طوفان الأقصى حالة "سننية"

أحد, 04/21/2024 - 15:21

يؤكد الأستاذ مالك بن نبي -رحمه الله – على النقطة التي ينطلق منها التاريخ نحو تشييد الحضارة، ويعتبر أنّ من شروط النهضة أن يعرف الإنسان هذه اللحظة التاريخية فيجعلها هي التحول الأساسي في حياته وحياةِ أمته لتغيير أوضاعه والخروج من عقدة النقص والانطلاق نحو صناعة التاريخ.

وإني لأجزم أن "طوفان الأقصى" لحظةٌ تاريخية حاسمة في تاريخ القضية الفلسطينية، ومصيرِ الأمة الإسلامية، بل سيكون له تأثيرٌ كبير في تغيير العالم.

لقد كانت الأوضاع في الأمة الإسلامية، والقضية الفلسطينية بالذات في أسوأ حالها، يمكن أن نصفها بقولنا "لم يبقَ شيء نخسره" وأي تحول جذري سيكون في مصلحتنا بعد أن فشلت كل محاولات الإصلاح السياسي والاجتماعي – خصوصًا بعد الثورات المضادة – في جعل بلداننا متطورة ومزدهرة يعمّها العدل والحرية وكرامة الإنسان ورفاه العيش والمكانة بين الأمم، وباتت القضية الفلسطينية تراوح مكانها من حيث حصار غزة وتحول المقاومة فيها إلى جيش خاص بها لا يقدر على تحرير شبر آخر من فلسطين، ومن حيث أن توسع الاستيطان كان قد أنهى أي فرصة لإقامة حل الدولتين المزعوم.

وكان التقسيم الزماني في المسجد الأقصى قد نجح، وذلك في انتظار الانتقال إلى مرحلة التقسيم المكاني، ثم تدميره لاحقًا – لا قدر الله – لو استمر الانهيار. كما ظل الفلسطينيون في داخل الخط الأخضر يعيشون تحت نظام الفصل العنصري، وتسارعت وتيرة التطبيع والتخلي الجماعي العربي عن القضية، وكان التخطيط جاريًا لضمّ السعودية إلى اتفاقات التطبيع؛ لتكون هذه الخطوة بمثابة "رصاصة الرحمة" للحق الفلسطيني في زعمهم، والانتصار التاريخي الأعظم للمجرم نتنياهو.

فهل بقي أمام كل هذه الخسائر الخطيرة الجارية من شيء نخاف عليه، ويجعلنا نتهيّب من تبعات تصعيد المقاومة؟

سُنة الله في الظالمين والمظلومين
لو نعدد المكاسب الإستراتيجية التي حققها "طوفان الأقصى" إلى الآن، لتأكد لدينا أنه حالة سننية مباركة جرَت على عين الله تتجاوز إرادة البشر، كتلك التحولات الكونية الاجتماعية التي يمضيها الله – تعالى- حين يُطبِق الظلمُ على الأرض، ويصبح المعروف منكرًا والمنكر معروفًا، لكي يعذِّب الظالمين ويرحم المظلومين ويبتليهم.

أما الظالمون فقد عذبهم الله – تعالى – بـ"طوفان الأقصى"، قبل أن تنتهي المعركة، عذابًا لم يعرفوه من قبلُ، ومن ذلك:

سقوط الرواية الصهيونية الكاذبة وانتباه شرائح واسعة في العالم، وخصوصًا في العالم الغربي، إلى الحق الفلسطيني وعدالة قضيته.
انقلاب صورة الكيان الإسرائيلي في الرأي العام الدولي من كيان أُهدِي لشعب مظلوم، تعرض للإبادة من قبلُ، ومحاصرٍ من جيرانه العرب اليوم، إلى كيان ظالم ومجرم مُتَابع من محكمة العدل الدولية، والضمير الإنساني بجرائم الإبادة الجماعية، ومنبوذٍ عند كثير من الدول، بعضها حكومات غربية.
انتباه أعدادٍ هائلة من سكان الدول الغربية، خصوصًا الشباب، إلى نفاق حكامهم والخداع الكبير الذي كانوا واقعين فيه، في فهم العالم تحت تأثير وسائل الإعلام المتحكم فيها من اللوبيات الصهيونية والمساندة لها والمتعاونة معها.
سقوطُ أسطورة تفوق الاستخبارات الإسرائيلية في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، وإذلال الجيش الصهيوني الذي اعتُقد بأنه لا يقهر، وذلك من خلال عجزه التام عن تحقيق أي هدف من أهدافه المعلنة في عدوانه على غزة، سوى قتل المدنيين الأطفال والنساء.
تعمق انقسام المجتمع الإسرائيلي وتجلي تناقضات طبقته السياسية بشكل مدهش وفق قوله تعالى عن بني إسرائيل : "تحسبهم جميعًا وقلوبهم شتى"، ودخول قادة البيت الأبيض على خط هذه الاختلافات؛ لمحاولة ترجيح كفة التيار العلماني القريب منهم، المؤسس للدولة الصهيونية بعد تعاظم الاختلاف مع نتنياهو وحلفائه في التيار الديني الحكومي.
رجوع الاهتمام بحل الدولتين المزعوم في الساحة الدولية، بعدما كاد يُعدم نهائيًا في العالم كله، ومن العرب أنفسهم، وهو الحل الذي عجز مسار المفاوضات عن تحقيقه عبر سنوات طويلة.
إفساد خطة القادة الأميركيين في تغيير أولويات السياسة الخارجية، بعدما ساد الاعتقاد أن الشعوب العربية في نوم عميق، وأن القضية الفلسطينية قد تم التخلي عنها من قبل الحكام العرب أنفسهم، وأن مصير إسرائيل مضمون في المنطقة من خلال موجة التطبيع الكبيرة قبل "الطوفان"، وعلى هذا الأساس اعتقد الأميركيون أنه يمكن التفرغ للخطر الصيني والروسي والدول الصاعدة الأخرى المتفلتة من القبضة الأميركية، فإذا بهم يجدون أنفسهم يعودون إلى المنطقة مكرهين، تاركين خصومهم الدوليين يرتّبون لمستقبل تنتهي فيه الهيمنة الأميركية.
تسبب "طوفان الأقصى" في إنشاء