طوفان الأقصى" في مواجهة الفلسفة الغربية.. هابرماس وبن حبيب وآخرون

خميس, 12/07/2023 - 08:34

كانت عملية "طوفان الأقصى" طوفانًا بحق، جرَف أمامه العسكرية الإسرائيلية، وأجهزة استخباراتها، والقوى الغربية التي وقفت خلفها، والقادة العرب الذين يخشون ويطيعون تلك القوى الغربية.

انفجرَ الطوفان بكل قوته في المجالَين: الاقتصادي، والسياسي، وفي مجال الإعلام والاتصال، وأخلّ بكل التوازنات حتى الآن.

لم يدمّر هذا الحدث كل الدعاية الإسرائيلية والتصوُّرات الأسطورية التي روّجتها في العالم فحسب، بل قلبَ أيضًا كل الروايات التي تم إنتاجها حتى الآن عن حماس، وعن الإسلام والعنف والإرهاب.

لعب انعدام الكفاءة الإسرائيلية- في هذه العملية وتفلّتها التاريخي من جهود السلام- دورًا في تحقيق هذا الأثر، فضلًا عن العدوان والإبادة الجماعيّة التي يصعب تبريرُها.

لا توجد دعاية يمكن أن تفسّر قتل الأطفال، والاستهداف المستمرّ والممنهج للمستشفيات، واستهداف المساجد والكنائس والمدارس والأسواق، وجميع الأماكن المدنيّة دون تمييز. ليس لدى إسرائيل كيسٌ يكفي لوضع كل هذه الرماح فيه.
من ناحية أخرى حقّق الفرع الإعلامي لحماس نجاحًا غير مسبوق منذ اليوم الأول لـ "طوفان الأقصى". تصريحات "أبو عبيدة"- الناطق باسم كتائب القسام، بزيّه الفريد كل مساء- لها قوة إقناع وتأثير غير عاديين.

البيان الذي كانت ستخرج به منظّمة التعاون الإسلامي بعد اجتماعها لم يكن أكثر أهمية من البيان الذي سيلقيه "أبو عبيدة" في ذلك المساء.

لا أحد يأخذ على محمل الجِد التصريحات التي أدلى بها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وغيره في المؤتمرات الصحفية حول الحرب. بل ينتظر الجميع بعد حديثهم أن يخرج "أبو عبيدة" ليؤكد أو يكذِّب ما قالوه.

لـ "أبو عبيدة" الكلمة الأخيرة والقول الفصل في أخبار الحرب؛ لأنَّه لم يكذب في أي من خطاباته، وجميع المعلومات التي قدمها كانت دقيقة. في المقابل، كل تصريحات نتنياهو ورئيس أركان جيشه لا ترقى إلى مستوى الدعاية اليائسة.

واقع الحدث وتجلّياته وأداء حماس في أثنائه منح ذلك خطابها قوة ومصداقية غير مسبوقة في جميع أنحاء العالم.

حماس تخلق حرفيًا "طوفان الأقصى" في الساحة الإعلامية. فيما تزداد الدعاية الصهيونية ضدها بؤسًا مع كل تصريح لمسؤول إسرائيلي يلجأ لأكبر عدد ممكن من الأكاذيب اليائسة. وقد رأينا كيف أصبح الوضع البائس للمتحدث العسكري الإسرائيلي -الذي كان يبحث عن عناصر حماس في مستشفى الشفاء- سُخريةً على لسان الجميع.

في ضوء هذا السقوط للأكاذيب الإسرائيلية، تُظهر قدرتها على مواصلة العدوان المدمر- بهذه الوقاحة- أن ما تعتمد عليه حقًا هو قوتها العسكرية. هي لا تشعر بالحاجة إلى تقديم تفسير مقنع لأي شخص. التبرير والتفسير مجرّد شكليات وتفاصيل غير مهمة بالنسبة لها، فوراءَها من يؤيدها دون قيد أو شرط، لكنه فقط يحتاج إلى حُجة ولو كانت سخيفة ليستخدمها للدفاع عنها.

وعندما تقدِّم لهم الصور الميدانية حقيقةً دامغة على كذب ما يقولون، (مثلما كانت صور محاولة الانقلاب في تركيا 2016)، لا يكون بوسع هؤلاء إلا أن يقولوا: "كنّا نظن هذه الصور ألعاب كمبيوتر". فأي من أكاذيب إسرائيل لا يسارع هؤلاء لتصديقها، وأيّها يمتنعون عن الدفاع عنها؟!

هذه الدعاية البدائية المكشوفة- التي تسخر بها إسرائيل من العقل البشري، وتجعل الأطفال يضحكون بصوت عالٍ- كافيةٌ جدًا لإقناع بعض الفلاسفة الكبار المؤيدين للصهيونية على الفور.

إن تصريح بعض الفلاسفة- ومن بينهم يورغن هابرماس، المنظّر الكبير لبيئة وشروط الاتصال المثالية، وآخر ممثل كبير للنظرية النقدية- هو في الحقيقة فضيحة كبيرة من أي زاوية يُنظر منها إليه.

"طوفان الأقصى" لم يضرب السياسة والعسكرية والروايات الإعلامية السائدة فحسب، بل حوَّل فلسفة القرن إلى غِربال مملوء بالثقوب.