منعطف الديمقراطية السنغالية الخطير

اثنين, 02/12/2024 - 09:04

السنغال في منعطف سياسي خطير، مما جعل مستقبلَ البلاد السياسي مفتوحًا على كل الخيارات، بما في ذلك دخول البلاد في مواجهات حادّة يمكن أن تؤدي إلى استخدام القوة المفرطة التي قد تعصف بالتجربة الديمقراطية العريقة والمتميزة في هذا البلد، الذي ظل ومنذ الاستقلال، بمنأى عن الاضطرابات السياسية الكبيرة التي تشهدها منطقة غرب أفريقيا، والتي وصلت إلى مرحلة الحروب الأهلية الطاحنة في بعض دولها.

حتى صباح الثالث من فبراير/ شباط، كانت الأمور تسير في هدوء، حيث أعلنت لجنة الانتخابات أسماء المرشحين العشرين الذين استوفوا شروط الترشح لمنصب رئيس الجمهورية. وبعد الاطّلاع على قائمة المرشحين، اقتنع الجميع بأنّ الرئيس الحالي "ماكي سال" أوفى بعهده ولم يترشّح احترامًا للدستور الذي يحدّد ولاية الرئيس بدورتين فقط.
في الأول من فبراير/ شباط، بدأت رسميًا الحملات الانتخابية، والتي كان من المتوقع أن تنتهي في يوم الاقتراع المحدد له يوم 25 فبراير/ شباط. ورغم أن أحزابًا كبيرة اعترضت على استبعاد مرشّحيها من المنافسة، بما في ذلك الحزب الديمقراطي السنغالي، إلا أنها اتّبعت الطرق القانونية، ورفعت شكاواها للمحاكم المختصة التي حددها الدستور السنغالي.

ولكن فجأة تغير كل شيء في الثالث من فبراير/ شباط عندما ألقى الرئيس السنغالي المنتهية ولايته ماكي سال خطابًا للأمة السنغالية، أعلن فيه أنّه قرر تأجيل الانتخابات الرئاسية المزمع عقدها من 25 فبراير/ شباط إلى أجل لاحق، وأعلن أنه سيرفع قراره إلى البرلمان للنظر فيه، ومن ثمّ سيدعو إلى حوار وطني شامل حول مستقبل التجربة الديمقراطية العريقة في السنغال.

اختتم الرئيس سال خطابه مؤكدًا ما سبق أن أعلنه والتزم به بأنه شخصيًا لن يترشح في الانتخابات القادمة، عملًا بأحكام الدستور.

ربما يكون هذا الخبر عاديًا في أي دولة أفريقية أخرى تعاني تغوُّل الحزب الواحد أو تعدّي الجيش المتكرر على الديمقراطية، ولكنه شكّل صدمة كبيرة للرأي العام في السنغال، وهي البلاد التي لم تشهد أي انقلاب عسكري في تاريخها السياسي في مرحلة ما بعد الاستقلال. ليس ذلك فحسب، بل إن الممارسة الديمقراطية السلمية أصبحت الوسيلة الوحيدة التي يقبلها الشعب من أجل التداول السلمي للسلطة في البلاد.

تعزّزت الديمقراطية في السنغال بشكل واضح في ربع القرن الأخير، وغدت العملية الانتخابية شفافة ونزيهة إلى حد كبير، والتزمت كل الأحزاب بقبول نتيجة الانتخابات أيًا كانت.

ويشهد تاريخ السنغال السياسي المعاصر أن الرئيس السابق عبدو ضيوف، الذي حكم البلاد عشرين عامًا، اعترف بخَسارته في الانتخابات الرئاسية في عام 2000، وأقر بهزيمته أمام غريمه التاريخي عبدالله واد، واتصل به مهنئًا وسط دهشة الكثير من القادة الأفارقة. وفي عام 2012، اعترف الرئيس عبدالله واد، ولكن بمرارة كبيرة، بخسارته في الجولة الثانية للانتخابات واتصل بتلميذه ومنافسه الرئيس الحالي ماكي سال مهنئًا له بالفوز.

في العام الماضي، شهدت البلاد تظاهرات شديدة عندما أعلن الحزب الحاكم أن الرئيس ماكي سال سيترشح لدورة ثالثة، وجرى الحديث عن تعديل دستوري يقره البرلمان الذي يسيطر عليه الحزب الحاكم، وأمام ثورة الشارع الغاضب اضطر الرئيس سال لمخاطبة الأمة مؤكدًا أنه سيلتزم بالدستور ولن يترشح مرة أخرى.
وربما لهذا السبب أكد الرئيس ماكي سال في خطابه للأمة، الذي أعلن فيه تأجيل موعد الانتخابات، أنه لن يترشح لدورة ثالثة، وذلك حتى لا يثور الشارع عليه مرة أخرى.

هذا البلد ترسخت فيه الممارسة الديمقراطية، وعرف المواطن أن صوته الانتخابي ليس مجرد ورقة يضعها في صندوق الاقتراع، بل إنّ صوته له وزن وثقل، ويمكن أن يغيّر به مسار السياسة في بلاده. ولذلك فإنّه عندما لا يلتزم الرئيس أو عضو البرلمان بوعده الانتخابي، يصيح في وجهه المواطن بكل ثقة قائلًا: ستعود إلينا بعد خمس سنوات، ولن أمنحك صوتي.

تداعيات القرار
عزا الرئيسُ سال والحزب الحاكم دوافع قرار التأجيل إلى الخلاف المحتدم بين البرلمان ولجنة الانتخابات، حيث اتهم البرلمان اثنَين من قضاة اللجنة بعدم النزاهة، وشكّك في مصداقية اللجنة وعدم احترامها نصوصَ الدستور فيما يتعلق بشروط الترشح.

ورفع الرئيس قراره للبرلمان الذي عقد جلسة طارئة لمناقشة القرار، ورفض نواب الأحزاب المعارضة مناقشة الموضوع من حيث المبدأ، ومنعوا التصويت، مما اضطر رئيس البرلمان لإخراج نواب المعارضة بالقوة من الجلسة.

جرى التصويت ووافق الأعضاء بأغلبية مريحة على قرار تأجيل الانتخابات الرئاسية من 25 فبراير/ شباط إلى يوم 15 ديسمبر/ كانون الأول 2024، وحتى لا تدخل البلاد في فراغ دستوري بانتهاء فترة الرئيس الحالي في الثاني من أبريل/ نيسان القادم، قرر البرلمان تمديد فترة ولاية الرئيس ماكي سال حتى انتهاء الانتخابات الرئاسية وتسلُّم الرئيس المنتخب السلطةَ بنهاية هذا العام.

صوّت لصالح القرار نواب الحزب الحاكم ونواب الحزب الديمقراطي السنغالي الذين سبق أن اعترضوا على قرار لجنة الانتخابات برفض ملف مرشح الحزب كريم واد، نجل الرئيس السابق عبدالله واد، وطالبوا بتعديل جدول الانتخابات.

في عين العاصفة
بعد قرار البرلمان تأجيل الانتخابات حتى شهر ديسمبر/ كانون الأول وتمديد ولاية الرئيس سال قرابة العام، فيما تراه المعارضة مخالفة واضحة للدستور السنغالي، سيكون تحرك المعارضة والشارع السنغالي على مستويين:
ويشهد تاريخ السنغال السياسي المعاصر أن الرئيس السابق عبدو ضيوف، الذي حكم البلاد عشرين عامًا، اعترف بخَسارته في الانتخابات الرئاسية في عام 2000، وأقر بهزيمته أمام غريمه التاريخي عبدالله واد، واتصل به مهنئًا وسط دهشة الكثير من القادة الأفارقة. وفي عام 2012، اعترف الرئيس عبدالله واد، ولكن بمرارة كبيرة، بخسارته في الجولة الثانية للانتخابات واتصل بتلميذه ومنافسه الرئيس الحالي ماكي سال مهنئًا له بالفوز.

في العام الماضي، شهدت البلاد تظاهرات شديدة عندما أعلن الحزب الحاكم أن الرئيس ماكي سال سيترشح لدورة ثالثة، وجرى الحديث عن تعديل دستوري يقره البرلمان الذي يسيطر عليه الحزب الحاكم، وأمام ثورة الشارع الغاضب اضطر الرئيس سال لمخاطبة الأمة مؤكدًا أنه سيلتزم بالدستور ولن يترشح مرة أخرى.

وربما لهذا السبب أكد الرئيس ماكي سال في خطابه للأمة، الذي أعلن فيه تأجيل موعد الانتخابات، أنه لن يترشح لدورة ثالثة، وذلك حتى لا يثور الشارع عليه مرة أخرى.

هذا البلد ترسخت فيه الممارسة الديمقراطية، وعرف المواطن أن صوته الانتخابي ليس مجرد ورقة يضعها في صندوق الاقتراع، بل إنّ صوته له وزن وثقل، ويمكن أن يغيّر به مسار السياسة في بلاده. ولذلك فإنّه عندما لا يلتزم الرئيس أو عضو البرلمان بوعده الانتخابي، يصيح في وجهه المواطن بكل ثقة قائلًا: ستعود إلينا بعد خمس سنوات، ولن أمنحك صوتي.
تداعيات القرار
عزا الرئيسُ سال والحزب الحاكم دوافع قرار التأجيل إلى الخلاف المحتدم بين البرلمان ولجنة الانتخابات، حيث اتهم البرلمان اثنَين من قضاة اللجنة بعدم النزاهة، وشكّك في مصداقية اللجنة وعدم احترامها نصوصَ الدستور فيما يتعلق بشروط الترشح.

ورفع الرئيس قراره للبرلمان الذي عقد جلسة طارئة لمناقشة القرار، ورفض نواب الأحزاب المعارضة مناقشة الموضوع من حيث المبدأ، ومنعوا التصويت، مما اضطر رئيس البرلمان لإخراج نواب المعارضة بالقوة من الجلسة.

جرى التصويت ووافق الأعضاء بأغلبية مريحة على قرار تأجيل الانتخابات الرئاسية من 25 فبراير/ شباط إلى يوم 15 ديسمبر/ كانون الأول 2024، وحتى لا تدخل البلاد في فراغ دستوري بانتهاء فترة الرئيس الحالي في الثاني من أبريل/ نيسان القادم، قرر البرلمان تمديد فترة ولاية الرئيس ماكي سال حتى انتهاء الانتخابات الرئاسية وتسلُّم الرئيس المنتخب السلطةَ بنهاية هذا العام.

صوّت لصالح القرار نواب الحزب الحاكم ونواب الحزب الديمقراطي السنغالي الذين سبق أن اعترضوا على قرار لجنة الانتخابات برفض ملف مرشح الحزب كريم واد، نجل الرئيس السابق عبدالله واد، وطالبوا بتعديل جدول الانتخابات.

في عين العاصفة
بعد قرار البرلمان تأجيل الانتخابات حتى شهر ديسمبر/ كانون الأول وتمديد ولاية الرئيس سال قرابة العام، فيما تراه المعارضة مخالفة واضحة للدستور السنغالي، سيكون تحرك المعارضة والشارع السنغالي على مستويين:

في عين العاصفة
بعد قرار البرلمان تأجيل الانتخابات حتى شهر ديسمبر/ كانون الأول وتمديد ولاية الرئيس سال قرابة العام، فيما تراه المعارضة مخالفة واضحة للدستور السنغالي، سيكون تحرك المعارضة والشارع السنغالي على مستويين:

– المستوى القانوني الذي ستنظر فيه المحكمة الدستورية والأجهزة العدلية المختصة.

– المستوى السياسي والتعبوي وهو الأهم، والذي يتمثل في تنظيم حراك جماهيري كبير. بدأ الشارع السنغالي ينتظم، ومن المتوقع أن يكون له ما بعده.

أثيرت تساؤلات مهمة حول الأسباب التي دفعت الرئيس سال لإصدار قراره المفاجئ بإيقاف العملية الانتخابية بعد أن بدأت رسميًا، ويرى كثيرون من المحللين أن السبب الرئيس وراء ذلك هو التقييم الذي أجراه الحزب الحاكم لنتائج الانتخابات المتوقعة، وتأكد له أن مرشحه للانتخابات رئيس الوزراء الحالي أحمدو باه ليست له حظوظ كبيرة في الفوز.

وفي الواقع، فإن ترشيح أحمدو باه لم يكن محل إجماع وسط كبار قادة الحزب الحاكم، ولكن الرئيس سال فرضه على الحزب. وذلك لأن المرشح أحمدو باه جديد نسبيًا في مسرح السياسة السنغالية، حيث دخلها بشكل واضح في عام 2013 عندما عينه الرئيس سال وزيرًا للمالية، ثم تدرج وزيرًا للخارجية ليصل في عام 2022 لمنصب رئيس الوزراء، كما أنه ليس من مؤسسي الحزب الحاكم، وليس له التأييد الجماهيري الذي يحظى به أعضاء آخرون من مؤسسي الحزب.

تأكيدًا لذلك، ظهر مؤخرًا تيار يقوده عدد من كبار قادة الحزب الحاكم بمساعدة زوجة الرئيس سال ينادي بتغيير مرشح الحزب. ومن شأن إيقاف العملية الانتخابية أن يتمكن الحزب الحاكم في مرحلة لاحقة من تغيير مرشحه للرئاسة.

أما المعارضة، فترى أن إيقاف العملية الانتخابية وتمديدها لأكثر من عشرة أشهر هو مجرد حيلة من الرئيس الحالي ماكي سال للاستمرار في الحكم بشكل مخالف للدستور، وأنه في مرحلة ما قد يقدم تفسيرًا دستوريًا ملفقًا يسمح له بالترشح لدورة ثالثة.

وهذا المنطق مقبول جدًا في الشارع السنغالي الملتهب؛ لأن الرئيس سال احتفظ بالصمت طوال العام الماضي بشأن رغبته في تعديل الدستور والترشح لولاية ثالثة، واضطر أخيرًا وبعد مظاهرات صاخبة في العاصمة دكار إلى الإعلان- ربما مكرهًا، كما تقول المعارضة- أنه سيحترم الدستور ولن يترشح.

أبريل/ نيسان 2024، وهو اليوم الأخير الذي يحدده الدستور لانتهاء فترة ولاية الرئيس ماكي سال.

صرَّح عدد كبير من زعماء المعارضة وقادة الرأي العام والأكاديميين وقادة المجتمع المدني بأنهم لن يعترفوا بالرئيس ماكي سال رئيسًا بعد تاريخ الثاني من أبريل/ نيسان. وهذا يعني دخول البلاد عمليًا في فراغ دستوري، يمكن أن يؤدي إلى الفوضى.

اقترح عدد من القانونيين أن يتولى رئيس البرلمان السلطة في الثاني من أبريل/ نيسان؛ منعًا لأي فوضى في البلاد، بينما صرّح عدد من قادة المعارضة بأنهم سيعلنون العصيان المدني المفتوح في الثاني من أبريل/ نيسان، ولن يعترفوا بالرئيس ماكي سال رئيسًا للدولة بأي حال من الأحوال.

هذه التصريحات خطيرة جدًا في بلد ديمقراطي يشهد الشارع السياسي فيه احتقانًا كبيرًا ضد الحزب الحاكم. وقد لاحظنا ذلك في المظاهرات الشبابية العنيفة التي اندلعت في العاصمة دكار في عام 2021 عندما وجهت المحكمة اتهامات كيدية إلى زعيم المعارضة الشاب عثمان سونكو، وراح ضحيتها عدد من الأشخاص، مما اضطر المحكمة إلى إخلاء سبيله. كما شهدنا ذلك في المظاهرات الكبيرة التي اضطرت الرئيس سال في النهاية إلى الإعلان أنه لن يعدل الدستور ولن يترشح لولاية ثالثة.

ولكن الأخطر من كل ذلك هو أن تغري حالة الفوضى والفراغ الدستوري -لا سمح الله- بعض ضباط الجيش المغامرين إلى الانقلاب على التجربة الديمقراطية العريقة في السنغال، كما فعل إخوان لهم من قبلُ في غينيا وبوركينا فاسو ومالي، وليس بعيدًا عمّا حدث مؤخرًا في النيجر.

إنّ الديمقراطية السنغالية العريقة تمرّ بمنعطف خطير، وهي أحوج ما تكون إلى دعم العقلاء والحكماء لتفادي هذا الاختبار الصعب، ولتحافظ على مكانتها كنموذج للأمل في ظلام الانقلابات الدامس في أفريقيا.