إخلال بقواعد اللياقة

خميس, 06/11/2020 - 11:11

خلال منتصف شهر أبريل علقت اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي مشاوراتها كإجراء احترازي في ظل الجائحة، وأَطلقت عوض ذلك منصة رقمية لتلقي اقتراحات وإسهامات المواطنين "من أجل نموذج تنموي تشاركي وشامل"، كما جاء في بيان اللجنة عقب ذلك.

وفي مقال بعنوان "نَمذَجَة التَنْمِية"، في التاريخ نفسه، كنا قد أثرنا انتباه اللجنة إلى أن أكبر محاور لها اليوم هو الوباء، وجب على اللجنة الموقرة الإنصات إليه ومباشرة عملها استنادا إلى معطياته. فهو يفرض على اللجنة عقلية ما بعده، وهو ما يفرض أخذ المزيد من الوقت لاستكمال كل الجوانب المتعلقة بالنموذج التنموي المتجدد طبعا على ضوء الجائحة"؛ فالآجال تبقى ثانوية مقارنة مع دَسَمِ المضمون". وذلك ما قامت به اللجنة في خطوة حكيمة من خلال رفع طلبها إلى صاحب الجلالة لتمديد المهلة المخصصة لها.

إلى هنا تبدو الأمور جد عادية، لكن ما أثار انتباه المواطنين والمتتبعين هو اللقاء الذي عقده رئيس اللجنة مع السفيرة الفرنسية Hélène Le Gal، التي نرحب بها بالمناسبة ونتمنى لها كل التوفيق في مهامها الجديدة بالمملكة السعيدة. ما استوقف الكثيرين خلال هذا اللقاء نقطتان:

- تعليق المشاورات في ظل الجائحة وخلق منصة للمشاورات؛ فهل كان اللقاء عن بعد أو كان استقبالا محليا؟ وفي كلتا الحالتين، هل كانت زيارة مجاملة لزميل كان سفيرا في الديار الفرنسية أم لرئيس اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي؟ إذا كان الأمر يتعلق بالاحتمال الأول، فالأمر سيبدو عاديا ربما، لكن إذا كانت الزيارة لرئيس اللجنة فهذا يطرح مشكلا.

- تغريدة السيدة السفيرة تحدثت عن شكرها للسيد رئيس اللجنة على تقديمه لها ما أسمته بـ "un point d’étape "، يمكن ترجمتها "بتقدم أشغال"، وهو تعبير قريب جدا من التعبير الإنجليزيprogress point route point, way point, update, ، حسب السياق، لكنه يَسُوقُ تقريبا الحمولة الدلالية نفسها. و"point d’étape" هو غالبا مناسبة للتعرف على مراحل تطور موضوع ما، من خلال الاطلاع على الاختيارات المحددة لتوجهاته الكبرى بغرض المصاحبة أو النصح.

وإذا كانت المصاحبة والنصح شيئا محمودا، فالسيد الرئيس، الذي نكن له كل التقدير والاحترام، وهو الدبلوماسي المحنك، قد قام بما يعرف دبلوماسيا بـ "une entorse à l’étiquette"، أي إخلال بقواعد اللياقة.

فرنسا جارة صديقة وقريبة من قلوب المغاربة، وأي دعم أو نصح منها لن يكون إلا مرحبا به. لكن هناك أعرافا وتعاقدات وجب استحضارها، فأول من يجب اطلاعه على "تقدم أشغال" اللجنة هو من عَهَدَ لها بالعمل على بلورة مضامين وثيقتها. أي صاحب الجلالة، ثم من أسهموا بمذكراتهم وآرائهم وتصوراتهم واقتراحاتهم ورؤاهم، من شكلوا لجانا وسهروا الليالي وعقدوا اجتماعات لتقديم منظور توسموا فيه خيرا لهذا البلد العزيز، هم الأحزاب والنقابات والجمعيات والبرلمان بغرفتيه وكل القوى الحية التي سارعت ووضعت مذكراتها إسهاما منها في النموذج المنشود، وغيرة منها على تربة هذا البلد العزيز.

تغريدة السيدة السفيرة قابلها تكذيب للسيد الرئيس، وهنا اختلطت الأمور، وأصبح المشهد سرياليا ليزداد تعقيدا. السيد رئيس اللجنة اختار موقعا محترما للتوضيح، لكنه موقع ناطق بالفرنسية، ولم يشرك أي موقع آخر ناطق بالعربية، وهو ما اعتبره كثيرون ردا على السيدة السفيرة، وليس توضيحا للمغاربة الذين طالبوا بالتوضيح، ليزداد شد الحبل نتيجة لاستياء العديد.

السيد الرئيس تحدث في توضيحه عن كون هذه الزيارات تدخل في إطار روتيني للسفراء، أو ما يعرف بزيارة مجاملة "visite de courtoisie"، وقد عقد لقاءات عدة مع مجموعة من السفراء في هذا الإطار، ذكر منهم السفير الأمريكي والسفير البريطاني، لكن لا أحد منهم تحدث عن "progress point"، أي تقدم أشغال عمل اللجنة. وهنا شرعية السؤال: لماذا شكلت السفيرة الفرنسية استثناء؟

في خرجته الصباحية، صرح السيد الرئيس، وهنا سأضطر لترجمة نص التصريح إلى العربية: "إنه من البديهي بالنسبة لي أن يكون صاحب الجلالة أول من يطلع على أعمال اللجنة، وليس أي أحد آخر. إنه عمل انخرط فيه كل المغاربة، بإسهامهم ومن أجلهم. وهذا هو التوجه العام الذي حُدِدَ لنا".

طبعا هذا التصريح، وحتى نستعمل كلام السيد الرئيس، بديهي، لم يأت بجديد، بل يقدم أجمل تفسير لاستياء المغاربة. فكلام السيد الرئيس ليس موضوع اختلاف، وإنما يفسر موضوع الخلاف.

إنها قصة ذاك الشاب الهارب من الحراس الذي مر برجل عجوز وطلب منه المساعدة، فأشار عليه العجوز بالاختباء تحت قَشٍّ موجود بالجوار. ولما وصل الجنود سألوا الشيخ عن الشاب الهارب، فنظر إلى القش وأجابهم: إنه يختبئ هناك! ظن الحراس أنه يسخر منهم، ثم غادروا وهم يسبون الشيخ. بعدها خرج الشاب وهو في غيض شديد يعاتب الشيخ على فعلته، فأجابه الشيخ: يا بني لو كان الكذب ينجي فالصدق أنجى.

قد نتفق وقد نختلف، لكن ما لا يمكن أن نختلف حوله هو قول الخبير في الابتكار Charles Leadbeater، الباحث الإنجليزي، "من الأخطاء الشائعة أن نظن أن حدود قدرتنا على الإدراك هي حدود ما يمكننا إدراكه"، وهو قول يسري علينا جميعا.