الأردن… حالة فريدة في زمن الكورونا

أربعاء, 03/25/2020 - 10:56

د. سناء أبو شرار
تبرز سمات الشعوب عبر الإنجازات وكذلك خلال الأزمات. والأردن تبدو نموذج لافت للنظر في زمن الكورونا؛ هذا البلد الذي لا يتمتع بموارد مالية كبيرة والذي حتى قبل وصول فيروس الكورونا له كان يعاني من أزمة اقتصادية خانقة. ولكن الأردن يمثل حالة فريدة لتعامله مع هذا الفيروس للأسباب التالية وذلك بعيداً عن المجاملات واستناداً إلى حقائق ثابتة ومعروفة:
_ الأردن من أول الدول التي أرسلت طائرة خاصة لإجلاء جميع رعاياها من مدينة وهان الصينية وأجلت معهم العديد من الجنسيات العربية غير الأردنية.
_ الأردن تعاملت بشفافية عالية مع مواطنيها قبل أن تتعامل بها مع منظمة الصحة العالمية.
_ منحت الأردن عدة أيام لكل من يرغب بالعودة إلى الوطن وللمقيمين في الأردن للعودة وكان ذلك القرار له تكلفة مالية عالية ومخاطرة صحية تجنبته عبر إبقاء كل من عادوا للأردن من أردنيين أو أجانب في الحجر الصحي مباشرة من المطار إلى منطقة البحر الميت دون المرور بمدينة عمان وتوفير الغرف اللازمة في فنادق خمس وأربع نجوم وتدفع الدولة جميع تكاليف هؤلاء المحجور عليهم سواء أردنيين أو عرب أو أجانب.
_ الأردن من أول الدول أو ربما أول دولة تفرض منع التجول على جميع المدن والقرى والمحافظات، ولم تكتف بفرض منع التجول بل سخرت الشرطة والأمن لمتابعة أي حالة فردية تخترق هذا المنع مع فرض عقوبة السجن لمدة عام.
_ لم تفتح الأسواق للناس بل اتخذت قرارات بطريقة توزيع المواد الغذائية وتقنين نوعية هذه المواد مكتفية بالمتطلبات الأساسية ومنحت تراخيص للتجول لفئات خاصة لأسباب أمنية أو صحية.
_ اتخذت إجراءات مع البنوك بوقف المطالبات المالية وتخفيض الفوائد ومتابعة كل مخالفة تمس الموظفين في الشركات الخاصة.
_ بمجرد أن وصل عدد الحالات لسقف معين قررت توقيف العمل في المحاكم واقتصار العمل بها على حالات معين وللضرورة وحددت مواعيد لاحقة لنظر الجلسات.
_ الأردن هي الدولة الأولى عربياً التي قامت على الفور بتفعيل نظام الدراسة عن بعد وتكريس محطات تلفزيونية معينة لبث الدروس على التلفاز لجميع فئات الطلاب بينما طلاب الجامعات يتابعون المحاضرات عبر الحاسوب مع أساتذتهم الجامعيين.
_ فرضت الأردن قيود صارمه على المخابز وكمية الخبز التي يُسمح بشرائها فور علمها بتهافت الناس على الشراء ولم تكتف بذلك بل عاقبت كل تاجر رفع أسعار السلع أو تلاعب بتاريخ صلاحيتها.
_ بمجرد أن أعلنت الدولة عن تزايد خطر الكورونا بادرت عدة جهات رسمية وشركات ونقابات وبنوك ورجال أعمال وأفراد إلى التبرع للدولة لمساعدتها على تجاوز هذه المحنة الصعبة.
_ تفقدت الدولة الأردنية الطلاب الأجانب والعرب المقيمين بها وزارتهم في مساكنهم وقدمت لهم كل المساعدة الممكنة باعتبارهم ضيوف كرام وتشرف عليهم بصورة مستمرة.
_ الأردن ربما تكون أيضاً أول دولة أو من أول الدول التي قامت الحكومة بها بعقد جلساتها الطارئة للتصدي للواضع الراهن عبر الانترنت بعقد جلساتها عن بعد تجنباً للعدوى وتجنباً لما حدث في دول عديدة من أصابه أصحاب القرار في تلك الدول بالفيروس الخطير.
_ الشعب الأردني أثبت انتماءه الشديد لقيادته وثقته المطلقة بقراراتها الحكيمة والتفافه حول حكومته ومساندته لبعضه البعض.
كل ما قامت به الحكومة الأردنية من إجراءات رغم إمكانياتها المحدودة لا تعادل الطريقة الإنسانية التي تعاملت بها مع الموقف ففي الوقت الذي يقول به بعض زعماء الدول العظمي لشعوبهم نتوقع الملايين من الموتى يقول الأردن لشعبه سوف نتجاوز هذه الأزمة معاً ويقول لهم أن أغلى ما نملك هو الانسان، ولا يتحدث معهم عن التكاليف بل عن إجراءات الوقاية ولا يصف لهم حجم ما يكابده من أعباء ومسؤوليات وصعوبات ولكن يُطمئنهم ويتابع احتياجاتهم، ويقول لهم لا نريد إفزاع الناس بل طمأنتهم.
ولكن هذه الإدارة الفعالة لمواجهة هذا الفيروس ليست وليدة هذا الوضع الطارئ بل وليدة جهد تعكف عليه الحكومة الأردنية منذ سنوات باهتمامها بإدارة كل مناحي الحياة مع قلة مواردها المالية، فالأردن تمثل نموذج فريد من ناحية التطور الإداري والقضائي والمصرفي والتعليمي والأمني وهو ما انعكس بشكل جلي في هذه الأزمة حيث يتضح وبصورة جلية مدى ترابط أجهزة الدولة بعضها ببعض بصورة فورية ومباشرة دون بيروقراطية كان يمكن أن تجعل الوضع كارثي في الأردن لا قدر الله.
لقد أثبتت الأردن فعلا وبكل جدارة وبغض النظر عن صعوبة مواجهة هذا الفيروس بأنها دولة من أرقي الدول على الصعيد الإنساني، وأنها وإن كانت في مواجهة قاسية مع هذا الفيروس إلا أنها نجحت وبجدارة إنسانية وعالمية بأن تثبت انسانيتها تجاه مواطنيها وتجاه غير الأردنيين في التعامل مع هذه الأزمة وهي ظاهرة فريدة في عالم أصبحت به الإنسانية أقل اهتمامات زعماء العالم.