الجنون ضد الكرد

أحد, 10/13/2019 - 12:38

د. عبد الستار قاسم

يعاني الكرد من ظلم عظيم، وهم لا ينتهون من حرب يتم شنها عليهم حتى تبدأ حرب أخرى، ومأساتهم أنهم موزعون على عدد من الدول. وهم أنفسهم لا يقتصدون في ظلم أنفسهم في اتخاذ قرارات حمقاء وانتهاج سياسات عدائية للدول المتواجدين فيها.

تعمدت الدول المنتصرة في الحرب العالمية الثانية توزيع الكرد على عدد من الدول من أجل إبقاء المنطقة في حالة عدم استقرار، وزاخرة بالفتن والحروب. وهكذا كان بعض مقصدهم في إقامة الكيان الصهيوني. كانت تعي الدول الاستعمارية أن فلسطين لن تكون وطنا قوميا لليهود بدون حروب وفتن وسفك دماء؛ وكانت تعي أيضا أن الكرد ليسوا أقلية صغيرة قابلة للاندثار، وأنهم سيطالبون بحقوق قومية في يوم ما، وهذا يكفي لإشغال إيران وسوريا والعراق وتركيا. ومنذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، والمنطقة العربية الإسلامية لم تشهد استقرارا ولم تهدأ فيها الحروب.

الكرد يستحقون استقلالا، ويستحقون الرعاية الإنسانية الجيدة من قبل الدول التي يتواجدون فيها. والمؤسف أن الدول الحاضنة لهم تصرفت بطريقة قمعية ضدهم، واعتبرتهم ضد القوميات التي يتفاعلون معها. وهم لا ينتهجون سياسات تقيهم الشبهة، وترسي قواعد الاطمئنان لدى الدول التي يحملون جنسيتها. لقد أثاروا العراق وكل العرب عندما تحالفوا مع الصهاينة، وهم فعلوا ما يشبه ذلك عندما تحالفوا مع الأمريكيين ضد سوريا. وحاولوا مؤخرا إعلان الاستقلال عن العراق لولا أن دولا عالمية حذرتهم من عواقب ما يفعلون.

العرب والأتراك والإيرانيون ظلموا الكرد وما زالوا يظلمون على الرغم من أن لهم حقوقا قومية، ولهم حق كباقي الشعوب بكيان مستقل. وبدل أن يعمل الأتراك والعرب والإيرانيون على وضع قضية الكرد على جدول أعمالهم والاستمرار في مناقشتها حتى إيجاد حل يرضي الجميع، لجأوا إلى الحروب كما تفعل تركيا الآن. العاقل هو من يتدارك الأمور قبل تطورها إلى الأسوأ. تركيا تتعجل الأمور ولن تحقق مسعاها في إخضاع الكرد، والكرد ارتكبوا خطأ فادحا عندما وثقوا بالأمريكيين ظنا منهم أن الأمريكيين سيقيمون لهم كيانا وسيتمسكون بصداقتهم. الآن أدرك الكرد أن لا الأمريكيين ولا الصهاينة لهم أمان، أو يمكن أن يلتزموا بعهد أو ميثاق. الصهاينة لن يحاربوا العرب من أجل الكرد، وأمريكا لا تضحي بعلاقاتها مع تركيا من أجل الكرد. وإذا كان الكرد سببا في توتير العلاقات بين إيران وتركيا، وبين تركيا وروسيا فإن ذلك يثير إعجاب أمريكا ويفرحها. آن للكرد أن يفكروا مليا بسياساتهم والعناوين التي يمكن أن يجدوا حلولا لمشاكلهم من خلالها. لكن كل هذا لا ينفي حقهم. ومطلوب من كل مثقفي العرب والعجم أن يدفعوا باتجاه حل القضية الكردية بما يكفل للكرد حقوقهم كما هو الحال للعديد من الشعوب. وواضح أن الكرد لا يتقنون الفكر السياسي، وليس لديهم منظرون سياسيون يمكن أن يهتدي بهم قادتهم. إنهم يرتجلون السياسات ارتجالا دون تفكير عميق يأخذ بالحسبان مختلف القوى الفاعلة في ساحة المنطقة والإمكانات المتوفرة لكل طرف.

مطلوب من الكرد الآن الخروج من تحت العباءة الأمريكية، والعودة إلى الجمهورية العربية السورية. أمريكا ورطتهم عندما منّتهم بالخير، وظنوا أنها ستمنع الأتراك عنهم. ورطوا أنفسهم وتحولوا إلى متآمرين على سوريا. وإذا كان للمثقفين العرب أن يساندوا السعي الكردي لانتزاع الحقوق فإن عليهم أن يطلقوا إسرائيل وأمريكا. المثقفون العرب لا يقفون ضد دولهم وإنما ضد أنظمة العرب التي تحكم دولهم، وهم لن يؤيدوا من يتعاون مع أعداء الأمة.

وسبق أن طرحت حلولا قد يكون لأحدها قابلية للتطبيق وهي:

أن تتم وحدة إسلامية تجمع الكرد وإيران وسوريا والعراق وتركيا. الوحدة الإسلامية ليست قومية، وكل قومية فيها يتحقق لها إنصاف في إدارة الاتحاد.

أن يحصل الكرد على دولة مستقلة في إقليم كردستان المجزأ حاليا.

أن يقام حكم ذاتي موسع للكرد يشمل كل جغرافيا كردستان، وأن يبقى كل جزء من أرض كردستان الكبرى في ذات الوقت ضمن سيادة الدولة التي هو إحد مكوناتها الجغرافية.

الحل الثالث هو الأقرب للتطبيق ضمن ظروف المنطقة القائمة حاليا، ومعادلة إقامة هذا الحل ليست سهلة لكنها ليست مستحيلة.

في كل الأحول، مطلوب من الأكثرية أن تراجع حساباتها عندما تهب الأقلية مطالبة بحقوقها. على الأكثرية أن تسأل نفسها أين أخطأت حتى عبرت الأقلية عن استيائها. وفي كل الأحوال، الحروب على الكرد لن تنتهي بنصر لا لتركيا ولا لغير تركيا. إذا تمكن الأتراك من إسكات الكرد الآن فذلك مؤقتا. التاريخ لا يتوقف عند نتيجة حرب، وإنما قد تهدأ أحداثه عند إرادة شعب.

كاتب واكاديمي فلسطيني