فؤاد البطاينه
اخاطب العقول العربية وممتهني الكتابة والبحث والتنظير والاصطفاف والجلوس على التلفاز، من واقع أننا نحن العرب بتنا محلا للحدث وللجرائم الانسانية والسياسية ،وفرجة للعالم مجانيه . تُصنع فينا وفي أوطاننا أطماع الأخرين .ونحن في كل هذا نشكل جيوشهم المقاتلة وحكامنا قادتها .وأصبحت الحروب المباشرة علينا من الماضي. وحرب اكتوبر كانتاخرهاوالمسرحية التي مهدت لمعاهدة كامب ديفيد التي عنوانها الاستسلام العربي للكيان الخزري الصهيوني وفك الارتباط بفلسطين وشعبها وبالعروبة ووحدة المصير . وبات المنحنى العربي في هبوط حاد منذ تلك المعاهدة التي راهنت عليها الصهيونية وفرخت معاهدات الاستسلام .فمصر كانت ثقل العرب ومغناطيسهم ، وافتقدنا بفقدانها اللحمة والبوصله والفرصة نحو بناء الانسان العربي.
وفي هذه الجزئية ، لا انسى ذاك المشهد عندما كان بيريس مجتمعا بالجمعية العامة وسأله احدممثلي الدول، لماذا لا تضغطوا باتجاه منح الاردن مالا كما اعطيتم مصر ، وقد وقع معكم معاهدة سلام ، فكانت اجابته ” إنمصر تستطيع أنتصنع حربا وتصنع سلاما فاعطيناها ، وإن سوريا اذا وقعت معنا سنعطيها لأنها وإن كانت لا تصنع حربا ، إلا أنها تستطيع تخريب السلام ، أما الاردن فإنه لا يستطيع صنع حرب ولا تخريب سلام ، وإننا سنعطيه عندما يوطن اللاجئين ” انتهى . إني لا أذكر هذا المثال لمعانيه الكبيره ، بل لمجرد توضيح إدراك العدو لأهمية مصر ودورها المركزي في الوسط العربي وفي قيادة الأمة ، ومراهنته على عزلها عن موقعها العربي لتقاد اليوم من ملتبسي الهوية بوزن الريشة وفعل الريح الذي يحملها .
ليسس أمامنا اليوم أي نظام عربي رسمي حر يصلح ملجأ للأحرار وبيئة تقود باتجاه بناء الانسان العربي ليمسك بزمام اموره نحو التحرر والتحرير ويأخذ مكانته بين الأمم ،وأصبحت المهمة حكما على عاتق نخب العرب الشعبية .فنحن لسنا طارئين على الأمم ، وعلماء التاريخ واللغات والأثار والأناسة الاجانب قطعوا بأن كل المصطلحات والتسميات والأسما المطلوقة على بناة الحضارة في وادي الرافدين وبلاد الشام وفلسطين منها هي في الواقع اختصار لكلمة” العرب “.
إني وغيري نعلك بالكلام علكا بلا طعم إن استمرينا بوصف حالة امة العرب ودولها اليوم، فليست خافية على احد .عنوانها هو دول بلا شعوب ولا قاده ، بل حظائر بأغنام ورعيان مأجورين ، وذئاب من كل صوب تأتي لتنهش . والمطلوب أن نعيد الحظيرة وطنا ودولة ، والأغنام شعبا رائدا حرا ، والرعاة يرحلون ويحل محلهم قادة يقودون بوحي شعوبهم .وإن لوم الحكام والأعداء مذلة قاعدتها الجهل والعجز، وفيها تضليل للذات وتزوير للحققية وفقدان للبوصله .
نخبنا الوطنية مشغولة بمتابعة معارك النزع الأخير أملا في الحفاظ على سوريا كما كانت دولة ونهجا . وكأن في ذلك الخلاص لمحنة الأمة أو وقفا لنزفها . ولا نرى لتلك النخب مسارا باتجاه الجرح وعمقه . بل تغاضيا عن التوازن الدولي القائم الذي لا مكان فيه للضعفاء . وتغاضيا عن محدودية ومحددات المساعدة الروسية أو الايرانية . وتغاضيا عن فكرة أن من نسعى اليهم ليحررونا وبلداننا افتراضا ستكون يدهم هي العليا ولهم مقاساتهم ولن يعطونا حرية تحقيق ذاتنا على مقاسنا ، ولن ينوبوا عنا في بناء النفس وفي مشروع نهضوي .وكيف يُسمح لسوريا أن تعود لما كانت عليه كدولة ونهج وشعارات ، أو لوضع أفضل بعد هذا المخاض المكلف الذي لا يتفق مع منطق المصالح والمكتسبات الامريكية والصهيونية والروسية والايرانية . فروسيا الصديقه باتت تمتلك وكالة امريكية في سوريا مشروطة بمصالح اسرائيل وتكريس ضم الجولان ،فماذا نرجو منها بعد ذلك . أليست كرة خلاصنا في ملعبنا .
وعندما نقول بأننا نحن العرب مستهدفون فذلك ليس إلا لخلل فينا عميق .بشلنا ويجعلنا غير قادرين على حماية أنفسنا وأوطاننا ومقدراتنا ، وبالتالي فريسة للطامعين والقناصين . لنترك شماعة الدين وفزاعته ، فالدين وأي دين عندما يكون مصانا بفكرته وبحدودهوضوابطها لا يمكن أن يكون في حسابات الاخرين هدفا ،بل في مرمى استخدام العدو .والاسلام فكرا ورسالة لا يشكل عبئا على أي دين أخر وأتباعه . ايران وتركيا واندونيسيا وماليزيا والباكستان دول اسلامية هي اليوم ما بين نووية وعملاقية الاقتصاد ، وليس هناك من يستهدفها . وتتطلع امريكا ودول الغرب الى صداقتها والتعاون معها او الى السلام معها ، وما الصراع الامريكي الايراني إلا خيار ايراني مرده الى رؤية ايرانية سياسية – عقدية امتدت بحكم الفراغ الى مناطق عربية محرمة صهيونيا . ولن تكون في مأمن من قوة غاشمة قادمة لا سيما في حالة عدم تجاوبها مع همسة روسيه .
فالقضية عربية لا اسلامية ، والخلل عربيتخلفي مفاهيمي ظلامي الطبيعة غائر ، والشعب فيها يعيش حالة القطيع . فأين الحل . القطيع يقوده المرياع وليس الراعي ،(والمرياع جرس معلق قي رأس كبش يسير في المقدمه ) فلا حل إلا عربي ، ولا حل دون تغيير ثقافة القطيع الى ثقافة العصر ومحاكاة العقل والنهوض .ولا حراك دون اجراس تقرعها لهذا الغرض عقول النخب الوطنية الحره المضحية باتجاه الانتقال من حقبة التجهيل وصناعته الى حقبة التنوير واحياء الانتماء والثقة بالنفس واسقاط فكرة تجزئة العرب والحدود واختلاف المصير ، وبشعار قدسية الانسانالعربي هي قدس أقداسه .الدول العربية وجودها هلامي ومستقبلها في مهب الصهيونية، ولكنها تعج بالمفكرين والنخب السياسية ومراكز البحث ، والامة بحاجة الى وقفة حرة من هؤلاء مع النفس والمراجعة والعمل بهذا الاتجاه ، وليصبحوا عندها أندادا مؤهلين للصداقات والتحالفات مع الأخرين.
كاتب عربي