الأسود يليق بك

خميس, 06/18/2020 - 19:50

مؤسف جدا ما تشهده كثير من بلدان العالم اليوم من إثارة للعنصريات، ومن إشاعة لنوازع التمييز المقيت بين البشر، اعتمادا على عناصر اللون أو العرق أو الانتماء الجغرافي.

والسؤال الذي يبدو ملحا ويفرضه هذا الارتداد المؤلم للإنسان هو لماذا بعد كل هذا التاريخ الطويل الذي قطعته البشرية، وبعد كل هذه النجاحات التقنية والطفرات الحضارية التي عايشها الإنسان، بالمعنى المادي للكلمة، وبعد كل هذا النقاش الحقوقي الذي رافق وجود الإنسان واقتضى التواضع على مواثيق وقوانين وتنظيمات ناظمة، لماذا بعد كل هذا الثراء المعتبر، مازال العالم يعج بألوان من العنصريات البغيضة، وعلى رأسها هذا التفريق بين الناس بناء على لون البشرة وشكل السحنة؟

المؤكد أن التمييز العنصري باعتماد اللون سلوك اجتماعي صاحب الإنسان منذ وجد، وينتمي في مجمله إلى تاريخ ما قبل الحضارة، وتحديدا إلى مجتمع العبيد والأقنان، ولذلك كانت الأديان في شخص الأنبياء والرسل والمصلحين تأتي دائما لتحد منه وتهذبه بأساليب ومسلكيات تربوية وتوعوية، تمهيدا لإبعاده والقضاء عليه بما يمكن الإنسان من امتلاك أسباب الكرامة والعودة إلى منطق البشرية.

واعتبر هذا النوع من التمييز في الإسلام سلوكا مقيتا، يرتد بصاحبه إلى الجاهلية، التي تعني ما قبل البشرية، بالمعنى القيمي للكلمة، ويستحق بالتالي أقسى أنواع الزجر والمؤاخذة، من لون ما واجه به الرسول (ص) ذلك الصحابي الذي عير بلالا بلونه، فكانت الإجابة النبوية قوية ومباشرة وبلا تردد "أنت امرؤ فيك جاهلية"، بما أعاد الأمور إلى نصابها ومسارها الصحيح، وبالقوة والصرامة اللازمتين، لأن الأمر يتعلق بكرامة كائن بشري وجد ببشرة سوداء.

وللمرء أن يتساءل بحق، بعد كل هذا الثراء القيمي والمادي، لماذا ظل الإنسان مصرا وإلى حدود اليوم على ممارسة هذا اللون من التمييز في حق أنداده من بني البشر؟ ولماذا داخل المجتمعات الإسلامية، أو التي تسمى كذلك، ينتشر هذا السلوك اللئيم بشكل واضح ومقزز؟ إذ يسهل أن نلاحظ أن أصحاب السحنة السوداء يعيرون بلونهم، حتى دون كلام، ويتم إبعادهم بأساليب وتعليلات تعسفية وغير مقنعة، ويكفي إلقاء نظرة على معظم القنوات التلفزية، العربية وغير العربية، ليتأكد غياب أصحاب السحنة السوداء، في مقابل الحضور القوي واللافت للمذيعات والمذيعين البيض، بكل أناقتهم وشياكتهم التي لا تخلو من مبالغة أحيانا كثيرة، ما يعني أن تقديم الخدمة الإعلامية يقتضي لونا من الجمال، والجمال لا يكون إلا أبيض، وهذه رسالة سلبية لا تخلو من عنصرية مبطنة، حتى ونحن نناقش قضايا حقوق الإنسان وندعي استقلالية الرأي وحرية التوجه والاختيار.

وما يقال عن الشأن الإعلامي يصدق على مجمل الأنشطة التي تقتضي الظهور إلى العلن، بل وعلى مناشط الحياة كلها. فإلى حدود الساعة، يصعب الحديث في بلادنا عن زواج رجل أبيض البشرة بامرأة سوداء الملامح، في حين إن العكس مقبول تماما، رجل ببشرة سوداء مع امرأة بيضاء، حيث نكون هاهنا إزاء عنصرية مضاعفة، عنصرية في اللون والجنس معا، وبالطبع لا حاجة بنا إلى التأكيد أن الأمر هنا يتعلق بنا، وبمجتمعاتنا الإسلامية، أو ما يسمى كذلك.

كم سيكون مفيدا للبشرية جمعاء، بكل أديانها وأفكارها وتوجهاتها ومكوناتها، أن تجعل من الجريمة العنصرية التي أودت بحياة جورج فلويد وغيره، فرصة لإعادة طرح موضوع التمييز العنصري، بكل أشكاله ووجوهه، على طاولة البحث المسؤول والنقاش الجدي المفضي إلى رصد عناصر وأسباب هذا النزوع العنصري الكريه، القديمة منها والجديدة، بما يؤدي في النهاية إلى إحداث المراجعات الضرورية، وإلى ابتكار القوانين اللازمة لردع كل أشكال العنصرية ضد بني البشر.

مع الاعتذار للكاتبة الجزائرية المرموقة، أحلام مستغانمي، وعنوان روايتها البديعة "الأسود يليق بك"، الذي تم اقتباسه عنوانا لهذا المقال.