صفقة القرن المقامرة الأمريكية الضخمة

جمعة, 01/31/2020 - 09:55

سامية بن يحي
تبدوا خطة ترامب للسلام في الشرق الأوسط في الظاهر حلا سحريا كما يراه الطرفين الأمريكي والإسرائيلي، وهو ما عبر عنه الرئيس الأمريكي ترامب أنه وجد طريقة جديدة لصنع السلام بين إسرائيل والفلسطينيين، بحيث ستحصل إسرائيل على الأمن الذي تحتاجه، و سيحصل الفلسطينيون على الدولة التي يتوقون إليها، ووصفها بأنها “فرصة مربحة للجانبين” لإسرائيل والفلسطينيين، وأن اتفاق اليوم هو فرصة تاريخية للفلسطينيين للتوصل في النهاية إلى دولة مستقلة خاصة بهم ، كما جاء في قوله “سيتمكن الفلسطينيون من اغتنام المستقبل الجديد بكرامة واكتفاء ذاتي وفخر وطني لضمان قيام دولة فلسطينية ناجحة”الى هنا الأمور جيدة – باستثناء أن خطة ترامب ستمنح السيد نتنياهو كل ما يريده، وتقدم للفلسطينيين القليل جدا- لكن السؤال المطروح أي نوع من الدولة التي سيتم اقتطاعها دون السيادة المناسبة، وتحيط بها الأراضي الإسرائيلية ومترابطة بين المستوطنات اليهودية ؟ هل يمكن فعلا بهذه الخطة حل قضية الاستيطان اليهودي والصراع الفلسطيني الاسرائيلي؟
يعتقد الرئيس ترامب بحق وبدون أدنى شك أنه يعرض “صفقة القرن” كحل نرجسي يضمن أمن اسرائيل ورضى مدللة أمريكا في الشرق الأوسط طبعا إنه أمر كبير بالنسبة لنتنياهو وحكومته بل لحظة تاريخية حاسمة لن تتكرر لإسرائيل، وهو ماعبر عنه فعلا رئيس وزراء إسرائيل عن بعض بنود الخطة، موضحا أن خطة ترامب هى خطة عظيمة، من أجل إسرائيل ومن أجل السلام، وتسمح لاسرائيل أن تسيطر على كل المنطقة مما يعطى لها حدودا شرقية، وكذلك نزع الأسلحة عن قطاع غزة، كما أن مشكلة اللاجئين يجب أن تحل خارج إسرائيل، والخطة تدعو الى إبقاء القدس تحت سيادة إسرائيل، وأردف رئيس وزراء إسرائيل قائلا أن الخطة لا تقتلع أحدا من منزله سواء من الإسرائيليين أو الفلسطينيين، كما أن خطة ترامب للسلام تقدم للفلسطينيين الطريق لحكم ذاتى ودولة مستقلة.
اذا قمنا بعملية مراجعة تاريخية ليست ببعيدة نجد خلال كل سنوات الوساطة في محادثات السلام بين إسرائيل والفلسطينيين كانت أولويات الولايات المتحدة دائما رغبات إسرائيل وقيودها وأهمها أمنها لكن الرؤساء الأمريكيين المتعاقبين قبلوا أن السلام يتطلب دولة فلسطينية قابلة للحياة إلى جانب إسرائيل ، حتى لو لم يكونوا مستعدين للسماح لها بالسيادة على قدم المساواة، وقد أفادت التقارير أن الصفقة تلبي جميع مطالب إسرائيل تقريبا في مقابل احتمال الاعتراف بالدولة الفلسطينية في يوم من الأيام، وأن الخطة تعطي إسرائيل كل ما تريده، و من المتوقع أن يتوسل الفلسطينيون الفتات.
تجادل إسرائيل دوما في موقف الدفاع عن مساعيها ونواياها المزعومة اتجاه عملية السلام بأن الفلسطينيين رفضوا سلسلة من العروض الجيدة، حيث يقول المفاوضون الفلسطينيون إنهم قدموا تنازلات هائلة ليس أقلها قبول وجود إسرائيل في حوالي 78٪ من وطنهم التاريخي، وأن السلام المتفاوض عليه بدا ممكنا منذ ما يقرب من 30 عاما أصبحت سلسلة من المحادثات السرية في النرويج عملية أوسلو للسلام ، والتي يرمز إليها إلى الأبد حفل في حديقة البيت الأبيض في عام 1993 برئاسة الرئيس بيل كلينتون.
كانت أوسلو لحظة تاريخية اعترف الفلسطينيون بدولة إسرائيل، و قبل الإسرائيليون أن منظمة التحرير الفلسطينية تمثل الشعب الفلسطيني، لكن سرعان ما ظهرت الشقوق في صرح أوسلو وصفها بنيامين نتنياهو بأنها تهديد قاتل لإسرائيل، وبادروا في الإسراع بمشروعهم لتوطين اليهود في الأراضي الفلسطينية المحتلة، في حين عدم التزام اسرائيل بأية بوادر للسلام.
واليوم لا يختلف عن الأمس اذ تكتسح وثيقة ترامب عدة اختراقات ، مثل قرار الأمم المتحدة 242 الذي يؤكد عدم جواز الاستيلاء على الأراضي عن طريق الحرب ، أو القوانين الدولية التي تنص على أن المحتلين لا يمكنهم تسوية شعبهم على أرض محتلة، وقد رفض الرئيس الفلسطيني محمود عباس الوثيقة على الفور تقريبا وقال إن الحقوق والآمال الفلسطينية ليست للبيع، ووفقا لصحيفة التايمز أوف، فإن الصفقة تقوض بشكل كبير آمال الفلسطينيين في استعادة الأراضي التي سرقتها المستوطنات الإسرائيلية وتسمح لإسرائيل بتوسيع أراضيها إلى أبعد من ذلك، حيث تجسد الصفقة السيادة الإسرائيلية على جميع مستوطنات الضفة الغربية إلى جانب الاعتراف بالدولة الفلسطينية، من جهة أخرى سيتم منح كل الأولوية للأمن الإسرائيلي على حساب القوانين والاتفاقيات الدولية، بالاظافة الى مصير عودة اللاجئين الفلسطينيين الذي لن يسمح إلا بعودة القليل منهم وفقا لشروط اسرائيلية.
إن خطة ترامب ستعترف حتما بالسيادة الإسرائيلية على جميع المستوطنات في الضفة الغربية المحتلة ، والتي تعتبر غير قانونية بموجب القانون الدولي، هذا من شأنه أن يحرك فعليا الحدود الإسرائيلية المعترف بها من قبل الولايات المتحدة شرقا إلى داخل الأراضي الفلسطينية وسيتم الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على القدس بأكملها ، التي يسعى الفلسطينيون إليها كعاصمة لدولتهم المستقبلية، وتعترف الخطة أيضا بدولة فلسطينية منزوعة السلاح في وقت لاحق، لكن لن يقبل المسؤولون الفلسطينيون الخطة خاصة وأنها ستطالب أيضا بنزع سلاح حماس، والاعتراف الفلسطيني بالقدس عاصمة لإسرائيل.
هل سيرضخ الفلسطينيون للصفقة أمام تباين المواقف العربية والدولية؟
مما لا شك فيه ستجد خطة السلام المزعومة – صفقة القرن- قبولا عربيا لأكثر من دولة ، أما على صعيد السلطة الفلسطينية فقد أعلنت رفضها الكامل للصفقة، ووصفها الرئيس محمود عباس “بصفعة القرن”، وقال إن مشروع الرئيس ترامب لحل القضية الفلسطينية مرفوض، وأكد أن إسرائيل أنهت مسار أوسلو، وأنه لا مجال للتنازل عن القدس عاصمة لدولة فلسطين، وهو الموقف ذاته الذي عبرت عنه أطراف فلسطينية أخرى ، وأجمعت كلها على رفض الخطة ودعت لمواجهتها وإسقاطها، كما طالب الطرف الفلسطيني من الجامعة العربية عقد اجتماع طارئ من أجل اتخاذ موقف عربي موحد ضد خطة السلام الأمريكية.
أما أمميا أصرت الأمم المتحدة على ضرورة حل النزاع الإسرائيلي الفلسطيني بناء على قرارات مجلس الأمن والجمعية العامة، والالتزام بدعم الفلسطينيين والإسرائيليين لحل النزاع على أساس قرارات الأمم المتحدة، والقانون الدولي والاتفاقيات الثنائية وتحقيق رؤية دولتين – إسرائيل وفلسطين – تعيشان جنبا إلى جنب في سلام وأمن داخل حدود معترف بها ، على أساس خطوط ما قبل عام 1967 حيث قال متحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة في بيان إن الأمين العام للمنظمة أنطونيو غوتيريش يتعهد بمساعدة إسرائيل والفلسطينيين على التوصل إلى سلام قائم على قرارات المنظمة الدولية والقانون الدولي والاتفاقات الثنائية ورؤية الدولتين بناء على حدود ما قبل 1967 ومع ذلك لا يمكن أن نثق في جدية الأمم المتحدة التي كثيرا ما تقف عاجزة أمام مصالح أمريكا.
في حين اعتبرت تركيا أن خطة السلام الأمريكية المزعومة ولدت ميتة، وأنها مجرد خطة ضم للأراضي تهدف إلى نسف حل إقامة الدولتين وإلى سلب الأراضي الفلسطينية.
تداعيات مستقبلية ومصير المقامرة الأمريكية
نحن نجزم طالما أن صفقة القرن تم اعدادها دون مشاركة الطرف الفلسطيني مما يعني أن مصالح الفلسطينيين وحقوقهم لا تمثل أي أهمية لمعدي تلك الخطة، فانها خطة عنصرية لا تهدف سوى لتشريع ضم إسرائيل مزيدا من أراضي الضفة الغربية واستمرار الاحتلال، ولا تعطي للفلسطينيين سوى دولة فارغة ستلقى حتما مصير الرفض القاطع، وبالتالي لا مستقبل لها وستبقى ميتة كما ولدت ميتة رغم محاولات يائسة من بعض الأطراف لتمريرها بضغط من أمريكا واسرائيل.