من صفحة لبروفسير Ahmed Amou Ould Moustapha :
عندما كان الغرب فى القرون الوسطى يغرق فى سبات عميق تمزقه الحروب الدينية و تتحكم الكنيسة المتغطرسة فى جميع مفاصل حياته و تفرض على المواطنين العشور و الضرائب و تبيع صكوك الغفران لمن يدفع أكثر و تنظم دورات لطرد الأرواح و الجن و تعالج المرضى بالخرافات و الدجل و تمنع تبنى أية نظرية علمية جديدة لا تتفق مع نظرة الكنيسة التى تتسم بالسخافة فى بعض الأحيان حتى أن بعض العلماء إتهموا بالزندقة و الردة و أعدموا .
كانت أمة الإسلام فى نفس الفترة تنعم برقى فى جميع المجالات العلمية و الفنية و الشعرية و التنوع الفكرى و الإزدهار و الرخاء الإقتصادى و التسامح و النفوذ و الهيبة و القوة العسكرية و التمدد الجغرافى و إنتشار الدين الذى تحمله حضارتها . لم يكن هذا التقدم فى جميع مجالات الحياة هبة من السماء بل كان تتويجا لمجهودات رجال ( النساء كن مغيبات و إلا لربما كان العطاء أكثر) سخروا أنفسم للبحث و التحصيل و نحن اليوم نعتز بهم و نفاخر بهم الأمم و نسمى بهم المستشفيات و الجامعات و المعاهد و الشوارع و نذكر فى كل مناسبة ، و هذا حقنا ، أن الغرب إعتمد فى ثورته الصناعية المتواصلة إلى اليوم و فى تقدمه الفكرى و الإنسانى على ما أنتجه العقل و الفكر المسلم .
لكن السؤال الذى أطرحه دائما : لماذا توقف العقل المسلم عن الإنتاج و الإبداع و ما سبب هذا التعطل الحضارى الذى أصاب أمة بأكملها حتى سلمت مفاتيح مختبراتها و أسرار نهضتها و زبدة أفكار علمائها إلى حضارة كانت قابعة فى براثين الجهل و التخلف ؟ و إستلمت منهم مقابل ذالك الأريكة التى كانوا عليها نائمين فغطت فى نوم عميق متدثرة بنفس غطاء الجهل و التخلف الذى كانوا به يلتحفون منذ قرون
إن الأمم تتقدم و تزدهر بقدرما تقدر و تحترم من يتولون إنتاج العلوم و المعرفة من علماء و مفكرين ، و ديننا قد شدد على المكانة المرموقة للعلماء حتى جعل منهم ورثة للأنبياء لكن علماء الدين قاموا بانقلاب تارة أبيض و تارة دموى على بقية العلماء من العلوم غير الدينية فإستأثروا لوحدهم بالحظوة و المكانة مستشهدين ببعض النصوص التى يحتكرون إستنطاقها و تفسيرها كما يروق لهم فأحاطوا أنفسهم بهالة من القدسية حرموا منها غيرهم مع أن النصوص الدينية الممجدة للعلم و العلماء كانت مطلقة دون تقييد بل ذهبوا أبعد من ذالك فشككوا فى إيمان علماء فى العلوم التجريبية و الكونية من طب و كيمياء و فلك و رياضيات ... و مفكرين و فلاسفة و بعض الشعراء و المبدعين فى تخصصات مختلفة حتى أنهم فى بعض الأحيان إستعملوا نفوذهم عند بعض السلاطين لتحريم كتبهم و لهدر دمائهم بحجة الردة و الزندقة حتى خلا لهم الجو بإبعاد كل فكر مشاكس فطفقوا يجترون النصوص التى بقيت محنّطة منذ العصر العباسى فنظموها أراجيزا و فسروا الأراجيز ثم نظموا تفسيرها .... و بما أنه لا شيأ يذكر عندهم ليضيفوه فقد إشتغلوا فى تمجيد طاعة السلاطين المستبدين و تحريم الخروج عن أمرهم و إخراج الفتاوى عند الطلب و تأليف المجلدات فى الحيض و النفاس و فى فقه النخاسة و سَنَن قَص الشعر و الأظافر و دخول المرحاض و أدعية السفر و النجاح و وفرة المال و الزواج و الإستشفاء بالشعوذة و الخرافات و ببركة الأولياء بعدما حرموا كتب إبن سينا ، و تفسير الأحلام و الأحكام التى تضيق مجال الحريات خاصة على المستضعفين مثل المرأة و مثل من شرعنوا إستعبادهم و تشييئهم ، و نصوص تحرم القهوة و التدخين و أخرى تحرم الفن و الرقص و الموسيقى و جميع مظاهر الفرح و الإبتهاج فجدب العقل و تبلدت القريحة و إنكفأ التطور و تقوقعت الحضارة .
حاولت الإطلاع على المكانة التى كان يحظى بها فى زمانهم بعض العلماء الذين شاع صيتهم خارج حدود العالم الإسلامى و أخذ عنهم الغرب كلما دونوه من أفكار و نظريات علمية بنى عليها نهضته التى مازالت متواصلة بعد أن أبعد الكنيسة عن الشأن العام و تم القضاء على محاكم التفتيش و هؤلاء العلماء هم مصدر فخرنا و إعتزازنا و البصمة الشاهدة على إسهامنا فى الحضارة الإنسانية .
١: إبن سينا : اكبر الفلاسفة و الأطباء المسلمين .
كتب عنه إبن القيم : فالرجل معطل مشرك جاحد للنبوات و المعاد لا مبدأ عنده و لا رسول و لا كتاب . و قال فى موضع آخر : إمام الملحدين الكافرين بالله و ملائكته و كتبه و رسله و اليوم الآخر .
و سؤل الامام بن الصلاح عن الإشتغال بتصانيف إبن سينا و الإطلاع على كتبه و هل يجوز الإعتقاد بأنه من العلماء أم لا فأجاب بقوله : لا يجوز لهم ذالك و من فعل ذالك فقد غرر بدينه و تعرض للفتنة الكبرى !!!!
و كتب عنه إبن تيمية :
إبن سينا و غيره يذكر من التنقص بالصحابة ما ورثه عن أبيه و شيعته القرامطة ،
كان هو و أهل بيته و أتباعه معروفين عند المسلمين بالإلحاد ، أحسن ما يظهرونه دين الرفض و هم فى الباطن يبطنون الكفر المحض ( كأنه شق قلبه ليعرف ما يبطن )
و كتب الذهبى :
و له كتاب الشفاء و غيره و أشياء لا تحتمل و قد كفره الغزالى فى كتاب المنقذ من الضلال و كفر أيضا الفرابى
و كتب الكشميرى : إبن سينا الملحد الزنديق القرمطى ( كتاب فيض البارى ) .
و لم يكن إبن رشد و الفارابي و إبن عربى و الخوارزمى و الحلاج و لسان الدين الخطيب و إبن الفارض و رابعة العدوية و المعرى و بشار بن برد و إبن خلدون .......بأحسن حظ من إبن سينا فقد صدرت فى حقهم فتاوى تكفيرية و منهم من أعدم و بأبشع الصور مثل إبن المقفع الذى قطعت أوصاله و شويت و أرغم أن يأكل منها قبل أن يلفظ أنفاسه و منهم من أحرقت كتبه بقرارات و نصوص متطابقة بالشكل و بالمضمون مع قرارات محاكم التفتيش الكنسية و الحكم على النوايا التى كفرت گاليلى و كوبرنيك و نيوتن و ديكارت و فولتير ....
بعد أن كفرنا علماءنا و نكلنا بهم وحرَّمنا الإشتغال بتصانيفهم و بنظرياتهم فتلقفها غيرنا فأسس عليها أكبر نهضة علمية عرفها الإنسان نأتى اليوم لنعترف بهم و نفاخر بهم كعلماء مسلمين .!!!!!
لكن المؤسف أن الأمر لم يتغير كثيرا عندنا فسدنة الإنكفاء و الإنعزال لا تغمض لهم عين فبعد أن سدوا جميع المنافذ وقفوا عليها بعصيهم التكفيرية الغليظة سلاحهم التى يتصدون بها لكل فكر تجديدى يخرج عن المألوف تحت ذريعة الدفاع عن الثوابت الدينية و الثقافية و إذا كانت أحكام القتل لم تعد تنفذ من طرف الدول نظرا للضغوط الخارجية فإنه يوجد من يشجع على التصفية الجسدية خارج أي إطار قانونى أو ألموت الإجتماعى بتبريرات دينية و حتى بتحفيزات مالية و يتكلف بتنفيذها بعض المغررين من البسطاء يبتغون بها رضوان الله و جنته كما صور لهم و تبقى النتيجة هي نفسها .
الحمد لله على أننا لسنا وحدنا على هذا الكوكب فثمة من يخدم عوضا عنا
فكما قال الشابى:
فمن نام لم تنتظره الحياة .......