كورونا وأحلام الشباب

جمعة, 10/09/2020 - 19:34

وفرت الاقتصادات سريعة النمو في آسيا وعلى مدى عقود الفرصة لملايين الشباب لكي يعيشوا حياة أفضل من حياة آبائهم، ولكن هذا المسار الصاعد الآن يواجه الخطر مع ارتفاع معدل البطالة بين الشباب في المنطقة التي تضم أكبر كتلة سكانية تتراوح أعمارها بين 15 و24 عاما في العالم.
فهؤلاء الشباب الذين بدأوا بالكاد حياتهم العملية، يفقدون وظائفهم حاليا بوتيرة أسرع مما يحدث مع الأجيال الأكبر سنا، لأن نحو نصف هؤلاء الشباب يتركزون في أربعة قطاعات اقتصادية كانت الأشد تضررا من جائحة فيروس كورونا المستجد، بما في ذلك قطاعات تجارة التجزئة وتجارة الجملة والتصنيع والخدمات.
ونقلت وكالة بلومبرج للأنباء عن تقرير لبنك التنمية الآسيوي ومنظمة العمل الدولية القول إن النساء الشابات وهؤلاء الذين يعملون في أدنى السلم الوظيفي من بين الأشد تضررا من أزمة البطالة الحالية، حيث حذر التقرير من سقوط “جيل الإغلاق” في بحر النسيان.
ومن بين هؤلاء الضحايا بافيسا كيتوبانيا 26/ عاما/ من العاصمة التايلندية بانكوك، حيث حصلت على رخصة العمل كطيار وكانت تخطط للسير على خطى والدها في قيادة الطائرات المدنية، ولكن عندما تفجرت جائحة فيروس كورونا تبددت خططها مع انهيار صناعة الطيران في العالم.
وتقول بافيسا “عندما حصلت على رخصة لكي أصبح طيارة تجارية، اعتقدت أن هذه ستكون وظيفتي طوال عمري مع دخل جيد”. وبدلا من العمل في قيادة الطائرات، اضطرت، إلى العمل في مجال هوايتها وهي تزيين الرموش لكسب بعض المال إلى حين تعافي الاقتصاد “دخلي يمثل جزءا ضئيلا مقارنة بوظيفة التيار، لكنه أفضل من لا شيء”.
هذه القصة تتكرر في مختلف أنحاء آسيا والمحيط الهادئ حيث يمكن شطب حوالي 15 مليون وظيفة للشباب والمراهقين، في 13 دولة خلال العام الحالي.
وتقول بلومبرج إنه في حين تعتبر بطالة الشباب أزمة عالمية، فإن آسيا انحازت بشدة خلال العقود الأخيرة، للشباب وطورت طبقة متوسطة من أجل تحفيز الطلب الاستهلاكي المحلي، وهي الآلية التي تواجه الخطر الآن. فقد شكلت منطقة آسيا والمحيط الهادئ حوالي ثلثي معدل نمو الاقتصاد العالمي في 2019 في حين من المتوقع أن تسجل الاقتصادات الصاعدة في هذه المنطقة أول انكماش لها منذ ستينيات القرن العشرين.
هذه النظرة المستقبلية تثير التشاؤم بالنسبة للفتاة نفيشا علي 17/ عاما/ التي تعيش في نيودلهي. فقد أمضت الشهور الستة الماضية في البحث عن عمل منتظم. وعندما تفشت جائحة كورونا فقدت عملها في مصنع ملابس صغير، وتركت المدرسة لمساعدة أسرتها بعد حادث سير أصاب والدها بالشلل منذ ثلاث سنوات.
كانت نافيشا تكسب في الشهر حوالي 5500 روبية (75 دولارا) من عملها، وتنفقها على مساعدة والديها وأربعة أخوة صغار. والآن خرجت اختاها الأصغر 16 و14 عاما من المدارس وبدأتا البحث عن عمل. تقول نافيشا “إنهما تتعلمان الخياطة، كما أحاول تدريبهما على العمل في المصنع الذي اعتدت العمل فيه”.
وبحسب تقرير البنك الدولي فإن صدمة كورونا تخلق طبقة من “الفقراء الجدد” في مختلف شرق آسيا والمحيط الهادئ مع توقع دخول 38 مليون نسمة دائرة الفقر في المنطقة. وتحذر ويي جون جيان يونج المديرة المؤسسة لمركز أبحاث الأسرة والسكان في جامعة سنغافورة الوطنية من أن هذه الأزمة ستؤدي إلى توتر العلاقات بين الشباب والأجيال الأكبر سنا، وتهدد الصحة النفسية للشباب، لتصبح أسوأ من أي أزمة فقدان وظائف سابقة.
وأضافت ويي جون جيان يونج “هذه المرة تأثير الأزمة سيكون أسوأ بسبب تعدد الضغوط التي تتزامن معها… وهذه المرة ستستمر لفترة أطول وبالتالي سيكون التأثير أشد حدة”.
هذا التأثير الذي حذرت منه يونج أصاب عائلة جيه.إم ديماوناهان 22/ عاما/ في العاصمة الفلبينية مانيلا، حيث اعتمد على مرتب التقاعد لوالده أثناء فترة بحثه عن عمل بعد حصوله على شهادة جامعية في علم الاجتماع. وبدلا من العمل في مجال التسويق كما كان يتوقع، انتهى به المطاف كموظف في مركز اتصالات.
وأضاف ديماوناهان إن بعض الشركات تقول إنها علقت عمليات التوظيف لديها بسبب الجائحة “وأنا تحت ضغط قوي نظرا لأنه لا أحد لديه دخل في الأسرة ولا يمكن أن نعتمد فقط على مرتب تقاعد والدي”.
وتقول بلومبرج إن كسر تلك الدائرة الشريرة التي يدور فيها ديماوناهان وعشرات الملايين من الشباب في دول آسيا والمحيط الهادئ لن يكون ممكنا بدون دعم حكومي أو تعاف سريع للاقتصاد، مع السيطرة على الفيروس وعودة النشاط إلى سوق العمل في نهاية المطاف.
ومع ذلك يظل هناك بصيص أمل أمام هؤلاء الشباب في قطاعات مثل قطاع التكنولوجيا، الذي مازال يبحث عن الشباب المؤهل. فحتى الآن يواجه هذا القطاع أزمة في الحصول على الأعداد الكافية من العمالة الماهرة المدربة.
وتقول ويني تانج من شركة إسري تشاينا في هونج كونج التابعة لإحدى شركات البرمجيات الأمريكية، إن أكثر من 30 في المئة من موظفي شركتها أقل من 30 سنة.
وتضيف تانج التي تعمل أستاذ مساعد في جامعة هونج كونج أن “صناعة تكنولوجيا المعلومات تزدهر”، لكنها تعترف بأن علاج مشكلة البطالة بين الشباب سوف يستغرق سنوات. وقالت “العمال الشباب، بمن فيهم الحاصلون على درجات جامعية قد يحصلون على أجور أقل خلال السنوات العشر المقبلة، أو ربما لمدة أطول من ذلك”.