مقتل سليماني والخيارات الايرانية الامريكية

أحد, 01/12/2020 - 19:41

د. معن علي المقابلة
المؤكد ان تحركات الجنرال قاسم سليماني قائد فيلق القدس الايراني في المنطقة الممتدة من بغداد لصنعاء ، لم تكن تخضع للسرية فقبل مقتله انطلق من مطار دمشق الدولي الى مطار بغداد الدولي ، وتم استقباله رسمياً من قبل ابو مهدي المهندس نائب قائد الحشد الشعبي العراقي وكذلك مسؤول المراسم في الحشد الشعبي في المطارمحمد رضا الجابري.
هذه التحركات العلنية لأخطر شخصية عسكرية ايرانية في المنطقة تدل على اتفاقات ضمنية بين الولايات المتحدة وايران ان الرجل خارج الاستهداف ، بالرغم من ادراجه على قوائم الارهاب الأمريكية ، مما يؤكد ان بعض الملفات التي كان يديرها الرجل كانت تتقاطع مع المصالح الأمريكية ، واهمها محاربة ما يسمى الارهاب ، وعلى ما يبدو ان المقاومة العراقية ضد الأمريكيين كانت تدخل تحت هذا المسمى ، والا كيف نفسر تحركاته العلنية قبل الاحتلال الامريكي للعراق وبعده في العواصم العربية التي تقول ايران انها تسيطر عليها(بغداد ، دمشق ، صنعاء ، بيروت) وكذلك اشرافه المباشر على ساحات القتال في بلدان هذه العواصم.
ولكن ما الذي حدث حتى يتم استهداف رجل بحجمه بهذه الطريقة المستفزة والمهينة؟
يتحدث الامريكيون ان سليماني كان يخطط لضرب المصالح الأمريكية في العراق ، كان بدايتها استهداف القاعدة الامريكية (كي ون) قرب كركوك ذهب ضحيتها احد المتعاقدين الامريكيين وبعض الجرحى ، ليرد الامريكيون بقصف خمسة مواقع للحشد الشعبي في العراق وسوريا ، قُتل وجرح فيه العشرات ، ثم تطور الأمر لمحاصرة الحشد الشعبي السفارة الامريكية في بغداد ، ليعيد لذاكرة الأمريكيين حصار سفارتهم في طهران اعقاب ثورة الخميني التي اطاحت بالشاه واحتجاز العشرات من الامريكيين كرهائن.
بصرف النظر عن دقة معلومات الامريكيين حول دور سليماني في استهداف القاعدة الأمريكية في شمال العراق ، ومن ثم محاصرة السفارة الامريكية في بغداد ، الا ان الشيء المؤكد ان قواعد اللعبة السياسية بين الامريكيين وايران قد تغيرت ، ومن المحتمل ان هذا الامر مرتبط بالإيرانيين ، فقد اصابهم الرعب اي الايرانيين من فكرة تراجع دورهم في العراق بعد الاحتجاجات العنيفة من العراقيين الذين ضاقوا ذرعاً بتدخل ايران في شؤون بلدهم ودعمهم للطبقة السياسية التي تدير البلاد منذ انسحاب الامريكيين من العراق سنة 2011م لإدراكهم ان حكوماتهم أُلعوبة بيد الايرانيين وانها غارقة بالفساد من رأسها لأخمص قدميها ؛ ان اكثر المتشائمين لم يتخيل مشاهدة عربات التكتك تجوب شوارع بغداد وكأنها دكا عاصمة بنغلادش ، فالعراق الذي خاض حرباً مع ايران استمرت ثمان سنوات وحصار خانق منذ 1991م الى سقوط بغداد سنة 2003م لم تتردَ الاوضاع فيه كما هي اليوم ، وهذا بفعل النهب المنظم لخيرات العراق من هذه الطبقة السياسية المدعومة ايرانياً ، ادرك الايرانيون ان استمرار هذه الاحتجاجات بهذه الوتيرة والتي ادت الى ارغام رجلهم عادل عبد المهدي رئيس الوزراء لتقديم استقالته ، واصرار المحتجين على تغيير قواعد اللعبة السياسية في العراق ستفقدها نفوذها فيه ، فالمحتجون العراقيون وضعوا أيديهم على الجرح عندما رفعوا شعار “بغداد تبقى حرة وايران بره بره” وعلى ما يبدو ان هذه الاحتجاجات اطربت مسامع الامريكيين ، فكان لابد من احداث صدمة من شأنها ان تخلط الاوراق داخل العراق فجاء ضرب القاعدة الامريكية لتتوالى الاحداث بقصف الحشد الشعبي من قبل الامريكيين الى محاصرة السفارة الامريكية ، الا ان الايرانيين لم يظنوا ان الامور ستأخذ هذا المنحى الخطير من قبل الامريكيين بتصفية رجلهم الاهم والابرز قاسم سليماني ، وعلى ما يبدو ان الأمريكيين كان خيارهم تصفية سليماني بمجرد وصوله لبغداد تخوفاً من تصاعد الهجمات عليهم.
بتصفية سليماني الرجل الابرز والعقل المدبر للسياسة الإيرانية في المنطقة يؤشر الى تغير قواعد اللعبة بين الايرانيين والامريكيين ، وتبعث برسالة امريكية واضحة وهي على ايران ان تعود لداخل حدودها ولحجمها الطبيعي وتكف يدها عن التدخل في شؤون دول المنطقة فهذا العنوان كان يمثله سليماني.
والسؤال هنا ، هل كان التصعيد الايراني في الساحة العراقية ضد الامريكيين قراءة خاطئة من القيادة الايرانية معتقدةً ان تصعيدها سيكون محسوب ضمن قواعد اللعبة السياسية بين الطرفين فتفاجأ الايرانيون برد فعل الامريكيين بتصفية رجلها الاخطبوط الذي سيكون من الصعب تعويضه؟
على ما يبدو ان الإيرانيين لم يقرؤوا المشهد الامريكي بدقة والموقف الحرج الذي يتعرض له الرئيس الامريكي الذي يتعرض لضغوط من الكونغرس لعزله ، فوجد التصعيد الايراني في الساحة العراقية ضد الامريكيين هدية من السماء ليستعرض قوته امام ناخبيه واحراج خصومه الديمقراطيين بانه رجل البيت الابيض القوي القادر على التخلص من خصوم امريكا ، فها هو يتخلص من اخطر رجلين على الولايات المتحدة في الشرق الاوسط ، البغدادي زعيم تنظيم الدولة الاسلامية ، ورجل ايران القوي خارج حدودها والمتهم امريكا بتورطه بقتل امريكيين والمدرج على لائحتها للإرهاب قاسم سليماني ، بالاضافة لأبي المهدي المهندس المدرج ايضاً على القوائم الأمريكية للارهاب والمتهم بتفجير سفارتي الولايات المتحدة وفرنسا في الكويت عام 1983م.
ولكن في المقابل هل قرأت الادارة الامريكية حجم الرد الايراني بدقة بحيث لا ينقلب السحر على الساحر، كما حدث مع الرئيس الأسبق جيمي كارتر في حادثة رهائن السفارة الامريكية في طهران التي ادت الى خسارته للفوز بفترة ثانية ، يبدو ان مستشاري الرئيس وضعوا سيناريوهات الردود الإيرانية المتوقعة منها:-
*محاولة ضرب القواعد الأمريكية في المنطقة ، كالضربة التي قامت بها ايران يوم الأربعاء للقاعدتين الامريكيتين عين الاسد في الانبار واربيل ، وما يؤكد توقعاتهم هذه عدم وقوع خسائر في صفوف الأمريكيين في هاتين القاعدتين.
*الى جانب الضغط على حلفائها في العراق سواء القوى السياسية او المليشيات لزيادة الضغط من اجل خروج الامريكيين من العراق ، وهذا ما حدث عندما صوت البرلمان العراقي لصالح اخراج القوات الاجنبية من العراق واقتصار التواجد على الخبراء فقط.
*والايعاز لوكلائها في المنطقة كحزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن لضرب المصالح الامريكية وحلفاء امريكا بالصواريخ او الطائرات المسيرة ، وهذا ما هددت به ايران هذه الدول اذا ما انطلقت الطائرات او الصواريخ الأمريكية من اراضيها.
الا ان اقرب السيناريوهات للصراع الايراني الأمريكي هو الاشتباك غير المباشر والمفتوح والطويل على الساحة العراقية ، وهذا ما بدأ الايرانيون وحلفائهم في العراق الحديث عنه ، وهو خروج القوات الأمريكية من العراق لتبدأ اول خطواته بقرار من مجلس النواب العراقي بهذا الاتجاه ، فالايرانيون يدركون ان استهداف الامريكيين خارج هذه الساحة سيكلفهم الكثيرامريكياً ودولياً ولن يتحملوا تبعاته ، وعلى ما يبدو ان الادارة الامريكية تدرك خطورة هذا السيناريو ، بل قد يكون هذا السيناريو السبب في بدء الانسحاب الامريكي المتدرج من المنطقة والذي تحدث عنه ترمب اكثر من مرة سواء في حملته الانتخابية او اثناء سنوات وجوده في البيت الأبيض، كما تحدث بصراحة ان الولايات المتحدة اصبح لديها مصادر متنوعة من الطاقة ولم تعد بحاجة لنفط الشرق الاوسط.
اخيراً وليس آخراً ، مما لا شك فيه ان المنطقة بعد مقتل سليماني لن تبقى كما كانت قبل مقتله ، فمن سخرية القدر ان مقتل الرجل قد يخدم الطرفين اي الايرانيين والامريكيين ، فالرئيس الأمريكي تحدث عن الانسحاب الامريكي من المنطقة اكثر من مرة فقد يكون مقتل سليماني سبباً في تسريع هذا الانسحاب ، وهذا حتماً سيخدم ايران في الدرجة الاولى ، وقد يتم هذا الأمر بترتيبات بين الطرفين إما تحت الطاولة او فوقها.
باحث وناشط سياسي\الاردن