السعودية والتطبيع المرتبك

أربعاء, 11/25/2020 - 21:03

معن بشور
نفي وزير الخارجية السعودي خبر اللقاء بين نتنياهو بولي العهد السعودي برعاية بومبيو، وفي رحاب مدينة نيوم التي يريدها بن سلمان المدينة الأقرب إلى تل أبيب، بحاجة إلى قراءة دقيقة..
فعلى الرغم من يقين كل متابع للعلاقة بين تل أبيب والرياض بأن الزيارة قد تمت، وأن التسريبات الإسرائيلية المقرونة بتحديد موعد الزيارة ونوع الطائرة التي استقلها نتياهو ومرافقوه هي أخبار صحيحة، إلاّ أن النفي “السعودي” الرسمي يكشف حجم الارتباك الذي يواجهه رعاة التطبيع ودعاته في الرياض، لاسيّما أن مبادرة القمة العربية في بيروت عام 2002، هي مبادرة سعودية أولاً وأخيراً، وأنها تنص على التطبيع الكامل بعد “الانسحاب الكامل من كل الأراضي الفلسطينية والعربية”،
بل يدركون ايضا أن ولي العهد وإن نجح في الانقلاب على تقاليد الأسرة الحاكمة في الية انتقال العرش من أبناء الملك عبد العزيز إلى أحفاده، ومن الشقيق إلى الإبن، فأن نجاحه في الانقلاب على إرادة شعب الجزيرة العربية فيما يتعلق بفلسطين ليس بالسهولة نفسها، خصوصاً أن استطلاعات الرأي الأمريكية – الإسرائيلة قد كشفت أن الغالبية الساحقة من أبناء الجزيرة العربية يعارضون التطبيع، وأن الهاشتاغ ألاكثر انتشاراً في مواقع التواصل الاجتماعي الخليجية هو “فلسطين قضيتي” رداً على ما يحاول البعض “المأجور” ترديده بأن فلسطين “ليست قضيتي”..
وهذا النفي الرسمي السعودي للقاء بين بن سلمان – نتنياهو يؤكد المؤكد بحادثة مماثلة يوم انعقاد قمة الظهران في 14 أيار 2019، حين خرجت صحيفة الرياض المقربة من الديوان الملكي بافتتاحية تعتبر فيها كل من يرفض السلام مع “إسرائيل” يخدم إيران، ليخرج العاهل السعودي الملك سلمان في القمّة نفسها ليطلق اسم “القدس” على القمة، ويتبرع بملايين الدولارات ودعم صمود أهلها، فيما اعتبر رداً مباشراً على إعلان ترامب أن القدس عاصمة أبدية للكيان الصهيوني..
بين لقاء “نيوم” في 23نوفمبر/تشرين الثاني 2020، وخطاب قمّة “القدس” في الظهران في 14 نيسان/أبريل2019، نلاحظ حجم إرتباك مسيرة التطبيع في العاصمة التي يرى كثيرون فيها القائدة الفعلية لهذه المسيرة في أبو ظبي والمنامة والخرطوم، والضاغطة لامتدادها إلى عواصم أخرى..
وهو ارتباك لا يعبر عما يدور في كواليس السياسة في الرياض، وبين بعض أبناء الجزيرة الذين قدموا عشرات الشهداء على أرض فلسطين عام 1948 فحسب، بل إلى ارتباك متراكم مصدره حرب فاشلة في اليمن مستمرة منذ خمس سنوات ونيف، وحرب لم تحقق اهدافها على سورية وفيها منذ ما يقارب العشر سنوات..
وبين ضغوط لعزل المقاومة في لبنان لم تؤت أكلها رغم كل ما يعانيه اللبنانيون، بل هو أيضاً ارتباك تسببت فيه خسارة ترامب في الانتخابات الرئاسية في بلاده، رغم أن وزير خارجيته يسعى اليوم من خلال حملته الدبلوماسية في المنطقة إلى بدء حملته الشخصية للانتخابات الرئاسية الأمريكية مهيئا نفسه فيها لوراثة ترامب في البيت الأبيض، معتمداً على كتلة صلبة من طائفة “الإنجيليين” الجدد التي يعتبر بومبيو من أبنائها العقائديين، وعلى دعم أصوات الجالية اليهودية. التي لم تكن غالبيتها لصالح ترامب في الانتخابات الأخيرة.
وكما نرى، فإن مسيرة التطبيع مرتبكة في الرياض حيث يتصدى ولي العهد فيها لقيادتها، وهي أيضاً مرتبكة في القاهرة التي كانت حكومتها أول من دخل “جنة” التطبيع الرسمي بكل شرورها وشروطها المذّلة مع معاهدة كمب ديفيد قبل أكثر من 41 عاماً.
فلقد فجرت صور وزعتها مواقع التواصل الاجتماعي للفنان المصري محمد رمضان مع المطرب الصهيوني عومير ادم بحضور المطرب الإماراتي حمد المزروعي، وصور أخرى مع رياضي إسرائيلي، حملة شعبية كبيرة في مصر أطلقتها نقابات مصرية ما زالت تعتبر أن “التطبيع” مع العدو جريمة يستحق مرتكبوها الفصل من أي نقابة ينتسب إليها..
ففي حين حاول رئيس النقابات الفنية المصرية التهرب من إعلان الفنان محمد رمضان لصورته التطبيعية مدعياً أن رمضان أبلغه أنه لا يعرف كل من يأخذ صورة معه، وأنه مستعد للاعتذار عن فعلته، فقد كانت نقابة الصحفيين المصريين، وهي من أهم نقابات مصر اتساعاً وتأثيراً، السباقة إلى إعلان موقف يدين سلوك رمضان ويدعو إلى محاسبته أمام قضاء تحرك بدوره لمحاكمة رمضان، فيما امتلأت مواقع التواصل بتغريدات منددة بهذه الصورة ومؤكّدة على رفض الشعب المصري لمؤامرة التطبيع، وهو رفض قديم جعل تل أبيب تتحدث عن “سلام بارد” مع مصر، رغم اتفاقية سلام وقد اصبح عمرها أكثر من 41 عاماً، وما إعلان الفنان محمد رمضان عن استعداده للاعتذار عن هذه الصورة التي سربتها مواقع إسرائيلية، كما النفي الذي أصدرته جهات رسمية سعودية لخبر سربته مصادر إسرائيلية عن لقاء نتنياهو – بن سلمان في مدينة نيوم السياحية، إلاّ تعبيراً آخر عن أن مزاج الشعوب ضد التطبيع في واد وان إذعان بعض الحكام للانخراط في مسيرة التطبيع في واد آخر.
أما حملات مناهضة التطبيع الشعبية الممتدة من المحيط إلى الخليج، حيث مراصدها ولجانها ومبادراتها وائتلافاتها تعلن كل يوم رفض شرائح واسعة من أبناء الأمّة لها، فهي تؤكّد أن اضطرار حلفاء واشنطن إلى كشف علاقاتهم التطبيعية مع مغتصبي القدس ومحتلي فلسطين والجولان لم يحقق انتصاراً جدياً لمسيرة التطبيع، بل أدى إلى اتساع المواجهة مع المشروع الصهيوني – الاستعماري، سواء من خلال المقاومة داخل فلسطين وفي جوارها، أو من خلال الحركة المتنامية لمناهضة التطبيع على امتداد الأمّة كلها، أو من خلال مقاطعة العدو على المستوى الدولي إلى درجة أن هناك توجها رسميا أمريكيا وأوروبيا يدعو إلى ملاحقة أعضاء الBDS واعتبار الدعوة إلى مقاطعة الكيان العنصري الإرهابي في فلسطين المحتلة نوعا من العداء للسامية…
ومن هنا نرى أن من حقنا الاعتقاد أن مسيرة التطبيع،رغم كل ما يحيط بها من تهديدات واغراءات، مسيرة مرتبكة مصيرها مصير محاولات مماثلة سبقتها بعد كمب ديفيد ومعاهدتي أوسلو التي مازال الشعب الفلسطيني يقاوم مخرجاتها ووادي عربة التي ما زال الشعب الاردني يحاصر آثارها.
كاتب لبناني