هل يدعم خروج ولد أمات فكرة نهاية المعارضة كما نعرفها " مدرسة نتعلم منها ثم نطبق ما تعلمنا في مكان آخر"

جمعة, 05/03/2019 - 14:51
الشيخ الحسن البمباري

الشيخ الحسن البمباري 

ما إن أعلن عن الأسماء المترشحة للانتخابات يونيو 2019 حتى اشتعلت نار التخندق و التحيز السياسي كل لجهة و نصير أو لمرشح أو فكر،

إلا أن هذا التنقل كان من السهل فهمه في إطار الصفوف المتأخرة من السياسيين و الناخبين و كذلك الحركات و الأحزاب الأكثر ليونة، إلا أن التنقل السياسي كي لا أقول "الترحال السياسي" أصبح عاملا أكثر تهديد للمؤسسات السياسية الراسخة التي تصف بأنها قلعة من تدرج فيها حتى برجها الأعلى يصعب أن يتم إنزاله منها.

كانت البداية المثيرة مع تدوينة للنائب خاديتا ملك جالو وصفت فيها ترشيح الدكتور محمد ولد مولود بالانتحار السياسي، إضافة إلى الشرخ الكبير الذي شهده الحزب في الفترة التي سبقت الانتخابات البلدية و البرلمانية الماضية "2018" و هو ما أدى إلى ما شيبه الخروج من أحد رجالات التقدمية في موريتانيا محمد المصطفى ولد بدر الدين الذي اعتزل رفقاء الأمس دون الإعلان عن موقف محدد،

الضجيج ارتفع حين أعلن نائب رئيس حزب تكتل القوى الديمقراطية محمد محمود ولد أمات استقالته من الحزب، الذي خاص فيه نضالا كبيرا و لفترة ليست بالقصيرة، استقالة ولد أمات كانت فعلا سياسيا عاديا في حينه ووقته خاصة أن الأحزاب السياسية الموريتانية مشابهة كثيرا للبيئة الموريتانية كثيرة الهجرات مع كل موسم و لكل موسم اتجاه في الهجرة،

 

ما كان مفاجئا في رحلة خروج ولد أمات من التكتل هو انضمامه للمرشح محمد ولد الشيخ محمد أحمد ولد الغزواني، والمفاجئة التي نقصد هي إن الرجل وقف كثيرا في وجه ولد عد العزيز بعد دعم سريع من حزبه لانقلابه، إلا أن كل من في الساحة يصنف ولد الغزواني الوجه الآخر لولد عبد العزيز فالمرشح نفسه حين صرح لأحد المواقع الموريتانية وصف ولد عبد العزيز بالأخ حتى قبل أن يكون رئيس، و إن استدرك أن الأخ ليس ضرورة أن يشبه أخاه، -إلا أن الواقع يقول إن للأخوة مالها من حفظ أواصر الرحمة و المودة و أشياء أخرى-

استكملت رحلة ولد مات فعلا حقيقة مهمة عن نضالات  المعارضة الموريتانية فالرجل صرح "انه وجد ما كان يناضل من أجله عند المرشح ولد الغزواني"، إلا ان هذه الحالة أكدت أن  بنية السياسة بشكل عام لا تشبه أي بنية أخرى فميزتها الأهم هي الليونة و المطاطية، كما أنها ليست مشابهة على الإطلاق لبنية النضال الذي يؤسسها الموقف و الحدة و التصلب، فالنضال السياسي نضال من نوع خاص يمشي خلف بوصلة المصلحة "دون تحديد طبيعة و مدى تلك المصلحة" حيث ما وجدت.

انضمام ولد أمات للمعسكر الذي حارب ضده كثيرا، يصوره البعض في كل السقطة التاريخية التي أنهت الرجل كليا ولكن لو كان السقوط السياسي ينهي أيا كان لكان رجال كثر قبله قد انتهى مستقبلهم السياسي، و لكنها تؤكد على مؤشرات أخرى  أكثر أهمية و اكبر حتى من أي سياسي مهما بلغت قيمة تجربته النضالية وهي  :

أن ما يوصف عاطفيا بالسقوط السياسي (الانبطاح، اتكلبتي، التغزون...) ما هو إلا موقف سياسي كما هو حال التموقع في الطرف الآخر.

أن الفضاء السياسي الموريتاني مازال فضاء ينتقي على أساس الأشخاص لا البرامج ، و تحكمه مرجعية الشخص لا الضمير العام سواء السياسي أو الوطني .

و أن ما يوصف بالقلاع النضالية ليس شيئا موجود في الواقع و إنها هي إحدى الحكايات الكبرى كما يراها جاك داريدا.

أن القناعة السياسية عموما في السياسة هي شيء متحرك جدا و متقلب و لكنها مازالت تصور هنا و كأنها دين لا يجوز لأي كان أن يرتد عنه و هو ما يمثل جمودا كبيرا في الساحة السياسية في البلاد عموما.

في حين أن البنية الحزبية تفرض على معظم من يملكون الطموح السياسي بالخروج منها خاصة أنها تكرس فقط سلطة الشخص الواحد، و وهو ما يجعلها أشبه بالفصول الدراسية نأتيها لنعلم ثم نذهب لنطبق ما تعلمنا في مكان آخر.

من غير المنصف تصنيف الساحة السياسية لبلد ما راكم قرابة الستين سنة من النضال بناء على حراك شخصي، ولكن التحيزات السياسية لمن يريد فهمها عليه أو أولا إدراك التحيزات والوشائج الاجتماعية ثم المصالح الاقتصادية و الطموح، و بعد ذلك فل يبدأ في التبصير السياسي.