محمد الأمين ولد الفاضل
من المؤكد بأنه لو تقرر أن يتم تصنيف الأمم وفق المعايير التي يتم على أساسها تصنيف الدول لاستحق العرب في أيامهم هذه بأن يصنفوا على أنهم أمة فاشلة أو أمة هشة، هذا هو التصنيف الذي يستحقه العرب في أيامهم هذه، وذلك على الرغم من أنهم يمتلكون من مقومات النجاح ما لا تمتلكه أمم أخرى تمكنت من تحقيق نجاحات مشهودة.
حقق الفرس والأتراك وأمم أخرى نجاحات ملموسة، وبقي العرب ينتقلون من محطة فشل إلى محطة أخرى، ويبدو أنهم بفعل أزمة الخليج الحالية سيكونون على موعد جديد مع محطة فشل جديدة ستعيدهم سنين عددا إلى الوراء.
إنها نفس الأخطاء التي تتكرر دائما، فها هي المملكة العربية السعودية تقرر بنفسها أن تتخذ جملة من القرارات والمواقف التي ستؤدي في المحصلة النهائية إلى إضعاف المملكة وإلى منح مزيد من الفرص لإيران وتركيا لتحقيق المزيد من النفوذ في المنطقة.
في السنوات والعقود الماضية كنا نعول على دول عربية كبرى كمصر والعراق وسوريا، ولكن قادة تلك الدول اتخذوا مواقف وقرارات غريبة في لحظات تاريخية حرجة، وهي المواقف التي أدت في النهائية إلى إضعاف تلك الدول، وإلى منح المزيد من النفوذ للدول الإقليمية المنافسة. واليوم ها هي المملكة العربية السعودية تكرر نفس الأخطاء، وتتخذ نفس القرارات والمواقف الغبية، والتي ستؤدي هي أيضا، وفي محصلتها النهائية، إلى إضعاف المملكة وإلى منح المزيد من الفرص والنفوذ للدول الإقليمية المنافسة.
إنه نفس الغباء السياسي، وإنها نفس الأخطاء الإستراتيجية التي تتكرر دائما، والمصيبة أنها تأتي دائما من أنظمة الدول العربية الكبرى التي كنا نتوقع منها في مرحلة معينة أن تقود قاطرة العرب إلى الأمام، فإذا بتلك الأنظمة تقرر أن تحرك القاطرة إلى الخلف.
في مطلع عقد الثمانينيات قصفت طائرات العدو الصهيوني المفاعل النووي العراقي فدمرته تدميرا، وبدلا من أن يرد العراق على العدو الصهيوني، فإذا به في مطلع التسعينيات يقرر احتلال الكويت بعد أن تلقى الضوء الأخضر من السفيرة الأمريكية في العراق في ذلك الوقت ابريل غلاسبي، والتي ربما تكون بذلك قد أرادت أن توقع العراق في فخ محكم. تم من بعد ذلك تدمير العراق من خلال تحالف دولي واسع، وكان الرابح الأول هو إيران التي أصبحت اليوم هي المتنفذ الأول في العراق.
كان العراق في عهد صدام حسين من أهم البلدان العربية التي يعول عليها لما يمتلكه هذا البلد من قدرات بشرية ومادية، وكان العراق في ذلك العهد يضع اسم إيران في الرتبة الأولى في لائحة أعدائه، ولكن النظام العراقي اتخذ في ذلك العهد مجموعة من القرارات والمواقف التي أدت في المحصلة النهائية إلى أن يتم تسليم العراق على طبق من ذهب لإيران.
دولة عربية أخرى ـ وهي سوريا ـ كان يعول عليها، قد تم تسليمها هي أيضا لإيران، وكان ذلك نتيجة لقرارات ومواقف غبية اتخذها الرئيس بشار الأسد. كان بإمكان بشار الأسد الذي ورث الحكم من أبيه، أن يقوم بإصلاحات، وكان بإمكانه أن يتنازل عن شيء قليل من سلطاته للشعب السوري فيحمي بذلك بلده مما حل به من خراب.
كان بإمكانه أن يفعل مثل ما فعل محمد السادس ملك المغرب الذي واجه الربيع العربي بحكمة وبإصلاحات سياسية جنبت المغرب ما حل ببلدان أخرى، كان بإمكان بشار أن يتنازل للشعب السوري عن شيء قليل من سلطاته الواسعة، ولكن بشار رفض ذلك، ليجد نفسه من بعد ذلك، وبعد أن خرب بلده، مضطرا للتنازل عن جل سلطاته لإيران والروس.
اليوم تضع المملكة العربية السعودية اسم إيران في أعلى لائحة أعدائها، كما كان يفعل العراق في عهد صدام حسين، واليوم تتخذ المملكة العربية السعودية قرارا غبيا مثلما فعل النظام العراقي في بداية عقد التسعينيات، واليوم تحاصر العربية السعودية بلدا عربيا صغيرا وهو قطر، وكان ذلك بعد أن تلقت الضوء الأخضر من الرئيس الأمريكي ترامب، الشيء الذي يذكرنا باحتلال العراق للكويت، وذلك بعد أن تلقي النظام الحاكم حينها في العراق الضوء الأخضر من السفيرة الأمريكية.
إنه لمن المؤسف حقا أن لا تظهر شجاعة قادة الدول العربية الكبرى إلا عندما يتعلق الأمر بمواجهة دول عربية صغيرة..لم يرد العراق في عهد صدام حسين على عملية تدمير مفاعله النووي من طرف العدو الصهيوني، ولكنه في المقابل تمكن من احتلال الكويت في ساعات. ولم يتمكن النظام السوري في عهد الأب والابن من مواجهة العدو الصهيوني الذي يحتل الجولان، ولكنه تمكن في المقابل من اجتياح بلد عربي صغير وهو لبنان. ولم تتمكن المملكة العربية السعودية من مواجهة العدو الصهيوني، ولا من مواجهة إيران التي تصنفها كعدو أول، ولكنها في المقابل تمكنت من أن تقود حصارا جويا وبحريا وبريا غير مسبوق ضد دولة عربية صغيرة وهي قطر، وتمكنت كذلك من أن تصدر وثيقة مطالب أو وثيقة إذعان لهذه الدولة العربية الصغيرة.
مرة أخرى يجد العرب أنفسهم أمام أزمة غبية جديدة افتعلتها دولة عربية كبرى كان يعول عليها في هذه الفترة العصيبة من تاريخ العرب، وستكون هذه الدولة العربية الكبرى هي الخاسر الأكبر، وسيكون الرابح كالعادة هو نفس الرابح من الأزمات السابقة.
لقد أصابت هذه الأزمة مجلس التعاون الخليجي في مقتل، وربما تتسبب له في موت سريري كما هو حاصل مع اتحاد المغرب العربي ومع الجامعة العربية، وسيكون الخاسر الأكبر في هذه الحالة هو السعودية. كما أن هذه الأزمة ستزيد وتعمق من قلق الدول العربية الصغيرة ومن خوفها من شقيقاتها الكبريات، وهو ما سيجعل هذه الدول تبحث عن حلفاء من خارج المنطقة العربية ليؤمنوها من بطش الشقيقات الكبريات، وسيكون ذلك في مصلحة إيران وتركيا.
ومن الخسائر التي ستتكبدها العربية السعودية هو أنها قد فتحت باب شر ستتضرر منه كثيرا في المستقبل، ولن يكون بمقدورها أن تغلق ذلك الباب بعد أن فتحته من اجل تأليب العالم ضد دولة قطر.
لم يكن من مصلحة المملكة العربية السعودية وهي المهددة بقانون جاستا، أي العدالة في مواجهة رعاة النشاط الإرهابي، لم يكن من مصلحتها أن تتهم قطر بالإرهاب، ولا أن تسارع بإلصاق تهمة الإرهاب بأشخاص وبمنظمات لم تتجرأ أمريكا نفسها باتهامهم بالإرهاب، لم يكن ذلك من مصلحتها، حتى وإن امتلكت الأدلة، فكيف بها وهي لا تمتلك الأدلة؟
للأسف، نحن العرب قد أصبحنا أمة فاشلة، بسبب ما آلت إليه أوضاعنا، أقول ذلك وقلبي يعتصره الألم.ولقد بلغ بنا الفشل إلى أن صرنا نعادي كل نجاح جزئي يتحقق في منطقتنا العربية، ولهذا فلم يكن غريبا أن تطالب دول الحصار بإغلاق قناة الجزيرة، وهي القناة التي تمكنا من خلالها أن ننافس كبريات القنوات العالمية، ولهذا فلم يكن من الغريب أيضا أن تحاول دول الحصار إلصاق تهمة الإرهاب بحركة حماس، وذلك لأن هذه الحركة لا تزال تصر في زمن الذل والخنوع العربي على القبض على جمر المقاومة.
حفظ الله بلاد العرب