ظروف العراق ملائمة للتحرر

اثنين, 08/31/2020 - 12:54

بروفيسور كمال مجيد

يعيش الشعب العراقي في ظروف خارجية وداخلية جديدة تساعده على توحيد كل مكونانته للعمل على تحريره . فمؤخرا ً تغيرت ظروفه الخارجية بصورة ايجابية واضحة وذلك نتيجة لتكوين القطب الصيني – الروسي – الايراني الجديد لمنع طغيان القطب الامريكي – الاطلسي في العالم وفي الشرق الاوسط بصورة خاصة. ثم تم التوقيع على الاتفاقية الاقتصادية والعسكرية ، بقيمة 400 بليون دولار، بين الصين وايران من جهة وعلى الاتفاقية العسكرية الجديدة بين ايران وسورية . ان الغرض الاساسي من الاتفاقيتين هو ، بالطبع، تقوية ايران وسوريا الى درجة تعرقل، بل حتى تمنع، العدوان الامريكي – الاسرائيلي على البلدين وتخفف الحصار الاقتصادي والسياسي الصهيو امريكي الغادر عليهما.

بالمقابل دخلت امريكا في ازمة اقتصادية عميقة يصفها الخبراء بانها الاتعس من كافة الازمات التي مرت بها في السنوات الـ 300 الماضية ! قبل انتشار فايروس الكورونا بأكثر من سنة  ظهرت بوادر  دخول الرأسمالية العالمية في ازمة اقتصادية عميقة مع امكانية التفوق الاقتصادي للصين الشعبية . لقد انذر المختصون بقرب  الانتكاسة الامريكية، بينهم البروفسور ستغليت الحامل لجائزة نوبل في الاقتصاد وكذلك طلال ابو غزالة والمقالات العديدة لعبد الحي زلوم وزياد الحافظ وعبد  الباري عطوان في رأي اليوم الغراء.

 كنتيجة لبلوغ عدد العاطلين الامريكان عن العمل اكثر من 40 مليون ( تشير بعض الاحصائيات الى 60 مليون) ووفاة اكثر من 180 الفا ً بفايروس الكورونا نشأت ونمت المعارك المسلحة، العنصرية والاقتصادية، شملت حرق المحلات الحكومية والتجارية ،في العديد من الولايات الامريكية، الى درجة اجبرت الرئيس ترامب على ادخال افواج الدفاع المدني في المعركة. في مثل هذه الاوضاع الشاذة وصفت الغارديان اللندنية والاذاعة البريطانية  BBC  مصير ترامب بأن ((رحيله لن يحل المشاكل المتجذرة في أمريكا ولكن فوزه بالانتخابات سيفاقمها.. )) ( راجع رأي اليوم  في 27/8/2020)

ففي العراق يجد الشعب عدوه الامريكي محاصرا ً من الشرق و الغرب ومصابا ً بانتكاسة عويصة في قعر داره . فالظروف الخارجية ملائمة جدا ً للنهوض ضد الاحتلال.

داخليا ً:  هناك الآن اجماع شعبي على ان التعاسة بلغت نهايتها العليا، لا يمكن حلها دون انتفاضة شعبية موحدة.

لقد اجاد محمد حسنين هيكل حين وصف الوضع تحت الاحتلال بالقول:

((العراق عبارة عن بنك استولى عليه مجموعة من اللصوص ليس لهم علاقة لا بالسياسة ولا بالحكم ولا بادارة دولة!!)).  منذ بداية الاحتلال  اهتم الحزبان الكرديان فقط بتفتيت العراق و السيطرة على نفط كركوك. بينما انشغلت الاحزاب الشيعية ، بسرعة، في اخذ الثأر والانتقام واعادة اكثر من مئتي الف  مواطن تم طردهم الى ايران قبل واثناء الحرب عليها.

في مثل هذه الظروف التعسة تم كتابة الدستور (( المكوناتي ))  الذي مزق العراق بحجة الفيدرالية وتم تأسيس حكومة فاسدة و برلمان المحاصصة  المؤلفة من الحرامية الذين سرقوا نصف ترليون دولار باعتراف احمد الجلبي امام عدسة التلفاز.

بعد هلاك سكان نينوى وصلاح الدين والانبار واقناع بعضهم على المطالبة باقليم خاص لهم ركزت الدعاية الامريكية هذه المرة على استخدام السكان في الوسط والجنوب لمحاربة الشيعة واتهام كافة منظماتها بـ (( اعوان ايران )).  وبالنظر لقيام ايران بمساعدة المقاومة اللبنانية والفلسطينية  ونمو قوة حزب الله والحماس والجهاد الاسلامي قرر العدو الامريكي اتهام كل هذه المنظمات بـ ((الارهاب )) اسوة بالمنظمات العراقية بغية  التحضير  لعدوان صهيو امريكي عليها وعلى ايران.

هناك في بغداد اكبر سفارة امريكية في عموم المنطقة و التي تحوي قيادة مخابراتها التي نجحت في كسب الكثير من العراقيين ضد ايراان لاعتبارها عدوهم الرئيسي بدل اسرائيل وامريكا.  بين هلؤلاء من لا يدرك انه يعمل في خدمة العدو الامريكي المحتل لوطنه بل يؤكد على ان ايران هي التي تحتل بلده وان منظمات مثل كتائب حزب الله عميلة لها !

ان انحياز هؤلاء للعدو الصهيو امريكي ضد ايران وضد المنظمات المناضلة العراقية والفلسطينية واللبنانية واضحة لأنهم يعملون على نسيان الاحتلال الامريكي  الغادر  لوطنهم فيرددون الدعاية الامريكية ضد ايران كالببغاء . علما ً أن ايران، المعرضة لحصار امريكي ظالم ،تجهز العراق بالكهرباء وقد بلغت ديون العراق لها اكثر من ثلاثة بلايين دولار، حيث اشار اليها خامنئي حين قابله مصطفى الكاظمي مؤخرا ً.

وفي هجومهم على (( المليشيات )) لا يذكرون كلمة واحدة ضد البيشمرغة ( أي المليشيات التابعة للحزبين الكرديين )، علما ً بأنها تكونت سنة 1961 لتحطيم العراق عن طريق اسقاط حكومة عبدالكريم قاسم الوطنية وكل الحكومات التالية  حتى الاحتلال. كما انها قتلت عشرات الالوف من الاكراد حين انشقت سنة 1964 الى قسمين متحاربين للبارزاني والطالباني (للتفاصيل راجع : النقط والاكراد لكمال مجيد، دار الحكمة، لندن 1997 . ) جاء هذا السكوت عن جرائم البشمرغة لكونها نفذت اوامر امريكا واسرائيل ونالت المال والسلاح منهما.

خلال 17 سنة من الاحتلال تغيرت التركيبة السكانية في البلاد ايضا ً . فأكثر من النصف  ليس لهم تجربة العيش قبل الاحتلال. الاكثرية الساحقة من هؤلاء عاطلون عن العمل يعيشون في ظروف تعسة دون الطعام والماء والكهرباء وهم مستعدون للثورة ضد الحكومات الفاسدة . لعدم وجود منظمة ثورية قادرة على فيادتهم قررت امريكا على اثارتهم بسهولة لاسقاط حكومة عادل عبد المهدي لتقاربها من الصين، كما نشرت صحيفة مونيتر الامريكية القريبة من مصطفى الكاظمي ( راجع كمال مجيد ، العراق يحاول التحرر من القطب الامريكي، رأي اليوم في 15/10/2019).

للسيطرة الكلية على قيادة المنتفضين  (( اعلنت السفارة الامريكية على صفحتها الرسمية فتح باب التوظيف لديها، براتب 47150 دولار سنويا ًاستعدادا ً لانشاء اكبر جيش الكتروني يتولى مهمة تثوير الشارع العراقي. ونجحت في بناء جيش الكتروني احترافي تلقى تدريبات مكثفة في اربيل وقبرص … وباشراف شخصي للسفير ماثيو تولر. ))  كما شرح موقع زبدة الاخبار .(راجع رأي اليوم في ا 30/10/2019.) و يضيف الدكتور عبدالخالق حسين، الذي ايد احتلال العراق سنة 2003 ، تحت عنوان ” معلومات خطيرة جديرة بالاطلاع ” : ((  نسقت واشنطن بقوة مع منظومة اعلام حزب البعث في الخارج التي يتزعمها القيادي صلاح المختار المقيم في امريكا منذ 2011. وايضا ً مع عبدالله الدوري المقيم في دبي… )). وثم (( أن جهات خارجية عديدة بدأت توسع نشاطها الاعلامي الداعم لتغيير النظام في العراق…  فان كل اعداء العراق وجدوا فراغا ً اعلاميا ً فشغلوه وانتحلوا صفة ( صوت الشعب المظلوم). ))

لقد استمرت المظاهرات المليونية منذ 1/10/2019 تطالب بالحقوق العادلة للشعب المنهوك وبعد تفديم عشرات الالوف من التضحيات لم يحقق المتظاهرون مطلبا ً عادلا ً واحدا ً بل تم تحقيق  المطلب الامريكي الوحيد وهو اسقاط عبد المهدي وتسليم الحكومة لاعوان امريكا بقيادة الكاظمي. عند ذلك فقط قررت القيادة الامريكية ايقاف الجموع الثائرة واعادة الاحياء الباقين الى بيوتهم مع بطونهم الفارغة.

هذه الحقائق المؤلمة انضجت ظروف توحيد كل الشعب العراقي للثورة ضد العدو الامريكي المسيطر حتى على المظاهرات وشعاراتها العادلة.  ان تقسيم الشعب عنصريا ً و مذهبيا ً وتوجيههم ضد جارتنا ايران، المعرضة للتجويع، وتشويه سمعتها بل وسمعة القوى العراقية واللبنانية والفلسطينية واتهامها بالارهاب ، كما تعمل امريكا واسرائيل ليل نهار، اقول ان هذا التصرف يزيد من آلام شعبنا المنكوب بالاحتلال. هناك الضلرورة الانية للتوقف عن تنفيذ الخطط الامريكية التي تدفعنا للهجوم على جارتينا في شرقنا وغربنا و المنكوبتين مثلنا بالاحتلال والاضطهاد. بدل اشغالنا بهذا الهجوم هناك الآن الضرورة القصوى لتوحيد الشعب وتنظيمه بقيادة الكوادر القديرة من كل الاطياف، تلك التي تستطيع مجابهة السلطات وقهرها. وهذا لا يتم دون وجود منظمة وطنية تؤمن بوحدة الشعب العراقي وبمساواة العرب والاكراد والتركمان والكلدو آشوريين والارمن. منظمة تشمل المسلمين والمسيحيين والصابئة واليزيديين. نحن العراقيون نحتاج الى فكر جديد وعمل جديد ضد الطائفية وضد الانحياز القومي والديني ومنع تقسيم الشعب الى “الاكثرية” و”الاقلية” واحتكار قمة الحكم بواحدة منها. فالتطريز العراقي المتعدد يرفض بشدة سيطرة كتلة انعزالية عليه بحجة سمو دينها او قوميتها.ان الادعاء  بكون العرب او الشيعة هم الاكثرية فلهم حق قيادة الحكومة  او الادعاء بأن للاكراد حق الانفصال او حتى الفيدرالية ادعاءات مفرقة في بلد مثل العراق وقد تم الاثبات على ضررها و فشلها.  فلنتحد لانقاذ كل الشعب من الجحيم الذي يعيشه.

 فلنوحد كل من يمكن توحيده داخل العراق وفي محيطه المجاور للنضال ضد العدو المحتل.  ان فتل اكثرمن ملبون عراقي منذ الاحتلال وانتشار الفساد والجوع والافتتال المذهبي  كلها مجتمعة ً ولدت الظروف الحالية الملائمة للنضال لتحقبق النصر والتحرر والى الامام.

كاتب من العراق