مبادرة شخصية بشأن أسرى الحرب في اليمن

جمعة, 04/12/2024 - 01:31

كتبتُ مؤخرا تغريدتَين أطالب فيهما أنصار الله الحوثيين بالتصرف كرجال دولة، والمبادرة بإطلاق سراح بعض السجناء السياسيين في اليمن، خصوصًا السياسي اليمني الدكتور محمد قحطان، القيادي في حزب "التجمع اليمني للإصلاح"، وهو مجهول المصير منذ اعتقال أنصار الله، له قبل تسعة أعوام.

فعرَض علي الأستاذ عبد القادر المرتضى رئيس لجنة شؤون الأسرى بجماعة أنصار الله -مشكورًا- أن أكون وسيطًا بينهم وبين حزب "التجمع اليمني للإصلاح"، في موضوع الأسرى والمفقودين، من أجل "الاتفاق على صفقة تبدأ بكشف مصير المفقودين من الطرفين، وتنتهي بإجراء صفقة تبادل تشمل جميع الأسرى والمعتقلين من الطرفين". ثم رحَّب بالفكرة العميد يحيى كزمان، رئيس الوفد الحكومي المفاوض في ملف الأسرى، الذي وصلني منه -عبر الصحفي عصام بلغيث- تشجيع كريم على المضيّ قدُمًا في هذا المسعى "في ملف المختَطفين، وبشكل خاص في ملف السياسي محمد قحطان".

وزاد من التشجيع على المحاولة التفاعل الإيجابي من النخب اليمنية بكل أطيافها. فتوكلت على الله، وقررت خوض غمار هذه التجربة، وعبَّرت للطرفين عن استعدادي للمحاولة، قائلًا: "إذا كان الصحابي عبد الله حذافة السهمي -رضي الله عنه- قبَّل رأس قائد روميٍّ صليبيٍّ مقابل إطلاق سراح الأسرى المسلمين، فأنا مستعدٌّ لتقبيل رؤوس جميع السَّاسة اليمنيين -وكلهم مسلمون والحمد لله- مقابل إطلاق سراح الأسرى من إخوتهم وبني وطنهم." ولم أقصد أن يكون الأمر وساطةً بالمدلول السياسي والدبلوماسي للكلمة، فلستُ أهلًا لذلك، ولا أملك خبرته ووسائله، بل أردتها مبادرة شخصية، وبادرة خير.. لا غير.

وفكرتُ في توسيع نطاق المبادرة، بإدراج شخصيات سياسية وقانونية عربية أحسن مني خبرة، وأرفع مني مكانة، لعل ذلك يكون أدْعَى لدفع الطرفين إلى الإحساس بثِقل المساعي، وإبداء المرونة اللازمة.

لكني آثرتُ عدم تشتيت الجهد في البداية، والاكتفاء بالتشاور مع عدد من أهل الرأي والحكمة، من اليمنيين وغيرهم. ثم ارتأيتُ أن أبدأ بمقترح بسيط يجسُّ النبض، ويكْسِر الجليد، ويكون اختبارًا لمدى مواءمة البيئة النفسية والسياسية لهذا المسعى. فإن نجح كان مؤشِّرا على الجدِّ والنيات الحسان في قابل الأيام، وإن فشل اقتصدتُ في وقتي وجهدي، ولم أُثْقل على إخواني اليمنيين.. والأجر بحسَب القصد، ونية المؤمن أبلغُ من عمله. الكبرى تقع على عاتق أنصار الله، لأنهم يسيطرون على قلب الدولة. وذكرتُ له أني لا أريد الاستسلام لليأس في بداية الطريق، وأرجو منه ردًا أكثر إيجابية. فردَّ الأستاذ عبد القادر – مشكورًا- بمقترح مقابل، وهو صفقة صغيرة، "تلطِّف الأجواء، وتعزِّز الثقة"، يتم بمقتضاها تبادل 400 أسير، بمعدل 200 أسير من كل طرف، وتأجيل موضوع الدكتور قحطان لمرحلة لاحقة.

وقد استبشرتُ خيرًا بالعرْض الذي عرضه الأستاذ عبد القادر – رغم خيبة ظني من رده في موضوع قحطان- واعتبرت عرْضَه "مبادرة طيبة"، مؤكدًا على أن هذه الجهود إذا نجحت في الإفراج عن شخص واحد فسيكون ذلك إنجازًا عظيمًا. وحين نقلتُ مبادرة الأستاذ عبد القادر إلى طرف الشرعية/الإصلاح رد هذا الطرف بأنه يقبل كل التبادلات، وبكل الأعداد، لكن "بعد الاتصال بقحطان وزيارة عائلته له". وهكذا عادت الأمور إلى نقطة البداية: لا حركة في ملف الأسرى بالنسبة للشرعية/الإصلاح دون حل موضوع الدكتور قحطان، ولا مرونة من طرف أنصار الله لحله في الظروف الراهنة.

وقد بينتُ للطرفين بكل وضوح وصراحة عدم اقتناعي بالتسويغات التي قدَّمها كل منهما في هذا المضمار، سواء من المنظور الإنساني، أو المنظور السياسي.
خيَّب أنصار الله ظني في رفضهم توفير المعلومات عن الدكتور قحطان. فإن كان الرجل على قيد الحياة – كما نرجو ونأمل- فالأفضل سياسيًا الكشف عن ذلك، ووضْع اسمه ضمن صفقة تبادل، خصوصًا مع الأمل في الجهد الذي قد يسهم به في المصالحة اليمنية، نظرًا لمكانته السياسية. وإن كان قد توفي في السجن -لا قدر الله- فليس من الحكمة السياسية، ولا من المروءة اليمنية، جعْلُ الكشف عن حقيقة وفاته موضوعَ تفاوض وصفقات. فهو أكاديمي وسياسي يمني، وليس جنديًا إسرائيليًا قد يصلُح التستُّر على خبَر وفاته -أو على وجود رُفاته- من أجل تحرير أسرى المقاومة اللبنانية أو الفلسطينية من سجون الاحتلال.

والعداوة بين الإخوة المختصمين سياسيًا لها حدود، وهي تختلف عن العداوة المفتوحة مع العدوّ الوجودي. وبالمثل خيَّب جانب الشرعية/الإصلاح ظني في رفضه صفقة التبادل البديلة التي عرضها الأستاذ عبد القادر المرتضى، وكان يمكن أن تفرِّج كرْب 400 أسير يمني. فالمنطق الإنساني الذي يجب أن يترجَّح في هذا النوع من الأمور يقتضي عدم تضييع فرص الإفراج عن الأسرى، أو تأجيل الإفراج عنهم. خصوصًا إذا كانوا إخوة في الدين الواحد والوطن الواحد، وفي إطلاق سراحهم تهدئةٌ للنفوس، وتخفيفٌ للعداوات، فضلًا عن إدخال السرور على أُسَرهم وذويهم. فكم من أم وأب وزوجة وأخت وأخ وبنت وولد كانوا سيفرحون لو تمت هذه الصفقة.

ولا أظن الدكتور محمد قحطان، وهو الرجل السياسي الرزين، والإنسان ذو القلب الكبير، كان سيرضى بتأخير إطلاق 400 أسير يمني من أجل الكشف عن وضعه، أو حتى إطلاق سراحه. أخشى أن الطرفين قد تعاملا مع هذا الموضوع بدافع تسجيل النقاط على الخصم في حملات العلاقات العامة على وسائل التواصل الاجتماعي، أكثر مما تعاملا معه بدافع التخفيف من معاناة إنسانية أليمة، يعيشها الأسرى اليمنيون وذووهم.

علمًا بأني أرى – حتى من المنظور السياسي المتجرِّد من العاطفة- أن الطرف الذي سيجمع السواد الأعظم من اليمنيين حوله ليس الذي لديه سطوة عسكرية، أو قدرة على المناورة، أو حلفاء يُعتمد عليهم.. بل الذي لديه رؤية سياسية وإنسانية رحبة، يرى فيها خصمه السياسي أخًا في الدين وشريكًا في الوطن.