هل للغة جينات تراقبها؟

خميس, 08/27/2020 - 10:45

اكتشفت دراسات تصويرية عصبية ووراثية نماذج طبيعية ومرضية للخلايا الوراثية ووظائف الدماغ عند عدد واسع من الناس. وأظهر الأفراد المصابون باضطراب في نمو كلامهم ولغتهم صعوبات ملموسة في اكتساب التعبير وتلقي اللغة رغم ذكائهم العادي. وقد أشارت الدراسات حول التوائم إلى وجود مكون وراثي مهم يشارك في هذا الأثر، كما أبان العجز اللغوي في مستوياته المتعددة عن نماذج من الوراثة.

وقد أسهم اكتشاف العلاقة بين الطفرة المميزة للجين (gene) فوكس ب2 (FoxP2) وبين الاضطراب اللساني في إعادة إحياء علوم الوراثة اللغوية. واعتبر هذا المورث ذا أهمية في اكتساب اللغة لارتباط التحولات والتغيرات في هذا الجين بالضعف اللغوي الذي ظهر عند إحدى الأسر البريطانية المعروفة بالأسرة كي (KE)، التي أظهر نصف أفرادها خلال أجيال مختلفة عسرا في القراءة التلفظية (verbal dyspraxia) وصعوبات حادة في مراقبة العضلات الفمية الوجهية التي يحتاجون إليها لتمفصل الكلام، مع العلم أن ذكاءهم اللفظي كان عاديا. وقد وصف هذا الاضطراب اللغوي في البداية بأنه لا يمس سوى الوظائف النحوية.

والجين فوكس ب2 جين نَسْخ (transcription) يوجد في الصبغي 7، يراقب نشاط باقي الجينات الأخرى التي تلعب دورا في نمو ووظائف الدماغ، وهو يرتبط بالعمل الطبيعي والمناسب لمهارات القشرة الحركية. ويعد هذا الجين محفوظا بصورة عالية جدا؛ فكون الإنسان يمكنه أن يتكلم، معناه أنه يمتلك جينات حقيقية ومحيطا سليما، كما ذهب إلى ذلك ليونتين (Lewontin).

في البداية، استقبل اكتشاف الجين فوكس ب2 بحماس كبير، حيث اعتبر أول نافذة وراثية، خاصة فيما يتعلق بنمو وتطور اللغة الإنسانية. لكن مراجعات عديدة حدثت بعد اكتشافه، وتم تقييم دور هذا المورث باعتباره يحمل معلومة تتعلق بنمو المورثات. واللغة حسب نتائج الأبحاث متعددة الجينات قابلة للتغير وعدم الاستقرار. وللذهاب خلف هذه الخاصية الأساسية، فإن الأبحاث الحديثة شرعت لنتائج أبحاث في علم الوراثة أكثر دقة وتحليلا. وهناك حاليا دراسات سلوكية جينية تفحص وتحلل التوريث، وتفصل الاضطرابات اللغوية والتغير اللساني. وكان من نتائج هذه الأبحاث أن الخلايا الوراثية تراقب شريطا تشريحيا واسعا يضم القشرات الجبهية واللسانية والمسؤولية الأسرية عن الأمراض التي تصيب القشرة الدماغية الإنسانية.

وتخضع بنية الدماغ حسب طومبسون وغيره (2001) لمراقبة وراثية مهمة في منطقة تشريحية مهمة تضم القشرة الجبهية وقشرات اللغة المرتبطة بها. وما يؤكد ذلك أن كمية المادة الرمادية، على وجه الخصوص، ظهرت متشابهة عند الأفراد الذين كانوا متماثلين وراثيا. فمثلا، عند التوأم المتماثل أحادي الزيجوت ليس هناك اختلافات في المادة الرمادية في شريط واسع يضم تشريح الجبهة والمنطقة الحسية الحركية، والقشرات اللسانية، بما في ذلك منطقة الكلام في بروكة، ومناطق فهم اللغة في فرنيك. والمناطق التي أظهرت قابلية أكثر للوراثة تتراوح نسبتها بين 95 و100% في القشرة الجبهية وفي القشرات اللسانية، وفي التجمعات القشرية الجدارية القذالية (parieto occipital).

أما التوأم المتماثل ثنائي الزيجوت (dizygotes) فيقتسم نصف خلاياه الوراثية التي ظهرت متقاربة في المكون فوق الهامشي (supramarginal) في منطقة فرنيك اللغوية، ومتماثلة بصورة أعلى في تجمعات المناطق الجدارية القذالية (60-70% من الروابط)، وظهرت لديه الوراثة بصورة أقل في المنطقة التي تضم القشرة الجبهية. كما يرى طومبسون وغيره (2011) أن القدرة على القراءة والإنجاز تكون موروثة.

يتعزز تعبير الجين فوكس ب2 خلال مرحلة اللدونة العصبية لتعلم الأصوات، وله دور في اللغة الإنسانية يتمثل في كونه يمكن أن يخفي جزءا من الآلية التي تبني النسق الحركي الحسي للذين يتكلمون بطلاقة. كما عززت دراسات الأنشطة العصبية في الأسرة المصابة كي تصور أن الجين فوكس ب2 يصيب مناطق المهارات الحركية الدقيقة وداخل التكامل الحسي الحركي، وعمليات حسية متعددة الأوجه، في مقابل المراقبة الدائرية التي تراقب الفم وحركات الفك الأسفل. فقد لوحظ أن الأفراد من ذوي اللغة الضعيفة لديهم عجز عام في حركة المراقب المتتالية، وهذا العجز غير محدود في التركيب اللغوي.

إن هذا الجين يساعد في تطور المراقب الحركي الدقيق المتسلسل الفمي الوجهي أو غيره. والعجز الموجود عند أفراد الأسرة كي يفرض وجود خلل في إنجاز الحركة العامة، وليس فقط في الحركات الفمية الوجهية البسيطة، أو ما يسمى خلل الأداء اللفظي (verbal dyspraxia).

وقد أكدت الاكتشافات الحديثة عند الطيور والفئران، خلال السنوات القليلة الماضية، أن هذا المورث ليس "مورثا لغويا". وبما أنه ليس هناك مورث واحد للون العين، أو مرض التوحد (autism)، وهو ما ينطبق أيضا على اللغة، فإن هذا المورث يعد جزءا من آلية تنظيمية مرتبطة بالتخريج. وللتأكيد، يبقى فوكس ب2 مكونا ضروريا ممكنا لنسق اللغة بالطريقة نفسها التي يعد بها النسخ جزءا من نسق الحاسوب.