غادة السمان
لفتني القول المختزل للإعلامي الكبير الذي يكتب لي تحت اسم «سوري» حيث يقول «بتنا يا سيدتي أكبر أمة لإنتاج المآسي» وكم ذلك أليم وصحيح.. و(قابلات) المآسي (وأطباء) توليد الكوارث العربية يعملون بنشاط ضد أمثالي من «أيتام العروبة» الذين ينشدون «بلاد العرب أوطاني» رافضين التعتيم على «قضية فلسطين».
حين كنت صبية كنت أحلم بركوب قطار ينطلق من شمال الشاطئ السوري واللاذقية فبيروت إلى بقية الشاطئ العربي مروراً بحيفا والإسكندرية حتى آخر مدينة عربية على شاطئ المحيط الأطلسي.. وتدهور القطار!.. وما يدور في (مستشفى) الموت العربي الخاص بتوليد المآسي قام بتحويل الحلم الجميل إلى كابوس أليم..
وهكذا شَيدتُ في قلبي «جدار مبكى» خاصاً بسذاجة أحلامي بتحرير فلسطين من «النازية الإسرائيلية» خلال سبعة أيام وأنا أنشد «بلاد العرب أوطاني»!..
أفانين كبة وقاع الجرح السوري
الفنانة التشكيلية العراقية أفانين كبة ـ كندا ـ تكتب بأجدية عاقلة ولكن لها قلب، في تعقيب حول نزوح السوريين إلى لبنان: هؤلاء السوريون هم يد عاملة وطاقة هائلة كان بإمكان الدول العربية الغنية بالثروات أن تشغلهم لإعمار الصحراء العربية وبنائها وأيضاً لتضع السقف فوق رؤوسهم ولتستر على عوائلهم، بالإضافة إلى أنه عمل إنساني سيخلد في التاريخ ويبقى محفوراً في الذاكرة… فهذا أقل ما يمكن أن تقدمه الدولة العربية للنازحين… ومليارات الدولارات تتبعثر هنا وهناك وكلها من أموال الشعب العربي».
يا عزيزتي أفانين «لقد أسمعت لو ناديت حياً… ولكن لا حياة لمن تنادي».
أما «باسر باي: «Passer – by» أي عابر سبيل (فيتساءل متى ترشحي لجائزة نوبل وأشكره على ثقته بأدبي. اسمي صار على قائمة المرشحين منذ ثلاثة أعوام لكنني لم أتحدث عن ذلك لأنني لست «صيادة جوائز» ولا «حصان سباق» في الملعب الأبجدي.. وقد رشحني للجائزة عشرات الأدباء العرب آخرهم ترشيح المفكر الكبير الذي يكتب بالفرنسية والذي لا أعرفه شخصياً البروفسور هشام جعيط رئيس «جامعة الحكمة» وتم قبول ترشيحه وإدراج اسمي على «القائمة» إلى جانب الشاعر أدونيس وسوانا، كما أخبرني في اتصال هاتفي بي إلى باريس، وبالزملاء في «دار الطليعة» ومنشوراتي ببيروت.
أكرر: البوصلة اسمها فلسطين..
أما عمرو ـ سلطنة عمان ـ فلديه فيما يبدو كنز من المعلومات ولن أنسى أنه أرسل لي عن طريق الأديبة الشابة عفيفة حلبي بحوار لي مع الصديقة المبدعة المطربة فيروز كنت قد أضعته.
عمرو تأثر بقولي عن ابن متسولة سورية «حزنت على عزيز قوم ذل» الطفل السوري الذي كاد يقتل تحت عجلات سيارة بيروتية ليستعطي، وكتب معلقاً:
«متى ينتهي هذا الصراع العربي/العربي».
والإجابة يا عمرو واضحة: حين نجد البوصلة التي أضعناها ونعي أن العدو هو إسرائيل، وليس هذه الطائفة أو تلك ولا حروب «داحس والغبراء» العصرية .. ويومها فقط سأهدم «جدار المبكى» السري في قلبي..
من لم يحب فعالجوه!
بولنوار قويدر أكد تعقيباً على لحظة حرية بعنوان «لن أحرق سطراً مبدعاً»: «من لا يحب فعالجوه»!.. وهذا جميل.. أما الكروي داوود فقد قرر أن للقلب أربع حجرات ولهذا فليس من الصعب للرجل أن يحب أربع زوجات.
أما سلوى فقد انفجرت بمودة قائلة: يا أخ كروي تقتلني نظرياتك العاطفية في الصميم.. للقلب أربع حجرات لدى الرجل ولكن هل قلب المرأة مختلف تشريحياً عن قلب الرجل؟ .. إذا طبقنا أقوالك فمعنى هذا: يحق للمرأة أن تحب وتعشق أربعة أزواج؟
متى نشر بقية تراث الشهيد كنفاني؟
أتوقف مع السطر الواحد المؤثر لفراس حج محمد يقول فيه «أكتبي ليظل غسان كنفاني حيا» وانتهز الفرصة للتذكير بضرورة نشر تراث غسان كنفاني كله دونما انتقائية لسبب أو لآخر.. فما زال بعضه مستبعداً لانتقائية ما، وأطالب كقارئة بنشر بقية إبداعات غسان في الحقول كلها (فقد مر الزمان وكلنا الذين عاصرنا غسان سنعود تراباً) وأذكر على سبيل المثال مقالات كتبها غسان كنفاني في مجلة «الحوادث» باسم مستعار هو «ربيع مطر». وكان يكتب تلك الزاوية بالاشتراك مع رياض شرارة ونبيل خوري وجلال الكشك وكلهم رحل عن عالمنا ولم يبق على الأرجح من يستطيع أن يدل على مقالات كنفاني تحت اسم «ربيع مطر» سواي.
وثمة نصوص عاطفية جميلة تمزق الخيط الشفاف بين الشعر والنثر كتبها غسان في «أوراق خاصة» ـ في جريدة «المحرر» وكتب مثلها في صفحته حين كان رئيسا لتحرير ملحق «الأنوار» وكان يخطها باسم فارس فارس.
مرت أعوام طويلة على رحيل الشهيد غسان وأعتقد أنه يحق لعشاق أدبه المطالبة بنشر تراثه كله دونما حذف.. وإبداع غسان يستحق البقاء بأكمله.
فرنسا ليست «جمهورية موز»
قلم بتوقيع ايدي ـ سويسرا ـ كان يريد مني مقارنة ما يدور من فساد في لبنان مع سويسرا (النموذجية). لكنني اخترت فرنسا بالذات لأنني أحببت المقارنة مع (الممكن) لا (المثالي).
وقد عشت في سويسرا أعواماً وأعرف واقع الأمور.. لكن فرنسا ليست «جمهورية موز» كما جاء لدى ايدي.. فرنسا بلد كبير يقاوم الفساد وحزني كان على لبنان حيث الفساد هو القاعدة بينما هو في فرنسا الاستثناء ويخضع لسلطة القانون.
عراقة دمشق في دمي، وحب بيروت!
توقفت طويلاً أمام القول المؤثر لأسامة كلية ـ سوريا/المانيا: «بالنسبة لإسرائيل الفلسطيني الوحيد الجيد هو الفلسطيني الميت!!».. وكم ذلك صحيح وأليم وتشهد عليه أفعال الصهاينة.. و«جدار المبكى» في قلبي! أعود إلى عمرو ـ سلطنة عمان ـ الذي دافع عني مشكوراً حين اختار سطوراً من كتابي «غربة تحت الصفر» أقول فيها:
«إذا كان في حروفي ما هو عريق وأصيل، فهو عراقة دمشق في دمي. أقدم مدن التاريخ الصامدة وعراقة شعبي السوري، تفرض عليّ الوفاء لمن أكرمني ـ وقد أكرمتني بيروت كما أكرمت الأدباء العرب جميعاً. أنْ أتذكر بيروت لا يعني أنني نسيت دمشق».
ولم يخطئ أسامة كلية حين حدس أنني أحمل الجنسية اللبنانية وأضيف: منذ أكثر من أربعة عقود. ومعذرة من القراء الذين لم يسمح ضيق المجال بالتواصل مع رسائلهم..