لا يكون التاريخ يكرر نفسه، ولكنه بكل تأكيد يمتلك ثوابت تتكرر من فترة إلى أخرى، وتترك بصمتها على مصير الأمم والشعوب، وتترك دروسا تستحق أن تدرس بعناية، فمن لا يفهم تاريخه وتاريخ الآخرين لا يستطيع أن يشارك في صناعة مستقبله.
منذ أن ولج الغرب عصر التنوير في نهايات القرن السابع عشر، كما ذهب مفكروه إلى تسميته، وهم يتصرفون مع بقية العالم باعتباره هوامش للنطاق المركزي الأوروبي، والأمريكي الأوروبي في الوقت الحالي، بعد أن انتقلت بؤرة ذلك المركز من أوروبا عبر المحيط الأطلسي إلى أمريكا.
لا تزال الأوضاع في ميانمار ساخنة، ولا تزال الأحداث مفتوحة على كل السيناريوهات بخصوص الانقلاب العسكري، لذلك فإن السطور التالية ستبتعد عن الحدث وستتناول ثلاث ملاحظات على هامش الانقلاب العسكري من زاوية عربية، ومصرية بالتحديد.
الملاحظة الأولى: التنازلات للعسكر لا تحمي من انقلاباتهم!
يقال إنَّ أقدم رسم مضحك معروف هو رسم وجد على جدران المقابر المصرية، وهو لغراب "فرعوني" يصعد السلم درجة درجة مستغنياً عن جناحيه، وقد أخذ الغراب السلّم معه هذه المرة إلى الأعلى، تاركاً الشعب في الأسفل من غير دفن، وكان الغراب يدفن قتلاه، ثم قال الغراب مهددا كل أحد: "اللي ح يقرب من السلّم ده ح أشليو من وش الأرض"!
في ظل الزيادات المتتالية لنواب الجمعية الوطنية والتي وصلت في أقل من سنتين إلى 480الف مع راتب يتجاوز 800ألف أوقية قديمة، لا أحد يتذكر أخلاف النواب فهم نواب ربما في المستقبل ولكنهم الآن أصحاب قبور يسمعون ويصلهم شيء مما يبدد من أموال على أفراد الجمعية الوطنية.
لا أريد أن أفوت لنفسي شرف الانتصار للوطن، وهو يخوض عبر أحد أبناءه معركة كروية قارية حاسمة.
أريد أن القم العقوقيين والساقطين في متحان الوطنية عند أول اختبار حجرا يعلق في بلعوم كل واحد منهم.
هذه هي الحقيقة التي يتعامى عنها كل مَن كان طرفا في ثورة الخامس والعشرين من يناير، سواء كان من نخبة الحكم، أو من أطراف المعارضة، فلا أحد استفاد من مسببات الثورة لئلا يثيرها، ولا أحد استفاد من مسار نجاحها ليتتبّع الخُطى.
بعد أن سيطرت قيادة الجيش في مصر على مفاصل السلطة منذ انقلاب يوليو 2013، استطاعت أن تفرض هيمنتها على كل شيء. كان لا بد لذلك أن يحدث، فالانقلابات العسكرية مثلها مثل الثورات المسلحة تجب ما قبلها، وتصنع نخبها الخاصة.
عشر سنوات مرّت على الربيع العربي والذي حمل لنا الكثير من الآمال والأحلام بخروج العالم العربي من المآسي والأزمات والمشاكل والهموم، لكن النتائج كانت قاسية وصعبة؛ بين انهيار دول، وعودة القمع الدكتاتوري، وحروب وصراعات أهلية، وانتشار التطرف والعنف، واستعادة الهويات المذهبية والطائفية والعشائرية، وتحوّل العالم العربي إلى ساحة للصراعات