لمَ نقرأ الرواية البوليسية؟

أربعاء, 05/27/2020 - 10:44

لو سألنا أنفسنا: لم نقرأ الرواية البوليسي؟  فإنّ الإجابة غالبًا ستتجه إلى ما تمنحه الرواية للقارئ من تدريب للملكة العقلية والقدرة على حل الألغاز، وإذا أراد المجيب أن يمنح الأمر معنى رمزيًا فإنه سيشير إلى التحذير الذي تحمله الرواية إلى كل من تسوّل له نفسه ارتكاب جريمة بأنه لا بد سيقع في الخطأ ويتم كشفه.

 

ولعل هذه الإجابة تفسّر جرائم مترجمي روايات أغاثا كريستي في حق رواياتها؛ إذ اشتغلوا كثيرًا على هذه الروايات حذفًا وتصريفًا واختصارًا، حتى إنّ الطبعات القانونية والكاملة لم تر النور بصيغتها العربية إلا مع مطلع القرن الجديد.

 

فليس من المستغرب أن تجد رواية من رواياتها تتجاوز الثلاثمئة صفحة في نسختها الأصلية قد تقلّصت في النسخة العربية إلى مئة صفحة؛ وذلك لأن اهتمام الناشر العربي –إذا تجاوزنا الأسباب المادية والتجارية- ينصب على ما يظن أنه تشويقي، فيقوم بقص وإزاحة كل ما يعترض طريق التشويق إلى قلب القارئ، وإن كان له غايات جمالية أخرى. كما أنه لا يبقي إلا على ما يدخل في باب اللغز وحله.

 

ولكن، هل حقًا هذه أسباب كافية لقراءة الرواية البوليسية؟ ... ربما علينا أولاً أن نقف على آلية عمل النّص البوليسي:

تبدأ الرواية البوليسية عادةً بتجميع الخيوط ولملمة أطراف القضية، وذلك باللجوء إلى السببية أو إلى افتعال الصدف، تمهيدًا لحصول اللقاء الذي يجمع بين القاتل والضحية والمحقق، ويحضر أيضًا الشهود والمتهمون الأبرياء وكل الشخصيات الثانوية التي قد تخدم مسار الرواية.

 

وتسير الرواية في تتبع الوقائع والأحداث ومعاينة الجريمة في سبيل كشف هوية القاتل، وهذا الكشف لا يحصل إلا بوقوع القاتل في خطأ يعبر عن الطبيعة الإنسانية غير الكاملة. هذا الخطأ هو محور الرواية البوليسية، إنه البنية التي ترتكز عليها الرواية.

 

وهنا يحق للقارئ أن يسألنا عن الآلية التي يعمل بها الخطأ في تشكيل الرواية البوليسية وعن علاقة ذلك بالقيمة الإنسانية؟

يبدو الأمر كما أنّ القاتل يدخل في تحدٍّ قاسٍ مع المؤلف؛ ففي حال اقترف القاتل هذا الخطأ فإنه سيفتضح أمره ويتم تعزيره والتشهير به زمنًا طويلا هو عمر قراءة الرواية التي ستكتب عن الجريمة، وهو أيضًا عمر تكرار قراءة الرواية عبر الزمن.

 

ولكن إذا نجح القاتل في الإفلات من الوقوع في هذا الخطأ، أي كان قاتلاً كاملاً، فإنه سيكسر قيد الرواية ويخرج إلى الحياة، ولن تكتب عنه رواية وسيعيش حياته الطبيعية دون أن ينغص حياته هاجس السجن وكشف الجريمة، ولن تخجل عائلته من انتمائه إليها.