"التيك توك" وسؤال مستقبل الشباب؟

اثنين, 06/08/2020 - 10:01

ما من شك في أنه مع العولمة الآن، ومع الذكاء الاصطناعي، أصبح العالم يعيش تحولا من نوع خاص، وأصبح الإنسان يعيش في تفاعل مستمر مع الأجهزة الرقمية المحاطة به من كل جانب، حتى ليمكن القول إن هذه الأجهزة من حواسيب وهواتف محمولة هي من بدأت تعطي للحياة معنى ومدلولا لدى الإنسان المعاصر، بحيث باتت تغطي مجمل مجالات حياة الإنسان في مختلف الجوانب الاقتصادية، الاجتماعية، التواصلية وو..

هذا التحول، تسلل إلى أبسط جهاز يصاحب الإنسان في المدة الأخيرة، في إشارة إلى الهاتف المحمول، بحيث انتقل استعمال هذا الأخير من مجرد أداة للتواصل الصوتي "هاتف بالمفهوم التقليدي" إلى جهاز مركب وذكي، أسعفته الكاميرا والربط بالأنترنت وجمالية الشاشة إلى الاقتراب من عالم الحواسيب وتمكن من المصاحبة الكلية للإنسان في مجمل تحركاته، بحيث انخرط معه كليا في المجال التواصلي عبر تطبيقات أبرزها شبكات التواصل الاجتماعي.

ربما في استفادة من هذا القرب، تم تطوير العديد من هذه التطبيقات التي غيرت المشهد التواصلي بالكامل، وبحكم التنافسية الكبيرة المحتدمة في ما بينها فقد حاولت تلبية مختلف الحاجات الملحة للشباب وتقريب مجمل الخدمات التي ترتبط بعوالمه، حتى أن الشباب اليوم ومن خلال الاحتكاك المباشر بها أصبح يعرف على وجه الدقة والتحديد ما توفره من "قواسم مشتركة" وكذا بعض الجزئيات والتفصيلات التي تجعله ينتقل بينها ويختار فتح حساب "فيسبوك" أو "إنستغرام" أو "تويتر" من أجل كذا، و"سنابشات" أو "واتساب" أو "يوتيوب" من أجل ذلك الغرض، كل ذلك بحسب طبيعة الخدمة المطلوبة أو المرغوب فيها.

بالنسبة إليه، فهذا التنويع في المنتوج أصبح مفيدا له على أكثر من مستوى، من حيث تمكينه من التواصل واكتساب التجارب والاستفادة من المناحي التعليمية المتاحة، وحتى من تفجير طاقاته وإبداعاته...، إلا أن هذه الوسائط وعلى ما يبدو قد ذهبت به بعيدا، حيث أن التطبيق الجديد "تيك توك" قد حاول استثمار الأذواق التي يرتاح معها "شباب اليوم" في إشارة إلى الغناء والرقص والموسيقى بالإضافة إلى آخر صيحات الموضة، وتم تجميع "هذا الكل" في توليفة جد محبوكة وخفيفة تسعف الشابة أو الشاب في إخراج منتوج جد قصير لا تتجاوز مدته 50 ثانية وبتحريك الشفتين وكل ثنايا الجسد في تموجات مع الغناء والموسيقى.

المؤسف أن هذه "المنتوجات" قد وجدت ملاذها خصوصا في الفئة العمرية للمراهقة، إذ وفي خضم البحث عن تأكيد الذات وأيضا من أجل ربح المزيد من "اللايكات"، فقد بدأ البعض في الدفع بعجلة الإثارة إلى مستويات كبيرة عبر الاستعانة بمجموع "توابل الإثارة أينما وجدت"، حتى أنه في بعض الأحيان تحس كما لو أن هناك "تعلقا وتكلفا" من أجل تقليد واستحضار نفس الأجواء التصويرية لبعض مشاهير الفن والغناء، مع تعزيز تلكم المشاهد بمساحة من العري والإيماءات، وبحكم أن التطبيق يعطي إمكانية لدعوة صديق للمشاركة في إنتاج المنتوج "ولو عن بعد" فقد ازدادت معه مكونات هذا الإغراء بحكم عامل الاحتكاك التي يتيحها التطبيق للأجساد بعضها ببعض.

الإشكال مع هذا التطبيق أن خدماته لم تعد تقتصر على فئة الشباب فقط، بل تعدته إلى فئة الصغار والتي لم تبلغ سن الرشد بعد، وهو ما جعله موضوع مساءلة حقوقية، حاولت أن تستغلها حتى بعض التطبيقات المنافسة الأمريكية في صراعها مع المنتوج الصيني، اعتبارا لكون هذا الأمر مرفوض من الأساس من منطلق حماية الطفولة حسب ما تنص عليه الأعراف والمواثيق الدولية. خطورة هذا التطبيق أيضا تكمن في إسهامه في ترسيخ والتمكين "للذوق الأمريكي الأوروبي" من خلال تعلق الشباب بهذا العالم وإعادة إنتاجهم لأعمال مشاهير الغناء والفن الغربي في نوع من التماهي مع منتجات العولمة.

وبحكم أن مقتطفات الفيديو المعروضة أصبح وراءها أهداف ربحية ومالية، فقد باتت التنافسية على أشدها لربح نسب المشاهدة و"اللايكات"، وهو ما بدأ يدفع في اتجاه "مضاعفة الجهود" من أجل اقتناص الإعجاب، مع ما يقتضيه ذلك من اللجوء في غالب الأحيان إلى لغة العري وكشف الجسد باعتبارهما مقومان لهما بالغ الأثر والمفعول في جني الثمار المادي، لا سيما في ظل الأزمة المادية التي تعرفها العديد من الأسر، حيث أصبحت أمثال هذه الخرجات في "التيك توك" تلعب دور التنفيس على الشاب أو الشابة، تقريبا بنفس القدر أو أكثر مع ما بدأنا نعرفه من سباق على قنوات "روتيني اليومي" في "يوتيوب" والتي أصبحت هي الأخرى تدفع العديد من ربات البيوت للانفتاح على هذا المنتوج الرقمي أملا في تحقيق الربح المادي.

ربما بدأنا نعيش في زمن أصبحت الأرض تحرث من تحت أرجلنا ونحن واقفون في موقف "المتفرج"، نعيش في مرحلة انتقالية تتأسس فيها أذواق وأحاسيس وعلاقات جديدة، حيث الفرد مع العولمة وهذه الوسائط أصبح أكثر ارتباطا بالعالم وبفرديته وشخصه، وبحكم أن "عين الشباب قد كبرت" فقد بات يهمه كثيرا أن يعيش ويستمتع بالحياة في نوع من التبني والانخراط في سياسة من نوع جديد ومغاير، حيث لم تعد الهموم والقضايا الكبرى هي المحرك بقدر ما أن الأمور الهامة بحسبه قد باتت مرتبطة أكثر "بحريته وبمدى توفره على أدوات ووسائل وإمكانيات الترفيه والتواصل". حتى الآباء ربما لم تعد بحوزتهم تلكم السلطة التي كانت لهم من قبل حيث اقتسمتها معه مجموع هذه الوسائط داخل محيط البيت والأسرة، وهو ما بدأ يطرح في الصميم بعض القضايا الكبرى المرتبطة بسؤال التربية والأدوار التي من المفترض أن تؤديها مؤسسات التنشئة الاجتماعية والمدرسة والأحزاب السياسية، وكذا الدولة التي ربما أصبح مطروحا على طاولتها هي الأخرى السؤال المركزي المرتبط بأي تصور تقترحه وتعده لشباب المستقبل.