المقاومة بين السلبيات والإيجابيات

أحد, 01/28/2024 - 10:37

التي لا تتوقف لا يستطيع الفلسطينيون تجاوز انقساماتهم فمتى يمكنهم ذلك؟". هنا لم تلحظ هذه "الثغرة" بأنَّ من بين من تعنيهم، مقاومي غزة وشعبها وقيادة المقاومة فيها، الذين وحدّوا صفوفهم، في الأقل. والأهم لم تلحظ بأن الأغلبية الساحقة من الفلسطينيين، وقيادات الفصائل والنخب توحّدت مواقفها، في دعم "طوفان الأقصى" والمقاومة، والشعب في قطاع غزة.

هذا يعني أن الحديث عن الثغرات في وادٍ، والواقع والمقاومة في وادٍ آخر.

الثغرة الرابعة: وتتعلق: بـ "غياب الظهير العربي والإسلامي الرسمي، وضعف التفاعل الشعبي" وقد اعتبرته المقالة "خِذلانًا للمقاومة. ثم تذهب فورًا في نقد موقف قادة المقاومة (المرة الأولى والوحيدة تذكر المقالة وجود قيادة للمقاومة)، بسبب تعاليهم "على الجراح" واستمرارهم "في التعامل مع العرب والمسلمين، حيث يستمرون في مناشدتهم وشكرهم والإشادة ببعض مواقفهم على ضعفها". وتتابع المقالة قائلة: "إنَّ ألمهم وشعورهم بالمرارة كبير جدًا". ثم تُنحي باللوم، أيضًا على "أمّة يزيد عددها على مليارَي إنسان، ولديها من الإمكانات والمقدرات الكثير، تعجز عن مدّ يد العون لشعب مضطهد، هو بالأساس يقاتل نيابةً عنهم".

أولًا: إن موقف المقاومة وقيادتها بعدم وصف المواقف الضعيفة، أو الموقف الشعبي، أو المواقف "غير الكافية": "بالخذلان"، هو الموقف الصحيح والحكيم، راهنًا ومستقبلًا. فمن يخوضُ حربًا عسكرية عليه أن يبرز الإيجابيات مهما صغرت، لأهميتها في حشد أوسع جبهة حول المقاومة. وذلك بدلًا من تجميع السلبيات والثغرات وتضخيم خطرها. فجمع الإيجابيات يقوّي المعنويات، وجمع السلبيات يثبط ويخذل ويوهن، معيدًا للشعار "الفلسطيني" المدمّر: "يا وحدنا"، والذي قاد، مع أسباب أخرى، إلى اتفاق أوسلو.

ثانيًا: إن استخدام وصف "الخذلان"، لما يعتبر ضعفًا، أو "غير كافٍ" من شأنه أن يبذر العدائية. لأن تهمة الخذلان تقرب من حدود "الخيانة". وفي هذا قِصرُ نظر، وتدمير للتحالفات راهنًا ومستقبلًا.

ثالثًا: من الظلم ومن الخطأ جمع كل من الموقف الشعبي وموقف الأمة، مع المواقف الرسمية. كما من الخطأ السياسي والشرعي التبخيس، وبإطلاق من أمّة الملياري إنسان (مسلم). وهي الأمّة التي أشاد بها القرآن.

إن المقاومة في فلسطين عمومًا، وفي غزة، خصوصًا حظيت بالكثير من أشكال الدعم المعنوي والسياسي والعسكري والمالي. مما ساعدها لتصل إلى ما وصلته الآن.

إن الرأي العام العربي والإسلامي، حتى لو لم يترجم إلى تظاهرات مليونية، في كل بلد عربي وإسلامي (لأسباب متعددة) سيظل عظيم الأهمية في مجرى الصراع مع العدو الصهيوني، راهنًا ومستقبلًا. وإن من يَجُسَّ نبض الشارع (وهو ما تفعله الدول الكبرى يوميًا)، يلمس مخزون الغضب الملتهب ضد جرائم الإبادة والعدوان، التي ارتكبت، وترتكب في غزة. وأضفْ مخزون الاعتزاز ببطولات المقاومة. ومن ثم من لا يضع هذا في ميزان القوّة الراهن والمستقبلي (الأمّة)، لا يعرف أهمية احترام الأمّة وتأثيرها حتى العسكري في الحرب، وإلّا هي العدمية التي لا تبقي للمقاومة، مؤيدًا أو صديقًا أو حليفًا أو شعبًا أو أمّة.

جبهات قتالية
الثغرة الخامسة: "عدم وجود دعم عسكري للمقاومة"، برغم الهوّة "في موازين القوى العسكرية؛ نظرًا للانحياز الغربي المطلق للاحتلال، وعدم جرأة أيّ من الدول العربية والإسلامية، أو حتى القوى الدولية… على تقديم دعم ملموس ومباشر ومادي للمقاومة الفلسطينية".

المقالة هنا تقول: "بعدم وجود" دعم عسكري للمقاومة، وهي تعرف أن جبهة قتالية فتحت منذ الثامن من أكتوبر/ تشرين الأول في جنوبي لبنان. ودار فيها- ولا يزال- قتال عنيف. وقد ارتقى فيها ما يزيد على 170 شهيدًا من قادة وكوادر من حزب الله. ومسارها متصاعد.

وتعرف المقالة بأن اليمن دخل الحرب ضد أميركا وبريطانيا بسبب تعطيل الملاحة الدولية في باب المندب والبحر الأحمر. وذلك بسبب حظره للسفن القادمة أو المتجهة إلى الكيان الصهيوني. وذلك إلى جانب قصفه لأم الرشراش. وقد أعلن مشاركته في الحرب، إلى أن يوقف إطلاق النار في غزة.

هذا وتعرف المقالة بالصواريخ التي تطلق من العراق، وبأن الجبهة مفتوحة أصلًا في سوريا. وقد راح الكيان الصهيوني يحرض ضد إيران متهمًا إياها بأنها وراء كل ذلك.

على أن المقالة لا تعتبر ذلك "دعمًا ملموسًا ومباشرًا وماديًا للمقاومة الفلسطينية" ومن ثم، بناءً عليه، تعتبر الدعم الملموس والمباشر هو إعلان الحرب الشاملة من جانب الداعمين، وإلاّ فليس ثمة وجود لدعم. وبهذا يكون الدعم المطلوب تحويل الحرب على غزة، إلى حرب إقليمية شاملة، لتصبح عمليًا حرب المتدخلين، وإلّا فلا. أي ما عدا ذلك فليس، بدعم ملموس ومادي ومباشر.

وبهذا يكون المطلوب من قيادة المقاومة أن تخرّب علاقاتها بحلفائها وداعميها وتتهمهم بخذلان المقاومة. فيا للسياسة "الحكيمة" تُنصح بها المقاومة راهنًا ومستقبلًا. ولنصرخ "يا وحدنا"، وإلى أين المصير، فليس مهمًا.

على أن المقالة تفسّر "التوازن القائم" بالرغم من الفرق الكبير في القدرات العسكرية بأنه يعود "إلى البطولة والصمود والثبات الفلسطيني"، فالذي رجح المعادلة لصالح المقاومة: "هو الإنسان الفلسطيني المقاوم والاستثنائي"

وبهذا تُختصر المقاومة التي رجحت المعادلة لصالحها في بُعد واحد وحيد "هو البطولة والصمود والثبات الفلسطيني"، هو الإنسان الفلسطيني المقاوِم والاستثنائي. ولكن أين ذهبت المقالة بدور القيادة التي قادت وتقود هذا الإنسان الفذ، القيادة التي قادت عملية حفر الأنفاق، وما أدراك ما دور الأنفاق في هذه الحرب؟. وأين القيادة التي خططت وصممت وقادت المقاوِم الفلسطيني في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول؟. وقادته في حرب العدوان البريّة، وأسهمت في تعزيز روح الصمود والثبات الشعبي. وأخرجت الإعلام الكاسح الذي مثله "أبوعبيدة".

ثم أين ذهبت المقالة بكل العوامل الأخرى التي تراكمت لتصل المقاومة إلى هذا المستوى، تاريخيًا، وخلال الانقسام "المذموم" الذي جعل من غزة قلعة مقاومة جبارة. ثم دعك من عوامل الاهتراء في جبهة العدو وكيان العدو.

وبهذا فإن مقالة إبراز الثغرات، وعدم ذكر الإيجابيات ختمت مسارها لتسكن في وادٍ غير وادي المقاومة والشعب في غزة، بعد مائة يوم وراهنًا ومستقبلًا قريبًا.