المحاكمة التاريخية بين صدمة الجزائريين وذهول المُتهمين

جمعة, 12/13/2019 - 08:25

وجيدة حافي
كيف لا نُصدم ونحن نسمع بملايير وملايير ضُيعت ونُهبت باسم فخامته ومُحاربة الفساد وكل أشكال الظلم والإستبداد، بناء جزائر قوية وغيرها من الوعود التي وعدونا بها، أو ليس هذا ظلم بالله عليكم؟ وإستخفاف بعقول أربعون مليون جزائري، وهل تكفي هذه الجلسات لإشفاء غليلنا ورد إعتبارنا، لا والله فما سمعناه ورأيناه كان شيئا صادما ومُحزنا، وزير أول إسمه أويحي نجح وبإمتياز في خداعنا بفلسفته ، وأخر يُدعى سلال بنكته ،رجال أعمال كنا نظنهم السند والقوة للعمل سويا مع الدولة للنهوض بالبلد، لكن لأنه العلي القدير يُمهل ولا يُهمل فقد جاء وقت الحساب ووُقفوهم أمام القاضي والملأ كمُتهمين ومشبوهين كاف جدا لإذلالهم وبث الخوف والرعب في نفوسهم، فهم كانوا فوق في القمة وفجأة وجدوا أنفسهم في الحضيض، يُحاسبون على أعمالهم القذرة في محاكم عادية مثلهم مثل أي مُتهم.
شخصيا لم أتابع المُحاكمة لأني لا أُريد وجعا لقلبي المُتوجع أصلا مما يحدث في بلدنا بسبب سياستهم الرعناء، فهم باعوا البلد على طبق من ذهب لأوروبا مُقابل مصالحهم ومصالح عائلاتهم. كانوا يظنون أن الأمور ستمشي كما خططوا لها ولا أحد سيُحاسبهم، قبل أن يُفاجئوا بثورة شعبية سلمية طالبتهم بالتنحي الفوري وتسليم المشعل، والكف عن هذه التُرهات ، كانوا يظنون أن الشعب سيبقى نائما على أذنيه وتائها لا يعرف طريقه، لكن هته المرة مشت الرياح بما لا تشتهيه سفنهم وأخلطت كل حساباتهم، وجاء حراك 22 فيفري ليقول كلمته ويُحيل هؤلاء إلى التقاعد والمُحاسبة، وشيئا فشيئا حققنا هدفنا المنشود ووضعناهم في المكان الذي يستحقه كل خائن وناهب لثروات بلاده، فشكرا للعدالة الإلاهية ولعدالتنا المُوقرة التي قامت بالواجب وزيادة على الأقل في هذه الفترة الحرجة من عمر بلادنا، ونتمنى فقط أن تُكمل صنيعها وتُحاكم هؤلاء مُحاكمة حقيقية لا مُجرد تمثيل كما حدث في مصر مع مُبارك وعائلته، بعد سنوات هم الان خارج أسوار السجن ينعمون بالحرية في حين أنه هناك أبرياء مازالوا يُعذبون ومحرمون من أهاليهم بسبب تهم جاهزة.
ففي عهد الرئيس السابق كانت العدالة شبه مُغيبة وتعمل لصالحهم، تحميهم وكل شركائهم من العقاب، وهذا بسبب القوانين الجاحفة التي سنوها، ألغوا عمل الضبطية القضائية وجعلوها في يد النائب العام المُتحكم فيه أصلا، لعبوا بالقانون وأخلطوه فقط لكي يُفلتوا من الحساب، ولأن دوام الحال من المُحال فقد سقطت الأقنعة وظهر كل واحد على حقيقته، كل تلك الأكاذيب والأوهام التي عمروا بها رؤوسنا عن الوطن وحبه، الوطنية وغيرها من الشعارات المُزيفة التي كانوا يتغنوا بها وقت اللزوم بانت وظهر الحق وزهق الباطل. المُحاكمة لم تنتهي بعد وما قضية السيارات وصرف الأموال على الحملة إلا بداية لسلسلة من التهم أبطالها وزراء ومسؤولون سامون في الدولة، والأيام القادمة ستكشف عن ملايير أخرى ضائعة وسط البنوك الدولية وفي شكل عقارات ومشاريع داخلية وخارجية والتي لن نسترجعها بسهولة لأسباب وأخرى منها رفض هذه البلدان إعطائها لنا، تواجدها في بلدان رأس مالها وقيامها مقرون بهذه الأموال، لذا الأمور لن تكون سهلة كما نتصور ونتمنى، والعملية ستستغرق الكثير من الوقت وخاصة تلك المُتعلقة بالخارج، لكن رغم هذا سنصبر وننتظر، نُجند دبلوماسيتنا وعلاقتنا الخارجية ونجد حلا قانونيا يسمح لنا بإسترجاع كل ثرواتنا ولو في شكل إستثمارات لهذه الدول.
فيا سبحان الله كل هذه الخسائر والكوارث ويُصرون على البراءة، ويدعون عدم معرفتهم بأمور عديدة، كل واحد يُلقي التُهمة على الأخر ليُفلت من المُحاسبة، أخرون فضلوا الصمت وعدم ذكر الحقائق ووو، فهل هذا بسبب الصدمة والذهول البادي على وجهوهم طيلة فترة المُحاكمة أم لحاجة في نفس يعقوب؟ وفي الأخير نقول أن الحكم النهائي كان بمثابة الضربة التي قصمت ظهورهم وذبحت كل أمل في البراءة والتخفيف، فاليوم كل من شارك في هتين الجريمتين نال عقابه.
وسيبدأ حياة جديدة لكن ليس في كنف القصور وفوق الحرير، لن تكون هناك الإمتيازات والحصانة، الطعام اللذيذ والشهي، والمستشفيات الراقية والمتطورة، وغيرها من الأشياء التي تمتعوا بها وحرموا منها المُواطن البسيط بجشعهم وعدم قناعتهم فهته المُحاكمة ستبقى راسخة في أذهاننا، وهؤلاء سيكونون عبرة لمن لا يعتبر ودرسا لكل من تُخول له نفسه السرقة والنهب، سيدخلون التاريخ لكن من الباب الضيق وسيبقون ذكرى سيئة ومثالا حيا للمسؤول الذي يعتبر المسؤولية تشريف وليس تكليف.
كاتبة من الجزائر