الطلاق.. من التحكم بالانفعال إلى أتفه الأسباب!

أحد, 01/24/2016 - 08:42

عندما تصل العلاقة بين الزوجين إلى طريق مسدود نتيجة كثرة الخلافات والمشاكل فإنه لابد من البحث عن حلول من أجل إعادة المياه إلى مجاريها، وعند استنفاد كافة الحلول فإنه لا مفر من وقوع الطلاق بينهما وهو أبغض الحلال إلى الله، وفي عصرنا الحاضر تعددت حالات الطلاق حتى باتت ظاهرة تستحق النظر والمعالجة ففي كل يوم تقع العديد من حالات الطلاق وخاصة بين العرسان الجدد، وبالنظر إلى حالات الطلاق في الزمن الماضي ومقارنتها بحالنا اليوم نجد أنها كانت أقل بكثير، بل إن حالات الطلاق التي تقع تكون بعد بذل كل المساعي والطرق لمعالجة الوضع بين الزوجين حتى إذا أخفقت وقع الطلاق بطلقة واحدة تستمر فترة العدة وغالباً ما تتم الرجعة بين الزوجين بعد أن تهدأ الأنفس وتتم مراجعة الحسابات في وقت العدة، فالطلاق ينقسم إلى قسمين الأول منهما يسمى بالطلاق البائن الذي بمجرد وقوعه ينتهي عقد النكاح في الحال فلا تحل المطلقة لمن طلقها إلاّ بعقد جديد ومهر جديد ويكون برضاها سواء انتهت العدة أم لم تنتهِ، أمّا الثاني: فهو الذي يسمى بالطلاق الرجعي وهو عند وقوع الطلقة الأولى والثانية والتي يستطيع فيها الزوج مراجعة زوجته أثناء العدة وقبل وقوع الطلقة الثالثة، بينما في زماننا هذا بات الطلاق يقع لأتفه الأسباب وبدون روية أو تفكير وليس بطلقة واحدة بل بالثلاث التي لا تدع مجالاً للرجعة بين الزوجين.

أغلب شباب اليوم يحل مشكلاته الزوجية بالطلاق.. والدورات التوعوية أصبحت مهمة للطرفين

طلاق زمان

كان الطلاق قديماً لا يقع إلاّ في أضيق الظروف وبعد أن يكون هو الحل الوحيد، ومما ساهم في وقوعه في ذلك الوقت عدة عوامل منها تزويج الفتاة دون رضاها أو استشارتها وهو من أكبر العوامل، ومنها عدم تطبيق النظرة الشرعية إذ كان يعده البعض عيباً حتى ان معظم الخاطبين لا يطلب ذلك من ولي الفتاة لمعرفته يقيناً بأن طلبه مرفوض من الأساس، ومن العوامل أيضاً عدم التكافؤ بين العروسين حيث إن الغالب أن يكون العريس كبيراً في السن بينما العروس تكون فتاة صغيرة تصطدم بواقع الزواج ولا تستطيع أن تتكيف مع ظروفه، ومع كل هذه الأسباب إلاّ أن وقوع الطلاق في تلك الفترة الماضية من الزمن كان أقل بكثير من وقوعه في أيامنا هذه، ولعل السبب يعود إلى وجود عامل الصبر والتحمل من أزواج زمان الذين كانوا يتحلون بالحكمة والرزانة وعدم الاستعجال في إمضاء الطلاق في حالات الغضب وذلك بالتحكم في انفعالاتهم.

تسرعت وندمت

ومن الدليل على ذلك ورود عدد من القصص التي تبين مدى صبر الرجال فيما مضى في التعامل مع المشاكل الزوجية ومنها أن رجلاً كثرت مشاكله مع زوجته وفي يوم من الأيام غضبت منه وطلبت الطلاق فقال لها: اذهبي إلى بيت أهلك وسأحقق لك ما ترغبين، فأصرت على أن يكتب لها ورقة تثبت طلاقها وبعد إلحاح منها أخذ ورقة وقلماً وكتب لها ما أرادت فأخذتها في حالة غضب شديد وذهبت الى أهلها ولم تفتح الورقة إذ لم تكن تحسن القراءة والكتابة، ولما وصلت الى بيت أهلها أخبرت والدها ووالدتها وإخوتها بما حصل من أمر طلاقها وأخذت تبكي، وبعد أن هدأ غضبها ندمت على أمر طلاقها وتسرعها في طلبه من زوجها الذي تحبه، وبدا ذلك على وجهها ومن خلال كلماتها، فاستفسر منها أخوها الأكبر سناَ منها: هل بالفعل قام بتطليقك؟، فقالت: نعم لقد طلبت منه بإلحاح أن يكتب الطلاق في ورقة ومدتها إلى أخيها، والذي لم يكد يتم قراءتها حتى انفجر ضاحكاً بينما عاتبته أخته على ضحكه في هذا الموقف المؤثر الذي فقدت فيه زوجها، فقال لها: ومن قال إن زوجك طلقك فالورقة ليس بها طلاق وإنما عبارات مضحكة لا توحي بالطلاق بل كتبها جبراً لخاطرك، فما كان منها إلاّ أن لبست عباءتها وهي في غاية الخجل وعادت إلى بيتها مسرعةً إلى بيتها معتذرة من زوجها لما وقع منها من خطأ واستعجال لطلب الطلاق واستمر زواجهما بعد أن حلت المشاكل بينهما في هدوء وسكينة.

اختبر زوجته

ومما يدل أيضاً على أن المرأة تعيش حالات ضعف واستعجال في طلب الطلاق لأتفه الأسباب هو ما حصل في قصة واقعية لأحد الأزواج الذي أراد اختبار ذلك بنفسه فدخل على زوجته وعلامات الحزن المتصنع على وجهه فبادرته زوجته قائلة: ما بك؟، ليجيبها بأن أمر الطلاق قد جعل بيد المرأة حيث صدر قرار بذلك، بينما بدت على وجهها علامات الفرح والسرور فقالت: "يعني صارت العصمة بيدي أنا، أنا من يستطيع تطليقك؟"، فقال: "نعم"، فما كان منها إلاّ أن قالت: "إذاً قُم بتنظيف البيت"، فقال: "إني أشعر بالتعب"، فقالت بصوت مرتفع: "قم وإلاّ أنت طاااا"، ولم تكمل الجملة بل استعملتها على سبيل الإنذار والتهديد، فقام بتنظيف البيت، وبعد ذلك قامت بأمره بفعل أشياء أخرى وفي كل مرة يتمنع لتقوم بتهديده بالطلاق، ولما طفح به الكيل قام إليها موبخاً ومعنفاً وكاد أن يضربها من شدة غضبه وقال: "لقد كنت أكذب عليك حينما أخبرتك بأن أمر الطلاق صار بيد المرأة لأرى كيف تتصرفين، ولما رأيت تصرفك حمدت الله تعالى على أن لم يجعل أمر العصمة بيد المرأة وإلاّ لكان الطلاق أمراً واقعاً لكل من يتزوج، وفي ذلك تتجلى عظمة الخالق الذي جعل القوامة للرجل في هذه المسألة فهو أشد صبراً ويحكم بعقله لا بعواطفه، هذه القصة الواقعية تبين واقع الطلاق الذي يعد من أبغض الحلال إلى الله.

استهانة بالطلاق

ورغم انتشار العلم والثقافة في عصرنا الحاضر إلاّ أن هناك فئة من الناس لازالت تقع في خطأ كبير جداً يهدد مصير أسرة بأكملها وذلك من خلال تعليق الطلاق بفعل شيء قد يكون الغالب فيه أنه من التفاهات كمن يعلق الطلاق على إتمام شخص لشيء يريده على سبيل المكافأة أو الإكرام، فتراه يقول لشخص عزيز عليه عبارة: "علي الطلاق أن تتقبل دعوتي للعشاء"، أو "علي الطلاق أن تقبل هديتي وعطيتي" وهو يقدمها له، وغير ذلك من العبارات التي بها تعليق للطلاق بشيء لا يستحق، وفي ذلك استهانة بالطلاق والذي غالباً ما يقع عند رفض هذا الشخص أو عدم تمكنه من الرضوخ لطلبه لأي عارض، وبذلك يكون مصير الزواج إلى الفشل بسبب الجهل والاستهانة بهذا الرباط، وعندما يقع الطلاق بسبب ذلك يعض الزوج أصابع الندم على فعله ولا يستطيع أن يرد ما وقع، ويزداد الأمر سوءاً حينما يطلق زوجته بلا ذنب وهو يحبها وتحبه، الأمر الذي يستوجب نشر التوعية في المجتمع لمحاربة هذه الظاهرة وذلك من خلال التربية السليمة لجيل الشباب بغرس ثقافة المحافظة على الزواج وعدم التلاعب بألفاظ الطلاق في تحقيق الغايات ولو كان ظاهرها محموداً كالكرم وإثبات الرجولة بين الناس.

طلاق رشيد

قد يكون الحل في كثير من مشاكل الحياة الزوجية هو الطلاق الذي فيه راحة للطرفين وكما يقولون: "آخر الطب الكي"، وقد صور ذلك الحل الشاعر المشهور حميدان الشويعر في قصيدة قال فيها:

لقيت دوا الظما القربة

ولقيت دوا الحمار القيد

ودوا الحرمة إلى فسقت

ثلاث من فيود رشيد

فقد شخّص حلاً للعديد من المشكلات التي كان الناس يواجهونها في ذلك الزمن ومن أهمها الظمأ الذي يصاب به الناس وخصوصاً عند السفر في طريق طويل لا يوجد به ماء فكان الحل هو حمل قربة الماء معه، وكذلك شرود دابة السفر والتي من أفضلها وأسهلها الحمار ولكنه قد يضل عن صاحبه ويبتعد عنه إذا غفل فكان الحل هو وضع القيد في قوائمه، وآخر المشكلات هي الاختلاف بين الزوجين فإذا كانت المرأة سبب هذا الخلاف الذي أعيته الحلول فان الحل هو الطلاق بالثلاث بلا رجعة.

حالة وحم

ويكاد يكون الغضب هو أهم مسببات الطلاق حيث يكون مصير المشكلات الزوجية ازدياد الفجوة بين الزوجين مما يجعل كل منهما لا يتقبل رأي الآخر ولا طرحه فتتزايد المشادات الكلامية مما يعقبها موجة غضب تنتهي بالطلاق، وقد يعقب ذلك حالات ندم ولكن لا يفيد الندم، ومن الحالات التي تخفى على كثير من الشباب حديثي الزواج هو ما تمر به المرأة الحامل من نفسية متعبة بسبب الحمل والتي يطلق عليها عند العامة حالة "الوحم" وهي أن تطلب المرأة من زوجها أكلاً معيناً يخطر على بالها فتشتهيه وتجدها تلح على زوجها حتى يحضره ولو كان نادراً أو أكلاً في غير حينه من الفواكه مثلاً، ويعتقد البعض بأن من لم يحقق لامرأته الحامل ما تريد خلال مرورها ب"الوحم" فإن الطفل يولد وبه "وحمة" وهي علامات تظهر على جلد المولود حديثاً كأنها حرق وهي بأحجام مختلفة قد تختفي في شهور وقد تظل طول العمر، أو أن تكره رائحة طبخ الطعام فلا تستطيع أن تدخل المطبخ، ومن أشد حالات "الوحم" هي حالة كراهية الزوج وهو أمر خارج عن إرادة الزوجة فتراها تبتعد عنه وقد لا ترغب حتى في شم رائحته أو رائحة ملابسه، مما يجعل الزوج الذي قد لا يعلم بحمل زوجته في شهورها الأولى يستنكر تلك التصرفات فتنشأ المشاكل بينهما مما يجعلها تلجأ إلى بيت أهلها فتهجره مما يجعله يغضب منها ليقوم بإيقاع الطلاق عليها وهو لا يعلم بأن ما تمر به حالة نفسية بسبب الحمل، وبعد إن يعلم بحملها يندم فيقوم البعض من الأزواج بإرجاع زوجته بينما يمضى البعض الآخر الطلاق فيفترق عن زوجته ومولوده، وقد نسمع كثيراً بقصة زوج مطلق لزوجته مضى على طلاقهما سنين ومن ثم يتراجعان ويعودان إلى عش الزوجية ويلتم شمل الزوجة بزوجها وأبنائها.

دورات توعوية

وبالنظر إلى كثرة حالات الطلاق التي نشهدها اليوم على خلاف الزمن الماضي يتجلى بوضوح أن الجيل الحاضر بدأ أقل صبراً على تحمل مشاكل الحياة الزوجية التي غالباً ما تنتهي بالطلاق، مما جعل المختصين يبحثون عن حلول لهذه الظاهرة ومن أفضل الحلول هو إقامة دورات للمقبلين على الزواج من الجنسين والتي من شأنها تحقيق قدر كبير من التوافق أو التكيف بين الزوجين، ومن أهم المهارات التي لابد من إتقانها خلال الدورة هي إدارة الحوار الزوجي، وفن صناعة السعادة الزوجية، وتنمية الحب بين الزوجين، وكذلك إدارة المال في الأسرة، ومهارة حل المشكلات الزوجية، وقد أقرّ مجلس الوزراء عقد دورات توعوية للمقبلين على الزواج في جميع مناطق المملكة ومحافظاتها تشرف عليها وزارة الشؤون الاجتماعية شريطة أن تتولى وزارة الشؤون الاجتماعية -عن طريق الجمعيات الخيرية ومراكز التنمية الاجتماعية- إعداد وإقامة برامج ودورات للشباب والفتيات المقبلين على الزواج، ويهدف القرار إلى تأهيلهم تأهيلاً شاملاً في الجوانب الشرعية والصحية والنفسية والاجتماعية، وذلك من خلال نخبة متميزة من المدربين والمدربات، وأن يكون حضور هذه الدورات اختياراً لطرفي عقد الزواج، كما كلّف المجلس وزارة الشؤون الاجتماعية أن تتولى مهمة الإشراف على تلك الجمعيات والبرامج والدورات المقدمة، والنظر في مدى ملاءمتها للأهداف المرسومة لها.

نقلا عن الرياض بتصرف