الجزائر والتطبيع مع اسرائيل

اثنين, 09/28/2020 - 08:39

مخلوف وديع
الجزائر مع فلسطين ظالمة او مظلومة لطالما تردد على مسامعنا هذا الشعار الموروث عن حكم الرئيس الراحل “هواري بومدين” لكن اليوم اين نحن من هذا الشعار بين التطبيع السري مع اسرائيل و قيام اتفاقيات علنية و مثال الامارات ليس ببعيد ،لم أكن أتصور يوم تدعو فيه صحفية جزائرية بالتطبيع مع اسرائيل هنا من الجزائر ارض الاحرار و الثوار ارض مليون و نصف مليون شهيد ،ما اقصى هذه الايام على الأمة الإسلامية وددت إيصال رسالة أظنها مهمة في هذا المقال تتضمن الفرق و النتيجة بين المقاوم والمطبع وبين الخائن و الصامد.
برزت عدة أطروحات و حجج في وسائل الإعلام حول التطبيع الأخير بين إسرائيل و الإمارات العربية المتحدة بين من يبرر الاتفاق من باب شجاعة حكام الإمارات وبين من يبرر الإتفاق بفتوى من الشيخ “عبد العزيز بن باز “في حكم مصلحة البلد قبل كل شيء ومن يبرر الإتفاق على أساس أن جزء من الفلسطينيين أبرموا إتفاق اوسلو مع الإسرائيليين ومن ثم لا يمكن لنا أن نكون أكثر فلسطينيين من الفلسطينيين أنفسهم أيضا تبرير الإتفاق في توقيف الإستيطان الإسرائيلي لضفة الغربية.
بالنسبة لتبريرات التي طَرَحْتُهَا من خلال تتبعي لوسائل الإعلام أود الإجابة بطريقة شخصية على أهم ما أثير من جانب الألسنة والأقلام المأجورة.
الشجاعة ليست الإنبطاح للعدو و ليست النسيان و التسامح مع اولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين هل كان للخليفة “عمر ابن الخطاب” رضي الله عنه مُسْتَلِمْ مفتاح القدس ان يُبْرِزَ شجاعته في الانبطاح لروم في بيت المقدس ؟ هل كان لـ “خالد ابن الوليد” و”ابو عبيدة الجراح” رضي الله عنهما أن يبرموا إتفاقية تسليم القدس لاين كان من الاجناس على رأسهم اليهود بدل الجهاد في اليرموك و ما تلاها من إنتصارات ؟ هل كانت شجاعة “القعقاع ابن عمر التميمي” رضي الله عنه في جهاد الفرس في القادسية ام في ابرام إتفاقية إنبطاحية ؟ فما ضاع بالقوة لا يسترجع إلا بالقوة لا بالخنوع والانبطاح ،في الجزائر نعرف ثمن النصر بمليون ونصف مليون شهيد و كم دعى منا لانبطاح وقت الاستعمار الفرنسي و لا يزال حتى اليوم لكن هيهات الحرية تعني التضحية ولا تعني إرضاء الغير و الخنوع.
فتوى الشيخ “عبد العزيز بن باز” بين من يفسرها على اساس حرمة التطبيع مع اسرائيل و بين العكس لن افشي سرا و سأكون لسان كثير من الناس من ناحية اندهاشي من تصريحات رجال دين كنت لفترة وجيزة اعتبرهم قدوة على رأسهم “وسيم يوسف” وآخرين ،كيف لكم ان تدعون لله ربي العالمين و تباركون وتعللون و تبررون خيانة و خنوع و انبطاح لهذا الحد يهون عليكم ارضاء الله بمقابل ارضاء الحاكم ؟ هل مقامكم اولى من المسجد الاقصى؟ هل لسانكم ناطق عن حق في مكان و ساكت عن الباطل في اخر؟ الله المستعان في مواقفكم.
في سنة 1993 أُبْرِمَتْ اتفاقية اوسلو بين الرئيس الفلسطيني الراحل “ياسر عرفات” و رئيس الوزراء الاسرائيلي “اسحاق ربين” (جزائري المولد) حيث كانت تنص على قيام دولة فلسطينية اساسا مع ما يترتب عن ذلك من اتفاقيات امنية على رأسها التنسيق الامني في الداخل الاسرائيلي ،إذا اُخِذَ كحجة اتفاق اوسلو لتطبيع الاسرائيلي الاماراتي الاخير فبعد 24 سنة هل قامت الدولة الفلسطينية ؟ اين هو مطار وميناء غزة ؟ اين هي السيادة الفلسطينية ؟ من حاصر و إغتال الرئيس الراحل “ياسر عرفات” في رام الله وهو الذي كان احد طرفي الاتفاق الذي طالما تغنى به المطبعون من العرب ؟ اذا اُخِذَتْ الحجة على اساس اتفاقية اوسلو خذوا بعين الاعتبار خداع الاسرائيليين خذوا عدم وفائهم بالعهد خذوا مراوغاتهم وحرصهم على مصلحتهم و لا تعللوا اتفاق اوسلو بانبطاح جزء من الفلسطينيين مازالت غزة تقاوم مازال جنوب لبنان شامخ و الحمد الله ربي العالمين.
بالنسبة للجزائر من المؤسف و المخزي ان تصدر دعوات التطبيع مع اسرائيل من بلد مليون و نصف مليون شهيد لكن المطبع والخائن هو اداة لمصلحة و ليس حليف او طرف محترم يسمع له فإبرام الاتفاقيات مع اسرائيل هو بمثابة دفع عربون للخداع و المكر وخسارة المصلحة و القضية.
مصلحة الجزائر كما سبق لي الذكر في مقالات سابقة هي في دعم الفلسطينيين في الشرق الاوسط على رأسهم مخيمات اللاجئين في لبنان سوريا الاردن و ايصال المساعدات لغزة عن طريق مصر ،الصامد يُحْتَرَمْ و المطبع يُبَاعُ و يُشْتَرَى ،الفلسطينيون هم مفتاح تمركزنا و تأثيرنا في الشرق الاوسط خصوصا في المرحلة الحالية التي سينتج عنها ضغوط كبيرة على الدول العربية كافة في مجال التطبيع مع اسرائيل.
في الاخير سيأتي يوم و يُسْأَلُ القادة و الرؤساء و الملوك العرب في الدنيا من طرف شعوبهم او في الاخرة عند من لا يُظْلَمَ عنده أحد ،فيهم من قدم النفس و النفيس في سبيل الامة على رأسهم الرئيس الراحل “هواري بومدين” و”الملك السعودي فيصل” والرئيس العراقي “صدام حسين” وفيهم من قدم شرف وشهامة الامة في سبيل نفسه ،مهما اُرِيْدَ إِيجَادُ حجج وتعليلات فالخيانة والتطبيع والخنوع لا يبرر عند الله ولا عند الشعوب ،تذكوا ان يوم عززنا أنفسنا بالإسلام كانت كل الطوائف و الديانات في الشرق الاوسط في ذمتنا واليوم نحن على دراية بميزان القوى الدولي لكن العزة تأبى الذل مهما كان الضعف و قوة الأعداء ،خوفي يأتي يوم تكون فيه فلسطين ظالمة للكل منسية وحيدة في مقابل اسرائيل صاحب حق و ارض و على علاقة علنية بكل العرب اللهم اسالك تغييبي هذا اليوم ان كُتٍبَ له الحدوث
نسال الله العافية و الرخاء للجزائر
كاتب جزائري وباحث دكتوراه سياسات دولية