باحثة أمريكية الهجرة المكسيكية الأخطر على آمريكا

جمعة, 07/24/2020 - 11:24

منذ عام 2017، شق أكثر من مليون مواطن أمريكا الوسطى طريقهم إلى الحدود الجنوبية الغربية للولايات المتحدة، لتواجههم إجراءات صارمة، متقطعة ولكنها وحشية، من جانب إدارة الرئيس دونالد ترامب.
وتقول شانون أونيل، الباحثة بمجلس العلاقات الخارجية الأمريكية إنه على الرغم من أن الضوابط المتشددة على الحدود وجائحة كورونا كانتا السبب في انخفاض معدل التدفق، فإنه سوف يستأنف عندما تنتهي عملية الإغلاق بسبب الوباء.
وذكرت اونيل في تقرير نشرته وكالة بلومبرج للأنباء إنه في هذا الوقت فقط قد ينضم المكسيكيون إلى المتدفقين على الحدود. ومن الممكن أن تؤدي التوترات الناجمة عن ذلك إلى زعزعة استقرار أحد أوثق العلاقات الثنائية في العالم، مما يقوض التعاون في جميع المجالات، ابتداء من مكافحة المخدرات إلى حقوق المياه والرخاء الذي حققته الروابط القوية للغاية على جانبي الحدود.
وكانت الهجرة المكسيكية بلغت ذروتها نهاية القرن الماضي. ففي نهاية تسعينيات القرن الماضي ومطلع القرن الحالي كان مئات الألاف من المكسيكيين يتجهون شمالا كل عام، مع تجنب الكثيرين منهم حرس الحدود على طول الطريق. وكانوا ينتشرون في أـنحاء الولايات المتحدة، ويعيشون في مناطق مختلفة، وكثير منهم انتقلوا من العمل الموسمي في الحقول إلى أعمال دائمة طول العام في مجالات رعاية الأطفال، والفنادق وتنسيق الحدائق وخدمات السيارات. وبحلول منتصف العقد الأول من هذه الألفية، شهد تدفق المكسيكيين تباطؤا. وطوال الـ15 عاما الماضية، غادر عدد من المكسيكيين الولايات المتحدة أكثر ممن قدموا إليها. وهذا التحول يعكس التقدم الاقتصادي الذي شهدته المكسيك، مما مثل على الأقل نهاية للتقلبات المالية التي سادت البلاد خلال ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي.
كما شهدت المكسيك تغيرات ديموجرافية؛ فبداية من ثمانينيات القرن الماضي بدأت الأسر المكسيكية تحد من انجاب الأطفال. كما تحسن التعليم، وأصبح جاذبا للمكسيكيين، مما شجعهم على الاستمرار في الدراسة وعدم اللجوء في سن مبكرة للبحث عن فرص عمل في بلادهم أو في الولايات المتحدة.
وعوضا عن المكسيكيين، شهدت الولايات المتحدة موجة تدفق كبيرة من مواطني أمريكا الوسطى، نتيجة ما تعانيه بلادهم من فقر، وعنف وجفاف مدمر بسبب التغير المناخي.
وتقول أونيل إن إدارة ترامب بذلت جهودا كبيرة لوقف تدفقهم، حيث غيرت قواعد اللجوء في محاولة لإنهاء أحقية من يفرون من العصابات أو العنف المنزلي في طلب اللجوء بالنسبة لمن يصلون إلى معابر حدودية رسمية. وكانت الأسر التي دخلت فعلا، وفقا للنظام الأمريكي، تخضع في الغالب لظروف معيشية غير إنسانية.
وضغطت الولايات المتحدة على حكومات أمريكا الوسطى حتى تقوم في المقام الأول بمنع مغادرة من يريدون الهجرة. ونتيجة لهذا الضغط، اضطرت المكسيك إلى احتجاز عشرات الألاف من مواطني أمريكا الوسطى على مدار شهور، أو أكثر، وهم ينتظرون أن تبت محاكم الهجرة الأمريكية في طلبات اللجوء الخاصة بهم.
وبالفعل انخفض عدد المهاجرين من أمريكا الوسطى في بداية عام 2020، وتراجعت التدفقات بنحو النصف تقريبا مقارنة بالعام الماضي. وفي ظل قيود جائحة كورونا، توقفت الحركة تماما خلال شهري نيسان/أبريل وأيار/ مايو. ومع ذلك، لم تتغير الأسباب التي تدفع العائلات للرحيل، بل على العكس زادتها جائحة كورونا سوءا، ليس فقط في أمريكا الوسطى، بل في المكسيك أيضا.
والعامل الأكبر وراء عودة تدفق المكسيكيين على الشمال، هو سوء الأحوال الاقتصادية، إذ أنه حتى قبل جائحة كورونا، انخفضت الاستثمارات في القطاعين العام والخاص إلى مستويات غير مسبوقة. ونتيجة لذلك، فقد أكثر من 12 مليون مكسيكي مصادر رزقهم.
وبالإضافة إلى نتائج السياسات الاقتصادية غير الرشيدة للرئيس أندريس مانويل لوبيز أوبرادور، أدى عدوله عن الإصلاحات في مجال التعليم إلى انصراف الطلاب عن الاستمرار في الدراسة. كما أن العنف المتزايد دفع مئات الألاف من المكسيكيين إلى ترك منازلهم ومجتمعاتهم، فقد شهد العام الماضي أكثر من 34 ألف حالة قتل. وفي ظل هذه العوامل فإن أعدادا كبيرة من المكسيكيين سوف تسعى لدخول الولايات المتحدة .
وفي الحقيقة، لن تنجح مع المكسيكيين أساليب الإدارة الأمريكية لوقف تدفق مواطني أمريكا الوسطى ، لأنه ليس في استطاعة الرئيس المكسيكي أو حرسه الوطني وقف المواطنين الذين يتمتعون بحق دستوري في مغادرة بلادهم.
ومن الممكن أن يؤدي تدفق المهاجرين إلى تغير في السياسات الأمريكية الخاصة بالهجرة، ولكن الرئيس المكسيكي لن يقبل أي تجاوز بالنسبة لمواطنيه، كما أن ذلك من الممكن أن يؤدى إلى قطع حبل المودة بينه وبين نظيره الأمريكي.
وبالنسبة لسباق الرئاسة الأمريكية، يمكن أن يستغل ترامب الزيادة في عدد المهاجرين المكسيكيين في تعزيز معاداته للمهاجرين، ولكن تصريحاته المسيئة للمهاجرين قد تحفز المزيد من الملايين العشرة من الأمريكيين المكسيكيين، الذين يشعرون بالضيق من البذاءات الموجهة إليهم، إلى تغيير موقفهم بالنسبة للتصويت، ويمكن أن تؤدى أصواتهم وأصوات مواطني أمريكا اللاتينية الذين يمثلون 13% من الناخبين إلى فوز الديمقراطيين.
والأمر الأصعب مستقبلا هو أنه مهما كان الفائز في انتخابات تشرين ثان/ نوفمبر المقبل، لن يمتلك أدوات السياسة لإدارة هذه الهجرة بفعالية وإنسانية، حيث لا توفر القوانين البالية أو نظام الهجرة المقيد بالفعل حلا، كما أن الاستقطاب السياسي يزيد من صعوبة معالجة الأمر.
ومن الممكن بسهولة أن تصبح الهجرة المكسيكية أول أزمة كبيرة للإدارة الأمريكية الجديدة.