زين عالول: بناء البشر قبل الحجر

اثنين, 02/24/2020 - 09:09

زين عالول
إن بناء الأبناء هو أهم مافي هذه الحياة من معطيات ومن منجزات …فأي بناء لا يتم ولا ينشأ الا إذا تم بناؤه لبنة لبنة وطوبة طوبه فالقول بأن بناء الأبناء أهم من البناء لهم هو قول صحيح وحكيم …
عندما تريد أن تشيد أي بناء عليك أولاً أن توفر المال أللازم بالطرق المشروعة..ومن ثم تقوم بجولات وصولات لاختيار الأرض او القاعدة الصلبة المناسبة التي ستشيد عليها ذاك البناء وهذا يتطلب فحص التربة والتعرف على المحيط وقياس الزوايا لترسم النموذج المطلوب ومشاركة عالم من مهندسين مدنيين ومتخصصين فنيين ومساحين على دراية بهندسة للكهرباءوالديكور، وعمال ماهرين في البناء، وشراء أحسن المواد من الإسمنت والحجر القوي والعوازل والرخاميات وغيرها من متطلبات البناء ..أما عن التوقيت فيمكنك بأي وقت الشروع في بناء المشروع وبأقصر السنين..
في بناء الأبناء المهمة أصعب ..والغاية أسمى.. والمسؤولية أعظم .. فالمشوار طويل …دعهم يتعبوا كما تعبنا ويشربون المر كما شربنا فأنت تبني أمةًوأنت تريد بناء من يحمل اسمك وكنيتك ويصبغ بسماتك فلو كنت سيئاً تريد أحسن الأبناء ولو كنت صالحاً تتمنى الصالح من الخلف وهكذا ..تريد من أصلح منك حتى لو كنت أصلح الصالحين..
كيف يتم بناء الأبناء ؟؟؟؟
علينا أولاً أن يوفقنا الله في اختيار الشريك المناسب من الخلق الجيد والصفة الجميلة والأخلاق الحميدة آلتي او الذي يعرف واجباته وحقوق غيره..
كل منهم يجب أن يدركوا معنى الأبوة والأمومة.. والإلتزام والإخلاص لبعضهما، وإدراك معنى قدسية مؤسسة الزواج والمحافظة على أسرار البيت والإحترام، كل لنصفه الأخروتوفير احتياجات بيته وعائلته طبعاً كل حسب استطاعته وكرمه
وهذه لا علاقة لها بفقر مادي بل أن تكون مزروعة في خصالهم ومن تربة غنية ونفس تتغذى من مناهل التربية السليمة وفي بيئة صالحة حكيمة محافظة على قيمها و من أسرة راقية بأخلاقها وسماتها الرفيعة..
أي عمل فني لابد وأن تتناغم به المواد الخام مع الموسيقى مع الألوان والتصاوير وهكذا الإنسان كل يولد بخصال اوليه فطريه ومن محيطه سيبدأ باكتساب المهارات المكتسبة وهذه أشبهها بالألوان التصويرية والمجسم الذي سيتشكل منه العمل، ومن ثم قد يطربك بجمال صفاته، أو سيعيبك بفداحة عيوبه..
إذن كيف سيتشكل ذاك الإنسان الواعي الراقي؟؟
هناك ثلاث أمور أو ركائز في غاية الأهمية :
أولها وأهمها هي بناء الأسرة..وثانيها بناء التعليم
وتطويره.. وثالثهما بناء النموذج و القدوة الصالحة..
والعكس هو الصحيح هدم الأسره، وتدمير التعليم، وإسقاط القدوة وعلى الأمه السلام ضعنا وضاعت الأمة..
-لبناء أسرة صالحة لابد من الأم الواعية والأب القادر والمقتدر على نتشئة أولاده التربيه الصالحة المحافظة من غير شدة أو إكراه، يربوا أولادهم على الديمقراطية والتسامح، واحترام الكبير والحنو على الصغير وعلى المحبة، والقناعة وعلى تقبل الرأي الآخر، والحوار الراقي، وعلى عدم الإنجراف خلف التعصب والحزبين (فويل لأمة في كل قبيلة فيها أمة.. ) وعلى سعة العقل والتفكير، وعدم التفرقة في المعاملة،وطبعاً وأن يكونوا على معرفة بتعاليم دينهم والمفيد من عاداتهم وتقاليدهم..
واين هذا من اليوم؟؟ الشباب اليوم وراء القضبان بمعنى هناك حواجز وقيود شلت ذاكرة الزمان والمكان لديهم .أراهم البعض منهم في حيرة وضياع بين قيم نعلمها لهم وواقع ما يراه في حياته اليومية هو في حيرة وتشتت وصراع بين جيل محافظ كان يقدر العطاء والمنجزات ويسعى لأهداف يحققها بقناعة وقلة.. وأجيال تطلب المزيد والمزيد من غير كلل او تعب بل أن جيلنا كان يقدّر المسرات والسعادة البسيطة أكثر مع أننا حصلنا على شيء أقل .. شيء أصبح جيل اليوم يريد الجاهز وهو من المسلمات لديهم ..فنحن تعبنا للحصول على الأشياء واضطررنا إلى العمل دون شعور بالاستحقاق عكس الكثير من أبناء جيل التواصل الاجتماعي..
وأين هي اليوم الأم العاقلة..والزوجة القنوعة الواعية.. لدورها ومسؤوليتها والمحافظة على أسرار أسرتها وزوجها وقدسية بيتها وواجباتها الملقاة على عاتقها، الطلاق كثر والخلع زاد والأولاد هم الضحايا، الأمهات اليوم في واد وأولادهم في آخر لا يعرفون شيئاً عنهم بل لا يملكون حق القرار، ولا يحكمون لأنهم أصلا غير متواجدين لسماع مشاكلهم و تعليل أزماتهم، كل أوقاتهم وساعاتهم يصرفونها بالرغي وتأبط النرجيلةفي المقاهي، أوالتقليد والمجاهرة وتبادل الأخبار على مواقع التواصل الإجتماعي..غير آبهين ل دورهم في بناء أسرهم..
وجه أمي وجه أمتي (جبران خليل جبران)
-أما التعليم فمن المهم تطويره وإيجاد النظريات التطبيقية التي يسهل تعلمها وتطبيقها على أمور الحياة والمثابرة على النهل من روافد العلم والإطلاع على الثقافات المختلفة والقراءات المفيدة ليكتمل نمو الفكر حتى يكون الشباب قادر على التخصص والإختراع والوصول للطرق الكفيلة بتطوير العقل الإنساني والتفنن في العزف على أوتار المنطق لزيادة الحكمة والمعرفة.
ومما لا شك فيه أننا نعاني من أزمة قيم وهذه تعالج بإعادة ترتيبها على أسس أخلاقية فطرية وليست اصطناعية وإنسانية عميقة وليست سطحيةوترسيخ مبدأ العلم النافع المفيد.. كما وإن استيراد نظريات ومناهج غربية خارجية عن واقعنا وتاريخنا وجغرافيتنا، وإبعاد أن تكون منظمتنا التربوية محطة تجارب مستورده من الخارج لمصالح بعيدة عن واقعنا ومحيطنا، وهذه الأزمة تعالج من خلال تدريس القيم الأخلاقية في المناهج المقررة ورأب الصدع ما بين القيم والمناهج ومعالجة أي خلل في العملية التربوية بإثراءها بالتحليلات الفردية ،وضرورة تصدي المناهج لقضايا الحياة ومراعاة الفروق الفردية وتنمية التفكير وإعداد الشخصية الواعية.
.كما وان اتساع محتوى المناهج وحشوه بكم كبير من المعلومات يربك الطلبة،بل من المهم مواكبة الثورة المعرفية والتكنولوجية المتسارعة. كذلك لابد من الإهتمام بلغة الأم اللغة العربية فقد أضحت حروفها ضحية التواء ألسنتنا وشغفنا بالغرب ولغاته وصرنا طغاة نلهو بمقصلة بتر حروفنا وجملنا وتعابيرنا رغم وباعتراف الجمعية العامة التي قررت أن لغتنا العربية أصبحت ضمن لغاتها الرسمية لأدراكها ما للغة العربية من دور هام في حفظ ونشر حضارة الإنسان وثقافاته..
-أما القدوة الصالحة فهل تلاشت وحل محلها شخوص في عالم افتراضي كله نفاق ولايكات وقلوب حمراء ..على صفحات التواصل الإجتماعي . بالأمس القريب كان الأب والأم هما القدوة ..وكذلك المعلم في المدرسة هو قدوة الطالب واليوم المدرس يضرب ويعنف من قبل الطالب وأهله والأب لا حول له ولا قوة..آخر العارفين إذا عرف!! والأم طبعاً مشغولة بلايكاتها وجمالها وتعليقاتها ومشاويرها..واليوم أصبح الراقص والمغني هو القدوة، وأصبحت الخادمة هي القدوة، وأصبح القرش وصاحب الجاه والسلطة والمال والثراء والذي جمع أمواله بالفساد والطرق الغير مشروعة هو القدوة صدق القائل بأن لكل منافق ألف مرافق..
من هنا لابد من القول أن الحاضنة الثانية بعد الأسرة هي المدرسة، والمؤكد أن جودة التعليم من أسرار نهضةالأمم، وقدوتنا بعد راعي البيت والمعلم. والوالدين هم صانعي الأجيال ويجب أن يعودوا لأدوارهم على مسرح الحياة، فالغباء والفساد والجهل استشرى في جسم الأمة وبحاجة لإصلاح وتقويم فالمراكب تغرق في بلادنا العربية والغواصين نادرون مشغولين بصغائر الأمور. فلنبني أمة راقية فنحن كنا أرقى الأمم واليوم لا أريد القول أن الفساد والإنحطاط هو من سماتنا اليوم، وانعدام الضبط والربط في المؤسسة والبيت، بل أريد القول
بأننا يجب نتغلب على اليأس لنصل إلى الرجاء والأمل،فالطبيعة شاءت ألا تجعل من الرجل إنساناً كاملاً ولا من المرأة كذلك بل جعلت منهما إنساناً كاملاً لينشئون الشبيبة الصالحة ففي البيت يولد ويتعلم مستقبل الأجيال، وبالتالي يكون البناء صالح متين وتكون الأمة صالحةفقد تصلح الأحوال قبل فوات الأوان!!
قول لنجيب محفوظ((عجبت لحال وطني إنه برغم انحرافه يتضخم ويتعظم ويتعملق ، ويملك القوة والنفوذ ، ويصنع الأشياء من الإبرة حتى الصاروخ ، ويبشر باتجاه إنساني عظيم ، ولكن مابال الإنسان فيه قد تضاءل وتهافت حتى صار في تفاهة بعوضة ، ما باله يمضي بلا حقوق ولا كرامة ولا حماية ، ما باله ينهكه الجبن والنفاق والخواء.))