عرض كتاب: "مظاهر يقظة المغرب الحديث"

سبت, 06/13/2020 - 11:30

رفض المشروع الاصطلاحي الفرنسي:

لقد عاينا ـ على مدى ما تقدم من الكتاب، وبالتبعية هذا العرض ـ ثنائية الفوقية / الدونية: فوقية القوى الأجنبية ودونية المخزن، من جهة؛ وفوقية المخزن ـ في تجديداته ـ ودونية الفئات الشعبية العريضة، من جهة أخرى.

إن اشتغال هذه الثنائية خلق أوضاعا تداعت فيها أسس الإصلاح غير ما مرة؛ حتى قبل أن يعلو لها صرح.

لقد أكد المؤلف مرارا على أن الشعب المغربي لم يتم إعداده لتقبل التجديد، حتى ولو جاء على يد بني جلدته (أفراد البعثات). يضاف إلى هذا، وربما يفسره، أن الأجنبي لم يفلح في إخفاء أطماعه وهو يتستر بالإصلاح الشامل، ولكن على يديه.

ومن هنا معاداة الشعب / القبائل لكل جديد، حتى ولو كان مجرد شق طريق بين فاس ومكناس، يعبرها السلطان عبد العزيز بسيارته، ليقنع المغاربة بتقبلها كوسيلة نقل حديثة.

في الباب السابع تتضافر أسباب عدة تعمل في اتجاه القضاء على "الدونية" والعزلة، من خلال ترسيخ وعي سياسي إصلاحي، جعل المغاربة ـ أو على الأقل النخبة المثقفة منهم ـ يشعرون فعلا بالانتماء إلى الأمة الإسلامية، وبوحدة قضايا هذه الأمة في مواجهة الأطماع الأجنبية.

في الفصل الأول من هذا الباب يرصد المؤلف "الروافد الأولى للوطنية المغربية "، هكذا وبعد أن يبرز ـ من خلال عدد من الأعمال الرائدة ـ هيمنة الخطاب السلفي على "النهضة الإصلاحية في الشرق"، دون إغفال الأحزاب والتجمعات الوطنية، في مصر وتركيا، يصل إلى وضع المغرب كمستقبِل يتقوى ارتباطه فكريا، بالشرق الإسلامي يوما بعد يوم.

لقد كان لمصادر الارتباط ـ الصحافة الشرقية والتونسية والمحلية، الكتب الشرقية ومرويات الرحالين والحجاج والتجار، وتأثير من استقر بالمغرب من المشارفة ـ "أثر في تزايد الشعور بواقع البلاد وحاجتها إلى التطور في تفكيرها وسياستها وسلوكها".

وفي الفصلين الثاني والثالث يجمع المؤلف حصاد هده البذور من خلال عرضه لـ "نماذج من تصاعد الشعور الوطني" و"مواقف القوى الشعبية ضدا على التدخلات الأجنبية".

وتتجلى هذه النماذج في:

ـ تزايد قراء الصحف الشرقية حتى بين الأوساط الشعبية.

ـ تجاوب بعض الوزراء المغاربة مع أطروحات مجلة المنار؛ في ما يتعلق بإصلاح الوضع في المغرب.

ـ ازدياد الشعور الوطني في أوساط كبار التجار بفاس، والحرفيين.

أما المواقف فتتأسس من خلال:

ـ رفض "العلماء والأشراف ورؤساء الزوايا للمشروع الإصلاحي الفرنسي" عموما، وقبول بعض الإصلاحات شريطة الاستعانةـ بخصوصها ـ بالأتراك والمصريين.

ـ دعوة بعض العلماء إلى الجهاد عقب احتلال وجدة، وبعدها الدار البيضاء.

ـ التنديد بالسياسة العزيزية في "فورة شعبية فجرت الشعور الوطني بكل من مراكش وفاس" ص 343.

ـ بيعة فاس، المشروطة، للسلطان المولى عبد الحفيظ.

سلفية المغرب وسلفية المشرق:

وفي الفصل الرابع "مبادئ الوطنية المغربية الناشئة" ينطلق المؤلف من اعتبار هذه البيعة المشروطة، بما اشتملت عليه من مبادئ/ مطالب، برنامجا و"منطلقا للعمل الوطني بمغرب أوائل القرن العشرين".

وفي مدخل الفصل الأول من الباب الثامن، المعنون ب "دور العلماء في التوعية"، يؤسس المؤلف لـ "الدعوة للرجوع إلى السلفية" بذكر مجموعة من العلماء الرواد الذين أسسوا للحركة السلفية بالمغرب.

هؤلاء الرواد وهم:

ـ شيخ القرويين الحاج محمد بن المدني كنون

ـ الحاج علي بن سليمان الدمناتي (مراكش).

ـ الشيخ عبد الله بن ادريس السنوسي (طنجة).

ـ الشيخ المفضل بن الهادي ابن عزوز (مكناس).

لقد عايشوا زمنيا ـ كما يبين المؤلف ـ المرحلة الأولى، المعروضة في الجزء الأول من الكتاب، وهذا يعني أنهم في دعوتهم السلفية ـ نظرا لعدم تأتي الانفتاح بعد ـ تصرفوا باستقلالية، ولو نسبية، عن السلفية الشرقية؛ وعليه يبدو أن ربط السلفية المغربية كلية بالمشرق مقولة غير صحيحة دائما.

بعد اقتناع القارئ بهده الحقيقة، يقترب مع المؤلف ـ دائما في نفس الفصل ـ من سلفيين بارزين في المرحلة المدروسة؛ يتعلق الأمر بـ:

محمد بن عبد الكبير بن محمد الكتاني الحسني الفاسي (استشهد سنة1909)، وهو شيخ طريقة صوفية حديثة. عمل هّذا السلفي في اتجاه:

ـ "ترقي الإسلام وإصلاحه".

ـ إحياء السنة.

ـ نبذ التقاليد ومقاطعة البضائع الأجنبية.

ـ تقدير النابغين من علماء وحرفيين.

ـ الإقبال على المنتوج الحرفي المغربي.

ويتعلق أيضا بالشيخ محمد بن جعفر الكتاني الحسني الفاسي (ت1927)، وهو "معدود من أعلام المغرب ومحدثيه الكبار، تجاوزت شهرته إلى كثير من جهات العالم الإسلامي، حيث كان داعية للرجوع إلى الإسلام أينما حل وارتحل " ص 375 ـ 376.

لقد تضمنت رسالته إلى السلطان عبد العزيز: "نصيحة أهل الإسلام" مقدمة وأحد عشر مبحثا وخاتمة وهي عبارة عن نقد لأوضاع العالم الإسلامي، وخصوصا المغرب.

ومما يسجله المؤلف أن المجاهد الكبير الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي، ومعه قادة الحرب الريفية، "كانوا يجعلون من هذه (النصيحة) دليلهم الذي يسيرون على هديه في كفاحهم ضد الاستعمار" ص 385.

وفي الفصل الثاني تبرز "الدعوة الى الجهاد" من خلال رسالتين: الأولى للشيخ محمد التهامي السوسي المكناسي (ت 1918)، وهي بعنوان "غنية الإنجاد في مسائل الجهاد".

والثانية للشيخ محمد بن إدريس القادري الفاسي (ت 1941)، وهي ـ في وضعها المختصر ـ تحمل عنوان: "سبيل المحسنين إلى فضل الجهاد في سبيل رب العالمين".

مشروعان دستوريان:

وسجل العلماء، أيضا، مواقف "إزاء قضايا جدت في الاقتصاد المغربي" ـ الفصل الثالث ـ يعرض منها المؤلف الموقف الرافض، شرعا، لضريبة الترتيب (محمد بن محمد المشرفي الحسني الفاسي، (ت 1919)، والموقف الواقعي غالبا من الممارسات الاقتصادية الدخيلة.

هذه المواقف ذات الطابع الإصلاحي ـ الشرعي أساسا ـ اتخذت، في الباب التاسع، مظهرا آخر أكثر تنظيما، وإحاطة بقضايا البلاد؛ وإن بدا من قبيل المبادرة الشخصية المرتبطة بهذا الاسم أو ذاك؛ لأنها مبادرات لم تنشا من فراغ، وإنما هي وليدة مناخ عام.

يتعلق الأمر بمشروعين دستوريين، وضع الأول ـ على شكل مذكرة ـ الحاج علي زنيبر (توفي بسلا سنة 1914)، تشتمل هذه المذكرة على ثلاث نقاط رئيسية:

ـ تحليل مدلول كلمة الاستقلال.

ـ تحليل مفهوم الاحتلال.

ـ لائحة الإصلاحات المقترحة، وعلى رأسها تشكيل مجلس الأمة.

ومما يسجله المؤلف أن صاحب المشروع عاش في مصر مدة أربعة وعشرين عاما.

أما المشروع الثاني، فقد وضعه ـ كما صح لدى المؤلف ـ الشيخ عبد الكريم مراد، العالم السوري الذي "ورد على فاس عام 1324ه / 1906، 1907".

يتضمن هذا المشروع، المتأثر بالتنظيمات العثمانية، اقتراحات بخصوص تشكيل مجلس الأمة، وتنظيم الجيش والموارد المالية.

ـ لقد عمل الحاج علي زنيبر في الواجهتين: الدستورية ـ كما سلف ـ والشعرية؛ ومن هنا اعتمد المؤلف، في الباب العاشر، نماذج من شعره للتدليل على "مساهمة الشعر في التوجيه الإصلاحي".

ونقتبس من قصيدة "مصباح الفلاح لمراجعة لائحة الإصلاح" قول الشاعر منتقدا بعض مقررات مؤتمر الجزيرة الخضراء:

وما السر في بنك يديره غيرُنا ويقضي على المجموع منا بما يجرى

وليس لنا إلا اتباع ذوي القضا بمجلس "لا هَايْ" في اختلاف على النزر

أتحمل أثقال التقاضي لغيرنا ونربي كنوز الغير من حصص الوفر

أهذه أنوار التمدن في الورى؟ وهل كان نور السلم في اللذع كالجمر

نحاط ببوليس من الغرب مثلما يحاط القطا بين الكواسر والصقر

وبعد رصد "البدايات الأولى لظهور الطباعة العربية المركبة على الحروف" في الباب الحادي عشر، يفضي تطور أحداث المرحلة، بالمؤلف، إلى مقاربة موضوع "المقاومة المسلحة في الشاوية وتافيلالت" ـ الباب الثاني عشر ـ وبه يختم هذا الجزء من الكتاب.

قسم هذا الباب الأخير إلى فصلين:

في الفصل الأول يسجل جانبا من بطولات قبائل الشاوية في مواجهة الفرنسيين عقب احتلالهم للدار البيضاء في 5 غشت 1907، وأثناء توغلهم عبر مديونة وبرشيد وسطات. اعتمد المؤلف بعض المرجعيات الفرنسية التي لم تجد بدا من الاعتراف بأن مقاومة هذه القبائل، جاءت عكس ما كان متوقعا، تنظيما وتسليحا وإقداما. وقد شعر جنود الاحتلال ـ رغم ترسانتهم القوية ـ بالضيق غير ما مرة، بل تكبد فريق منهم الهزيمة فعلا في موقعة "أكُرار" (يناير 1908).

وفي هذا الاتجاه يسجل المؤلف الاستشهاد البطولي للقائد الزمراني الذي واجه الزحف الفرنسي بناحية سطات "طالبا الشهادة، عازما أن لا يتأخر ولا يرجع بأي وجه كان، وهكذا استمر حتى أصابته قنبلة ذهبت بنصفه الأعلى، رحمة الله رحمة واسعة " ص 474.

وينتقل في نفس الفصل إلى تتبع جوانب من جهاد قبائل تافيلالت بزعامة العالم الملتزم مولاي أحمد ألسبعي السغروشني. وقد تمكنت هده القبائل من تحرير "المنكوب"، الذي احتله الفرنسيون سنة 1907.

وينتهي الكتاب بملاحق ختامية أذكر منها ـ للأهمية الخاصة ـ بعض الشهادات الموضوعية باستمرار السيادة المغربية على الصحراء المغربية:

ـ مبايعة الشيخ محمد المختار الجكني ـ عن تندوف ـ للسلطان محمد الرابع.

ـ رحلة محمد العربي المشرفي، عن جولة للسلطان الحسن الأول، يشهد فيها بأن "العاهل المنوه به، استمرت سيادته على المناطق الشنقيطية والجكنية".

ـ رسالة الشيخ ماء العينين إلى الشيخ احمد يكنا، بتندوف، يشعره فيها بورود رسائل من جهة سلطان المغرب.

ـ مساهمة بعض الجهات الصحراوية في معركة تحرير الجديدة، في عهد السلطان محمد الثالث.

انتهى