المرابطون والمرجفون..

سبت, 02/03/2024 - 10:20

في محاضرة عامة بمكتبة الإسكندريّة دُعيت إليها في غمرة العمل الثقافيّ والسياسيّ الذي ملأ الدنيا وشغل الناس في أعقاب ثورة 2011 المصرية، سُئلت في تلك المحاضرة: عن رأيي في علاقتنا بإسرائيل؟

أجبت: «أريد علاقة طبيعية بيننا وبين إسرائيل»!!

وَجَم أكثر الحاضرين، إذ كان موقفي من اتفاقية كامب ديفيد معلنًا غير خفيّ، ومدونًا في طبعات متتالية من كتابي: (في النظام السياسي للدولة الإسلامية)؛ وكذلك كان موقفي من التطبيع، بجميع صوره، مع العدوّ الصهيونيّ منشورًا في عشرات المقالات، ومسجلًا في عدد كبير من المقابلات التلفزيونية.

وكنت في زمن غير بعيد من تاريخ تلك المحاضرة، قد خضتُ معركة مع شيخ الأزهر وقتها، على صفحات الصحف المصرية، بعد استقباله حاخامًا صهيونيًا، وقوله ردًا على منتقديه: «لقد حدثته عن الحق الفلسطيني، وعن ضرورة تخفيف القبضة الصهيونية على أهل فلسطين…» أو كلامًا هذا معناه. فرددت عليه بمقال عنونته: «يا سيدي شيخ الأزهر.. ليتك لم تقابله ولم تقل له» [نصه في كتابنا شخصيات ومواقف عربية ومصرية، دار المعرفة بيروت 2004، ص 185].
ثم أعقبه موقف آخر لوكيل الأزهر – آنذاك- إذ نُشرت له في الصحف المصرية والصهيونية صورة يتأبط فيها ذراع حاخام صهيوني، وهما خارجان من جلسة في مؤتمر ما في بلد أوروبي. وسأَلَتْهُ الصحف عن هذه الصورة فقال ما حاصله: ليس هناك شيء يؤخذ عليّ إذا تأبطت ذراع زميل لي باعتباره رجل دين(!) فنشرت- ردًا على موقفه- مقالًا عنوانه: «تأبط شرًا» [المصدر السابق، ص 194]. وبعد ذلك بدأت وقائع معركة فكرية سياسية على صفحات الصحف المصرية.

ترحيب وحفاوة
كل ذلك كان ماثلًا أمام الجمهور الغفير، الذي ضاقت به القاعة الرئيسية بمكتبة الإسكندرية، ولذلك كان الوجوم مفهومًا، وكانت علامات الاستفهام على الوجوه سائغة!

قلت بعد ذلك مباشرة علاقتنا الطبيعية مع إسرائيل: «عدو بيننا وبينه هدنة، ولكل هدنة نهاية، وليس في الدنيا معاهدة لم تنقض».

ولا تسلْ عن ترحيب الحضور بهذا الجواب وحفاوتهم به، فقد فاقا كل تصور.

سيطرة غير مشروعة
منذ مكّنت القوى الاستعمارية كافة، وبعض الخيانات العربية، لقيام الكيان الصهيوني الغاصب على أرض فلسطين ونحن لا نشعر نحوه إلا بالعداوة الناتجة عن اغتصاب الحق العربي، والسيطرة غير المشروعة، بالقوة، على المقدسات المسيحية والإسلامية، والاعتداءات المستمرة على البشر والحجر، وسرقة الثروات وإنكار الحقوق على أصحابها.

وهي عداوة دفعت أهل الأرض، أصحاب الحق، إلى محاولات عديدة لمواجهة هذا العدو بوسائل بدائية، هي وحدها التي كانت متاحة لهم، واستطاع العدو الصهيوني في كل مرة أن يقضي على محاولة أصحاب الحق أن يستعيدوه باستعمال قوة عسكرية لا تراعي قانونًا، ولا تعتصم بخُلق، ولا تردها عن البغي الباطش مروءة إنسانية، أو قيمة خُلقية.

وكانت فئة قليلة مؤمنة بالحق العربي، كارهة للتسلط الصهيوني، ترابط على أرض فلسطين، وتعد ما استطاعت من قوة، وتبني على الإيمان بالله، واليقين بصدق وعده، نفوسَ الرجالِ والنساءِ مبشرةً إياهم بحديث رسول الله ﷺ الذي رواه أبو أمامة الباهلي وغيره: «لا تزال طائفة من أمتي على الدين ظاهرين، لعدوهم قاهرين، لا يضرهم من خالفهم إلا ما أصابهم من لأواء (الشدة والضيق) حتى يأتي أمر الله وهم كذلك» [مسند أحمد، رقْم 22320] وفي بعض رواياته أنه قيل: يا رسول الله وأين هم؟ قال: «ببيت المقدس، وأكناف بيت المقدس».

هؤلاء المرابطون -مهما تكن انتماءاتهم التنظيمية- هم من هذه الطائفة، الثابتة على الحق، العاملة لنصرته، المقدمة أموالها وأرواحها في سبيله، المنصورة في النهاية بإذن الله، على عدوها.

هؤلاء المرابطون هم الذين صنعوا مفاجأة السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023م = 22 من ربيع الأول1445هـ [طوفان الأقصى].

وهو الصنيع الذي بدأت به حرب التحرير الشاملة في فلسطين، وهو الخطوة الأولى في طريق زوال إسرائيل وعودة الوطن السليب إلى أصحابه. ومن أراد أن يستيقن من صحة ذلك فليتذكر أن (طوفان الأقصى) هو المعركة الأولى في تاريخ الصراع مع العدوّ التي يبدأ فيها أصحاب الحق مهاجمة المعتدين الغاصبين.

نعم! هي المرة الأولى التي يكون فيها زمام المبادرة في يدنا، ويكون لنا الفعل لا رد الفعل. ولا أقول المرة الأولى من 1948 ولكنها المرة الأولى، منذ بدأ الاستيطان الصهيوني -تحت رعاية بريطانية- التي نفعل فيها ذلك. مع

أخرجنا (طوفان الأقصى) والمرابطون الذين صنعوه من أسْر (المفعول به) إلى حرية (الفاعل). وإنه لنبأ لو تعلمون عظيم.
يوم الفتح، يوم زوال الدولة الصهيونية الغاصبة، مما كنا عليه يوم انطلق (طوفان الأقصى).

لا أقول سيكون ذلك غدًا، لكنني أقول ما قاله رب العالمين: )وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَن يَكُونَ قَرِيبًا) [الإسراء: 51].

والحديث موصول إن شاء الله. والحمد لله رب العالمين.