عن تجريم الأقلام \ د عباس ابراهام

اثنين, 07/03/2017 - 16:24

 

 

أصبح الأمر رسمياً. ما إن يكتُبَ كاتِبٌ مرموقٌ (بالمعنى الحَرفي، وليس بالضرورة استحقاقاً) مقالاً، وأحياناً تدوينةً، حتّى يُرسِل عليه الله طيراً أبابيل من المُدوِّنين، الصغار والكبار. ولن تنتهي عملية الرجم والتقطيع قبل أيام التشريق الثلاثة. والأمر يُشبِه رشق البنغازيين لشاشات خُطبة القذافي بعد الانتفاضة عليه، باستثناء أن المقتول في التقاليد الموريتانية ليسَ أباً. وهو لا يُقتَل أوديبياً، وإنما أُضحيةً: لوجه الله تعالى. وأحياناً يبدو كما لو أن الأمر من الشرِّ الفِطري المُستطير، أكثر مما هو لغاية واضِحة. إلاّ أن الواضِح أن هذه الظاهرة قد أصبحت موجّهة ضدّ الرأي أساساً. وهذه هي الديماغوجية الأصلية: فهي كانت رفض الجموع لمنطِق النخبة المثقّفة: كانت رفض الهدير للقلم (إلى أن تبيّن أن النخبة هي الشريرة).

ويوجدُ "كُتاب" تحتلُّ الردود النسبة الأغلب من مساهماتِهم. وهم، وأشياخهم وأتباعهم، راضون بسلبيتِهم. ويوجد ردوديون مملوكة رقابُهم حزبياً، ناهيك عن مُبتغي التعيين وغلمان الدهاقنة وأغيلِمة الغِلمان والثيران المندفِعة للتو في الحلبة ومن يختبِر قلمه (أيْشَبّرْ كَافُ) من المراهقين، شيوخاً أو شباباً، وسماسرة الأمراء والأتابك والأعيان وشيوخ القبائل، ومن الطُفيليين والشتّامين على القطعة والمصارعين، الذين يعرضون أنفسَهم والأنسابيين ومن تقطّعت بهم الأسباب في عالم الكِتابة والسفهاء المأمورون والملاّحة وأحباب سامسونغ ومن تزوّجته الجن وركبته..الخ. بنهاية الوقت صارت عندنا ثقافة شتم الكاتب وثقافة الردودية.

وثمّة من تخصّص في الردِّ على كاتِب بعينِه، فصار الملَك الموكّل به أو الشيطان المقيّضَ له (يعتمد هذا على تموقِعكَِ). ويوجد نوعٌ صغيرٌ من الوخش والخشخاش يُخرِّجُ دوماً من الجُمل- التي ما كان، ولو اعتصر ذهنه، ليفهم- مؤامرة ضدّ الهوية والدِّين. وكان يُطلَبُ في القرون الوسطى من التفتيشي أن يتعلّم القول، قبل أن يفصل فيه. أما التفتيشي اليوم فهو ابتدائي وجاهِل مركّب. ويجوب هؤلاء شوارع الكلام والكتابة لفرض المعايير.

هنالك عدّة جينيالوجيات لهذه العادة: ولع الزوايا بترسيم ما يُقال وما لايُقال. التأديب المضاربي الذي يقع على عاتق القبيلة والشارِع والأكبر سناً. المشاغبة الموريتانية أمام التلفزيون وتسخيف من يصعد المنبر. التلحين الزاوي الشهير. التكساح والترطال والتبرصيكَـ والدصارة التي هي من "آداب" المجلس. تواريخ المساجلة والتهاجي والنقائض المحظرية. توجد جينيالوجيات أخرى غير ثقافية (طبعاً نحن على وعي بأن مفهوم "الثقافة" غير مفيد جداً وخصوصاً بأشكالِه الكسولة السائدة في الإحاطة أو حتّى تحليل أنماط التصرّف): الأحقاد والثارات الشخصية التي تُغلّف في النقد وفي حماية الشرف والدين.

_________

* ليس هذا القول بالضرورة راهنياً. وليس القصد من النشرية أن تكون مرآةً او رشّة إفاقة. وإنما الأمر أن هنا ظواهر جديرة بالتأمل.

 

 

نقلا عن صفحة الكاتب على الفيسبوك 

الفيديو

تابعونا على الفيس