الأدب وشهادات الأسرى.. "عائشة عودة" في سجون إسرائيل

سبت, 01/20/2024 - 08:51

تشجيع الأسرى الفلسطينيين على رواية قصصهم وسيلةٌ مهمّةٌ للكفاح ضد الظلم، ومقاومة استخدام القوّة الغاشمة في قهر الإنسان، وهذه الروايات يمكن أن تزيد وعي الأمّة العربية بطبيعة العدوّ، وتزيد قدرتها على مواجهته.

والنموذج الذي أقدمه اليوم هو قصة الأسيرة الفلسطينية عائشة عودة، حيث شعرتُ بألم يمزق صدري، وأنا أقرأ أهوال ما تعرضت له من تعذيب؛ فما بالك بشعور فتاة عاشت تلك الأهوال؟.

شعرتُ بعد قراءة روايتها أيضًا بالامتنان لحركة المقاومة الإسلامية "حماس" التي كان أوّل مطالبها بعد معركة "طوفان الأقصى" هو تحرير الأسيرات والأطفال أولًا، لما يبرهن عليه ذلك من نبل أخلاقي، ولمست في المقابل زيف الشّعارات الغربية في حماية المرأة، إذ يتكتّم الغرب أو يقبل ممارسات جيش يزعم أنه ممثل الحضارة الغربية، وأنه لا يقهر، ولكنه يستخدم قوته الغاشمة ليعرّض فتاة عزلاء لكل أنواع الألم. الكف ينتصر على المخرز
واجهت غرور جنود الاحتلال طوال الطريق، ثم حين وصلت مركز التحقيق لم ينجح الصفع والركل والبصق والكلمات البذيئة في أن يجعلها ذلك تنطق بكلمة، فقد شحنت إرادتها للمواجهة.

سألها المحقق: هل يستطيع الكف مواجهة المخرز؟! فردت: نعم يستطيع، وقالت لنفسها: "ها أنا الكف الذي يواجه المخرز في التحقيق، وفي مواجهة المسؤول الإسرائيلي والجنود الذين يحيطون به.. وحدي أنا بينهم، وأنا ندّ لهم.. إحساس ملأني بمسؤولية حملي لقضية شعبي.. نعم أنا الآن وحدي تعرضت للضرب ولكل الإهانات.. أقدام كثيرة بدأت تركلني.. لكنني كنت أشحن إرادة الصمود والتحدي مع كل ركلة أو صفعة مكررة في نفسي: هذا ثمن المواجهة".

تضيف: "الإحساس بالتفوق عليهم ضخّم إحساسي بذاتي؛ فتوحدت تمامًا بقضية شعبي".
انتظار فرج الله
استمر الضرب بقصد إلحاق أكبر قدر من الألم، واستخدم الجنود ألوانًا من التعذيب لا تعرفها البشرية.. وكانت كما قالت مثل محاصر بفيضانات عاتية، ليس لديه إلا انتظار فرج الله.

أما المحقق الإسرائيلي- الذي يقوم بتعذيبها- فوصفته بأنه الغول في قصص الطفولة المخيفة. وعندما صرخت من الألم، ألهبت صرختها حماسه فانهال ضربًا بكرباجه على مختلف أنحاء جسدها كمجنون، فلم يتركها إلا كومةً من رماد وجسدًا مسجى بلا حراك.

تقول عن تلك اللحظة: تركز تفكيري في الألم الذي كان يشتعل في جسدي كما تشتعل النار في الهشيم. الإحساس بالزمن غائب ولا حضور إلا للألم. هددها المحقق بأن يجعلها عمياء أو مشلولة أو مجنونة، فهزها الخوف، وثار في ذهنها سؤال: ماذا سيحدث لأمي لو أصبحتُ كذلك؟!

عندها تذكرت بطلة المقاومة الجزائرية جميلة بوحيرد، فقالت لنفسها: لقد عذبت جميلة لكنها لم تجن. فلماذا أجن أنا؟! اصمدي يا عائشة.. هي قضية عضّ أصابع.. ونحن على استعداد لدفع الثمن؛ لأن الاحتلال هو الشر المطلق.

تقول عائشة: كنت في دُوامة الصراع، وأصوات التعذيب من الغرفة المجاورة تأكل أعصابي كمنشار يقرض جذع شجرة.. إنه الحصار والقهر دون مفر.. إنه الجحيم بعينه.
عندما هددوها بإحضار أمها وزوجة أخيها وتعذيبهما وقف شعر رأسها هولًا. قالت لنفسها: يا للكارثة لو أحضروهما وعذبوهما، لن أستطيع تحمل ذلك.. قد أجن بلا ضرب.. يا إلهي أي نوعية من البشر هؤلاء؟ أي قسوة تختزنها عقولهم وقلوبهم؟

لحظتها قررت الاعتراف، وقالت لهم: "ألستم محتلين؛ فهل تتوقعون أن نرميكم بالورود بدلًا من القنابل.. نعم، أنا وضعت القنبلة.. إنه أقل شيء أستطيع عمله من أجل وطني وشعبي".