ما اريد الوصول اليه هو النقطة التالية: ان المقياس الذي يعرف من خلاله المثقف الحقيقي هو عمله على تحقيق الانسجام الاجتماعي وفق الموروث الثقافي الذي يشكل هوية مجتمع ما من المجتمعات..
في التاريخ الثقافي الموريتاني الحديث و المعاصر لا يوجد من المثقفين الكبار الذين يحملون خصائص المثقفين العضويين التي يحددها علم الاجتماع السياسي إلا قلة قليلة من الرجال.. من هؤلاء الرجال بدون شك ولد سيدي يحيى.. الرجل الذي سار بمجتمع السبعينات و الثمانينات في نواكشوط (قبل ان يتمدد تأثيره الى الداخل ليأخذ بالشباب من اغواء العنف و الخطاب التمييزي التحريضي ضد الآخر الموريتاني الى سعة التفهم و التفاهم على اسس اخوية) من مجتمع تنتشر فيه بكثرة الرايات الحمراء (يكفي النظر الى الصور المأخوذة من تلك الفترة لمعرفة ذلك الواقع) و تنتشر فيه الخمور(حيث بلغ عدد الحانات يوما ما من الثمانينات ثلاثة عشر حانة على الاقل مفتوحة الابواب للجمهور على علم السلطات الاجتماعية قبل السلطات السياسية) الى غير ذلك من مظاهر التفسخ الاجتماعي..
لن اتحدث عن باقي الظواهر التي كانت تجتاح موريتانيا السبعينات و الثمانينات و بعض التسعينات لأن ذلك معروفا لدى الجميع..
ولد سيدي يحيى كان و مازال مؤثرا جدا في الشباب الموريتاني بل و في باقي الفئات العمرية لأن لديه قوة حضور هائلة في القلوب كما في العقول..
هذا الرجل قدم لمجتمعنا ما لم يقدمه غيره (من مختلف التيارات القومية و اليسارية.. اليسار؟؟؟!! الخ... ) سواء تعلق الامر بتبسيط الشروح و الفقه الذي كانت موريتانيا قبل عهد ولد سيدي يحيى تفتقر بقوة اليه و الذي كان ايضا عامل اساس كبير امام عزوف الكثيرين عن الاتجاه نحو الدين و تعلمه بسبب غموض الكثير من الشروح الفقهية.
ينضاف الى ذلك حضور ول سيدي يحيى على مستوى آخر لا يقل اهمية.. انه الحضور في مجال الفكاهة الدعابات و الضحك.. فلم يكتفي أرث الرجل بالعطاء العلمي بل اضاف اليه إرثا لطيفا من الاقوال و التعقيبات التي شكلت عناصر ثقافية في مخيالنا الاجتماعي فاصبحنا نعيش في دعابات و اقوال مضحكة مبكية تنسب الى الرجل.. منها الحقيقي و منها دون ذلك في صحة النسبة..
ول سيدي يحيى حقق للمجتمع المسلم في موريتانيا ما لم يحققه غيره من التأثير في المستوى المعرفي و الاجتماعي و المخيال الثقافي و الانسجام الفردي الجماعي...
لذلك استحق ولد سيدي يحيى عن جدارة لقب المثقف الكبير الذي يحمل هم التغيير الذي يحمل بوادر الأمل و السكينة و الوحدة ...
تحية طيبة مباركة لمحمد ولد سيدي يحيى..