موريتانيا....الواقع المجهول / محمد عاليون صمبيت

أربعاء, 09/09/2015 - 00:20

يعتقد الكثيرون أحيانا أننا نعيش على أوتار أزمة اقتصادية  وسياسية   أحايين أخرى ,جاهلين أو متجاهلين ناسين أو متناسين لما سوى ذلك مما يشكل جوهر المشكل بشكل دقيق ,  سواء كان حقيقة أم افتراض , فالناظر إلى الواقع المتأزم بتمعن وتحليل عقلاني دقيق –وربما لا يحتاج الأمر إلى كل ذلك العناء – يدرك جازما أننا نعيش على أوتار  أزمة من نوع آخر أكثر حدة .

 إنها أزمة  "اجتماعية "يمثلها بالأساس فقدان الثقة الذي أصبح قائما بين كافة شرائح المجتمع بمختلف تجلياتها (حراطين , بيظان , بولار , وسوننكى ) ومع إذكاء لوجود شرائح  جديدة أو مصطنعة إلى حد ما  ( إيكاون , لمعلمين ) ,

وإذا نظرنا بواقعية إلى تلك الثقة بين مختلف الشرائح السالفة الذكر نجد أنها لم تكن يوما بتلك الصلابة والمتانة حتى تتحمل صامدة الضربات المفتعلة التي تأتيها من الخلف وهو ما يساعد بشكل متواصل على تفاقم الوضع .

إن ما نعيشه هذه الفترة بل بالأحرى هذه الأيام بالتحديد هو ما يمكن أن أسميه بمدلولي الخاص ب "حرب اجتماعية باردة " لم ولا نرجو أن ترقى لدرجة المواجهة المباشرة  وللقارئ المستبصر رأيه الخاص  ,وحيث ذلك فإن جهات بعينها تعمل على استغلال الوضع بالتعاون مع  أخرى ربما يراها البعض خارجية  وقد تكون داخلية  أكثر تعطشا لإثارة المتاعب والفتن وربما تجد عبر ذلك تسويقا لتجارتها القذرة أيا كانت .

وحيث أن المسؤولية ملقاة على الجهات الحكومية قبل أن تكون ملقاة على أي  فرد عادي ,فإن الأولى (الجهات الحكومية ) لم تجد ما تمتص به تلك الأزمة سوى إضرام نار الفتنة بدل إخمادها , قد يكون ذلك بعفوية وقد يكون العكس وهو الراجح حسب البعض ويتجلى ذلك في استخدام الأملاك العامة للدولة بموظفيها ومختلف تجلياتها بشكل لا يدع للآخر سوى ثورة غضب عارمة ووقوعه محل هواجس وشكوك لها ما يبررها , والسلطات المعنية من هذا المنطلق معنية  كذلك  بشكل غير معتاد بإثارة النعراة  الإثنية في قالب ملفوف باسم الدين وتحت رعاية القانون المطوعين لحاجات قبلية بغيضة  محضة وهو ما يفهمه كل من ألق السمع والبصر وهو شهيد .

وليست قضية  النزاع (كرو) الذي وصل حد  التسلح وإن نسبيا , والتي يغفل عنها الكثيرون و المزعوم أن سببها القطع الأرضية  ليست عنا ببعيد  ذلك النزاع الذي خلف حتى  الآن قتيلين , و اللافت في الموضوع أن ثمة شائعات في هذا الصدد تقول ما مفاده وما يمكن أن يفهم منه أن أي صراع من هذا النوع قد يحدث يمكن أن تصفى فيه شريحة أو فئة لا ناقة لها ولا جمل في الصراع  .(أصوات مزعجة أو على حق يقول أصحابها أن القتلى عبيد كانوا بصدد استرجاع قطع أسيادهم الأرضية )  دون معرفة السبب بجذوره وليس كما يراد له أن يكون , كما أن قضية مثلت الفقر التي لم تروى علاجا مازالت تطبخ على نار هادئة يستغلها البعض من هاهنا بالنسبة لأمل لم يتحقق  وهاهنا للعب أدوار المتعاطف الزائف , والجريمة يشارك فيها الكل  ........

و "تقاده" التي صيحات أصحابها يندب لها الجبين وتتقطع من هولها شرايين القلوب  ليست أقل شأنا من غيرها فهي تعبر عن مرحلة فراغ في القرار السلطوي الناضج الذي  نعيشه وتجاهل لحقوق شرعها الخالق , هذه الحالة التعيسة من عمرنا , المشؤومة من تاريخنا الظالمة لجلنا أوكلنا تمهد لما بعدها (إلى نهاية النهاية) التي لن تكون مفروشة بالورود بقدرما هي مأساوية نسأل المولى السلامة والعافية .

قد يعتقد كلكم أو بعضكم أوجلكم (لا يضيرني ) أنني أهذي أو أتمنى على الله المنون مما لا ينبغي , ولست أتفاجئ , بل أسئل سائلي منكم عما ينبغي قبل اتهامي بما لا ينبغي , إنما اسرده ليس من فراغ بل من واقع حقيقي وما أتنبئ به يكون نتيجة قوانين حتمية فمن يزرع الشوك يجني الجراح .

إن التجاهل المطلق لرغبات يمكن تحقيقها وكبتها بدل تشخيص أصحابها ليس ينذر بنية حسنة , كما أن سياستنا الاقتصادية العمياء المليئة بالتناقضات والتي يعلن أصحابها صباحا عن فائض يكفي الأرض ومن عليها ومساءا يجهزون على أرواح أمم تلك الأرض عمدا  ليعطي أمرا واضع من الجميع يقضي برحيل الأنظمة السادية , فالمجتمع لم يعد يتحمل بكافة أطيافه وألوانه , فلم يعد الغني يتحمل مد أصابع الاتهام إليه من طرف الفقير كما لم يعد الفقير صبورا على  التبرئة التي تحمل نار الشفقة ليس إلا , وأحيانا استغلالا له بذلك وكسب بضع دريهمات لا نصيب له منها على حسابه بلا علم منه .

ثمة انتشار لافت للتنظيمات الإجرامية (العصابات الليللة ) عنصرية وطائفية يستهدف أصحابها من رائها  انتقام مزعوم سببه الحرمان . إن أفراد هذه العصابات لم يعد يثنيهم عن أفعالهم تلك لا وازع ديني ولا ضمير إنساني و اللافت في الموضوع أنها شرائحية , وهو ما  يمكن أن يعتبر من ضمن أهم تلك التهديدات , للواقع الاجتماعي الصعب الذي نعيشه , أفراد الأمن صاروا يشكلون الخطر الأكبر بوصفهم  ينشطون في تلك التنظيمات الإجرامية حبا للمال أو خوفا على أنفسهم  أو انحيازا لبعضهم , فأين الدولة ؟ الجميع يتسائل ولا أحد يجيب , الوضع خطير صدقوني ...

طوال عمر الدولة الفتية لم تكن ثمة علاقة ود في أدنى مراتبها  بين الأنظمة التي تحكم وتلك التي تعارض وازداد الشرخ , فالمعارضة سارت مؤسسة بخيلها ورجلها هدفها الأوحد النقد الهدام ولا حقائق للاعتراف مستلهمة أفكارها من أخرى ريبية يونانية (الشكاك) , ما هذا من هذا . بلى هو منه , فالجميع وقع ضحية السفسطة  والضحك على الذقون .

إن ما يحدث في هرم السلطة من تجاوزات صارخة ومستمرة من غدق للبعض وعليه في مختلف الأرزاق  وفي المقابل تجويع للسواد الأعظم هو ما انعكس حتما على واقعنا المجهول وغذاه بروافد التطرف اللفظي الذي سيؤدي غدا للتطرف الديني  واشتعال نار لازلت خامدة .... , وهو أيضا ما أدى لأن يبخل أصحاب البطون البخلاء على الحمالة الضعفاء بعشر أواق أو يزيدون , تلك قصة أخرى سترى النور حالما يكون العنف من أجل الخبز أو الموت من  أجل العيش , أمر رهيب .

مسودات قانونية قياسية الكم تسن بين الفينة والأخرى , والشارع في ذلك لا يقوم بسوى ما يقربه أكثر من أي وقت مضى من المشنقة لكنه لا يشنق , وقد كان النصيب الأوفر من حظ ظاهرة لطالما كانت السبب وراء تخلفنا عن الركب , (ظاهرة العبودية ) ليس هناك أدنى شك حول ردعية تلك القوانين , لكن هل يراد منها  حقا ردع المتغطرسين , أم جمع الصدقات  و الهبات  في جيوب أولئك ؟ كلمة حق أريد بها باطل وكذلك يفعلون ...

لم يعد بالإمكان بالنسبة للأطفال الأبرياء اللعب في الشارع والركوض وراء الكرة دون الشعور بواقعهم التعيس وتحميل بعضهم المسؤولية للبعض الآخر سيرا على خطى الكبار  (الأهل والجيران والصيحات التي تتعالى كل يوم بهذا الخصوص من كل حدب وصوب ...) ,لم يعد بإمكان العامل اليدوي العادي أن يعمل دون الشعور أنه مغبون ولو أنه ليس كذلك أحيانا ,...المعلم , التلميذ , الطالب , الأستاذ... الكل يتنمر بغير بحق يذكر  أو لحق مسلوب أو من وراء مؤامرة بأسهم بينهم شديد وقلوبهم شتى وتحسبهم أيقاظا وهم في سبات عميق .

أصبح الواقع قابلا للانفجار في أي لحظة وليس أي فرد بمنئا في أي مكان كان عما يمكن أن  يكون تغييرا   أو عسرا عسيرا .....ذلك أن الجميع يتفرج على مسرح الجريمة بل ويشارك فيها كأبلغ ما يكون التمثيل على خشبة مسرح تسع الجميع .

وفي هذا الطور و انطلاقا من أن الدولة كل شيء والفرد لا شيئ فهي قادرة أكثر من غيرها على السيطرة على الوضع افتراضا , إن أراد القائمون عليها الأمر المطلوب وذلك عبر وسائلها الخاصة الصارمة التي لا يمكن لأحد تجاوزها وما أكثر تلك الوسائل .

لكن الأدلة  جلها  تؤكد أن القائمين بأمورها أو هكذا يسمون  ليسوا سوى ساد يون  بالطبع  لم يرغبوا يوما في حلحلة للوضع للحيلولة دون وقوع الفتنة وهو ما يذكرني ويثبت مقولة أن القائمين عليها هم الورثة الشرعيون للاستعمار (أبناء الاستعمار ) وليس من طبع الاستعمار حل مشاكل الشعوب التي تقع تحت رحمته , فهو يحكمها بقوته لا بإرادتها .

ليس من يحكم الدولة شريحة بعينها وإنما هي طبقة بشحمها ولحمها , تمارس الظلم والجور متى ما سنحت لها الفرصة بذلك , أو تحقيق الكمال الروحي لأرواحها الشريرة التي تتلذذ وترتاح لعذابات الآخرين .

على أي وبما أننا  لسنا هنا قيد وضع خطاطة لمن هو أكثر منا تخطيطا بل هدفنا الحديث والتشهير بما يمكن أن يهدد كيان مجتمعنا البريئ , ومن هذا المنطلق فإن جزءا من الحل يكمن في التماسك الاجتماعي  والتماسك في هذا الإطار يكون واجب شرعي أو على  الأقل فعل إنساني وإملاء للضمير المدني , صحيح أن الثورات تنهض بالمجتمعات وتحقق لها وعيا ذاتيا وعدالة منشودة لكنها عند ما تكون ضد المستبد وليس ضد الثوار أنفسهم , إذ نه افتراضا أن يكون كل منا ثائرا لأجل الآخر (المواطن) وضد الآخر (الحاكم المستبد).