للسيارة وما كان محرما في الامس اصبح حلال اليوم ، ومع زيارة الرئيس الامريكي للرياض خرج علينا امام المسجد الحرام بفتوى عن ضرورة عدم اضاعة الفرصة والاستفادة من زيارة ترامب للرياض ودعمها بحديث رواه مسلم جاء فيه ” لا يزال قوم يتأخرون ، حتى يؤخرهم الله في النار”، ثم جاءت فتوى خلال هذه الايام من مفتي السعودية عبد العزيز آل الشيخ لتكون متواكبة مع التطورات والتحولات التى تشهدها المملكة علي صعيد سياساتها الخارجية فقد أفتى ” بعدم جواز القتال ضد إسرائيل “.
ما لفت الانتباه في تلك الفتوى الاخيرة هو توقيتها ، انها جاءت في وقت كثر فيه الحديث عن علاقات بين الرياض وتل ابيب تنتظر الوقت المناسب للاعلان عنها بشكل رسمي واحتمال قيام تعاون بينهما لمواجهة نفوذ ايران في المنطقة وحزب الله في لبنان ، فهل صدور فتوى يعد مقدمة لقرب الاعلان عن زيارة ولي العهد السعودي لاسرائيل وبدء العلاقات الدبلوماسية بصورة رسمية وعلنية بعد سنوات من الاتصالات السرية ؟ .