عالم رابع يلوح في الأفق..

ثلاثاء, 08/25/2020 - 20:08

لا يمكن إقناع بعض الفاسدين الإداريين في البلدان المتخلفة بضرورة الإصلاح، ولكن ربما يمكن إقناعهم بأن الفساد مهلكهم لا محالة، لأن للمتحكمين في العالم مصالح لن تترك أدنى مجال للعاطفة؛ فلو اتضح لهم أن الإصلاح في إدارات البلدان النامية يتطابق مع مخططاتهم الشاملة، فلا شك أنهم سيتخلون عن تكتيكهم المرحلي بسرعة فائقة وسيحركون "آليات التغيير" التي سبق أن قاموا بتثبيتها محليا كقنابل موقوتة منذ عقد أو عقدين، والتي لن تترك أي مجال لمفسدين إداريين في البلدان المتخلفة للإفلات من عقاب صعب مرير لن يراعي أية ظروف تذكر...

العالم يتغير. بل لقد تغير، في غفلة من متتبعين ومحللين، وصحافيين وحقوقيين، ومناضلين...

سيداتي سادتي، إن السبيل الوحيد لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، يعني السبيل الذي قد يجنب بعض البلدان النامية فوضى شاملة لا تبقي ولا تذر، أو فوضى عامة وعارمة قد تحرق الأخضر واليابس، هو سبيل الإصلاح من غير تعليمات، أو أوامر، أو ضغوطات من لدن المتحكمين في العالم الذين يتغيرون ويتلونون حسب طبيعة مصالحهم الآنية على سلم الزمن وما يحدثه من تقلبات انتهازية محضة براغماتية جافة.

نعم، لا يمكن إقناع هؤلاء الفاسدين الإداريين بضرورة الإصلاح، ولكن، ألا يهتمون بمصالحهم الخاصة الضيقة التي مكنتهم من ممتلكات وأموال، دونما محاسبة في هذه الدنيا الفانية..؟ نعم، بكل تأكيد، إنهم يهتمون بهذا الأمر.

طيب. لقد سبق، مثلا، لكاتب هذه السطور أن اقترح، في سياق موضوع ما منذ سنين، وضع حد للرشوة والفساد والريع انطلاقا من تاريخ معين، وابتداء من وقت محدد، حتى تعم الطمأنينة بدون هيجان شعبي ولا فوضى غير مضبوطة العواقب، ما دام الأمر ممكنا...

فالشرفاء النزهاء الأكفاء العقلاء الحكماء لا يريدون سوى مصلحة أوطانهم. فإلى متى تهميشهم وإبعادهم ضدا على خدمة مصلحة الشعوب والأوطان...؟ أليس الاستقرار هدف الجميع بكل أطيافهم، الشرفاء النزهاء الأكفاء من جهة، والآخرون أيضا من جهة أخرى...؟

لا أحد اليوم من المصلحين يتكلم من منطلق ضعف، فلقد بلغ السيل الزبى بالنسبة لفئات وفئات عريضة بكل تشعباتها المعقدة، أفلا تتفهمون وتفكرون بعقولكم...؟ أفلا تشعرون بقلوبكم بأن أوطانكم أضحت فعلا، وأكثر من أي وقت مضى، في خطر داهم قريب وشيك؟ ألا تفهمون بعد أن مستقبل أوطانكم لن يضمنه الغرباء، بل الشرفاء النزهاء الحكماء المحليون، الوطنيون المخلصون...؟

سيداتي سادتي، لا مجال للعب ولا للألاعيب بعد اليوم؛ فالمستقبل لن يرحم المتلاعبين، فلقد حان وقت الكفاءة والنزاهة والحكمة والرشد، ولن تنفع لا صحافة موالية ولا مرئيات مخدومة لكظم غيظ سخط بات يعشعش في القلوب ويوحدها بتلقائية واقعية لا تحتاج لاتصالات مباشرة ذكية كانت أو تقليدية...

إن سكان جزء من العالم الثالث في حاجة إلى إنقاذ أوطانهم. وأما إنقاذ الأوطان، في الوقت الراهن، هي مهمة النزهاء الشرفاء الأكفاء الحكماء العقلانيين الذين تهمهم مصلحة واستقرار بلدانهم أولا وقبل كل شيء.

النضال لن ينفع في شيء. والسياسة لن تنفع في شيء. وحتى الديمقراطية بكل أشكالها لن تنفع في شيء، لأن الوضعية أصبحت جد حرجة. وحدهم المتحكمون المحليون يستطيعون إنقاذ كل شيء إن هم تحلوا بالذكاء وفهموا أن مصالحهم المكتسبة إلى حد الآن قد لا تتعارض مع مصلحة أوطانهم شريطة التصالح مع الشرفاء النزهاء الأكفاء الحكماء، قبل فوات الأوان...

الحل إذن بسيط للغاية وواضح ساطع. يجب تمرير المشعل، في كثير من المواقع، بسلاسة وحنكة إلى مهمشين شرفاء نزهاء أكفاء حكماء طيبين، بسرعة وقبل فوات الأوان، وإلا لكانت الكارثة على مستويات عديدة...

سيداتي سادتي، إن ضرورة الإصلاح الإداري الشامل الفعلي في البلدان النامية أو المتخلفة سيصب عما قريب في مصلحة المتحكمين العالميين، فهل ستقوم تلك البلدان بخطوة استباقية صادقة دون لف ولا دوران في هذا الصدد، وذلك بتصالحها مع المصلحين النزهاء الأكفاء الحكماء المهمشين لديها، من أجل القيام بعملية إنقاذ باتت ملحة للغاية ومستعجلة؟

خلاصة: لا بد للعالم الثالث أن يتجاوز محنته بطريقة استباقية وعقلانية بمحض إرادته، حتى لا يضطر علماء اللغة أن يبتكروا له تسمية جديدة: العالم الرابع!