الجزائر… هل نحن بصدد “أزمة”.. ام تم الحل وشيك؟

سبت, 03/30/2019 - 07:14

جمال حضري
وأخيرا خرج قائد الجيش بخطته البديلة لخطة الرئاسة. وانطلاقا من اعتبار البلد يواجه أزمة لا ينبغي أن تخرج حلولها عن الإطار الدستوري، طرحت الخطة المادة 102 من الدستور الجزائري مخرجا “يتعيّن” بل “يجب” الأخذ به.
وبعد القراءة المتأنية للخبراء، تبين أن تطبيق هذه المادة لن يشكل حلا إلا وفق حلول مرافقة، ولذلك أشار خطاب الجيش إلى توافق جميع الأطراف، ومنها ضرورة استقالة الرئيس “المقال شعبيا”، قبل نهاية الولاية رسميا في 28 أفريل 2019 للحؤول دون تعقيدات أخرى، ليس أقلّها المانع “القانوني” أو “السياسي” لرئيس مجلس الأمة من اعتلاء منصب الرئاسة بالنيابة، ومن ثم يؤول إلى رئيس المجلس الدستوري، وكلا الرجلين الذين يشغلان المنصبين “مُقالان شعبيا”، لكونهما من عناصر النظام المطلوبة رؤوسهم من قبل شارع حسم أمره وأصدر حكمه.
أما التعقيد الثاني فهو الصلاحيات المحدودة للرئيس المؤقت، حيث يمتنع عليه تعيين حكومة أو إقالتها، وحيث إن الحكومة مقالة “شعبيا” و”قانونيا” من قبل الرئيس المنتهية شرعيته الشعبية، نكون أمام ضرورة تعيين حكومة قبل إعلان الاستقالة وهكذا، أما المطلب الأساسي وهو لجنة تنظيم انتخابات محل ثقة الشعب، فلن يتسنى تشكيلها إلا في إطار توافق سياسي، لأن أي سبيل أخرى ستؤدي إلى إعادة إنتاج النظام الفاسد.
لسنا هنا بصدد البحث عن مخرج للأزمة، بل بصدد تبديد منطلقها وأساسها. ففي منظور الثوار السلميين، لا توجد أزمة إلا بالنسبة لمن يريد تأبيد النظام الفاسد ويبحث عن مخارج تقيه النهاية المحتومة. أما البلد فيعيش حياة جديدة، رجع فيها الوطن إلى مواطنيه، والسيادة إلى أصحابها، والشرعية إلى منبعها الأصيل.
منبت الأزمة يكمن في هذا التماهي الشاذ بين الحاكم والوطن، وبين الوطنية والولاء للحاكم، وبين السياسة والفساد، وبين الانتخاب والتزوير، وبين الكفاءة والتهميش، وبين الاغتناء والسرقة الخ. والنتيجة الحتمية هي هذه العملية القيصرية التي يراد القيام بها لفصل هذه الثنائيات بعد أن عمّرت سنين طويلة، فإذا التشوهات قد ألحقت بكيان الدولة من التحوّل والتحلّل ما جعلها عملية غاية في الخطورة على الجميع.
هي إذا قضية لا تخص الشعب في قليل أو كثير، لأنه لم يثر من أجل احترام وثيقة الدستور التي لم يحترمها حتى واضعوها، وتاريخ التعديلات شاهد على بؤس المصير الذي ينتظر كل وثيقة دستورية تتعارض والطموحات المريضة للحاكم المتفرّد. هنا بالضبط انعقدت عقدة الفساد السياسي، حين تم التعدّي على التنظيم المؤسساتي للدولة الذي تحكمه فلسفة الرقابة المتبادلة والتوازن بين السلطات، لصالح صاحب السيادة وهو الشعب، فتم تعطيل كل تلك الاحترازات والمحاذير تحت وطأة حكم الفرد من خلال التجميع التدريجي للسلطات في اليد الواحدة، والتغول الهمجي على الشعب وحشره في زاوية “الوصاية” بدل “السيادة”.
وها هي علامة إذابة سلطات الدولة في سلطة واحدة بائنة بينونة عظمى، فلا رئيس مجلس الأمة مؤتمن على رئاسة انتقالية، لأنه صناعة رخيصة وشائهة لسياسي تابع لم يسمع له يوما صوت يميزه كرجل حكم، بل لم يكفّ في كل مناسبة عن تأكيد ولائه العضوي “للرجل المريض” ووكلائه. والحال ذاتها تنطبق على رئيس المجلس الدستوري المعين أخيرا، بعد أن كان مستشارا في القصر الرئاسي لمدة طويلة لم يكن فيها بعيدا عن مؤامرات الحكم وصفقاته المشبوهة وخصومات العصب داخله أو خارجه، بل إنه في خطاب التعيين أكد بوضوح أنه لا ينسى ولاءه للرئيس قبل ولائه للشعب والوطن.
فهل يا ترى تجاه هذا النظام المشوه، الذي التصقت سدى عناصره حتى لم يعد يعلم رأس فيه من قدم، يتم البحث عن مخرج؟ أم يجب البحث له عن مدفن سحيق، ينهي ذكره وفكره، وباطنه وعيانه؟
إن المنطلق ليس “أزمة” نجد لها حلا، بل المنطلق ثورة سلمية نبحث لها عن تجسيد، وليكن وفق وثيقة الدستور في مواده المقرّرة لسيادة الشعب، ومن ثم الانطلاق من توافق مبدئي مَعْلمُه الوحيد هو موافقة الشعب. وفي هذه الحالة فقط يكون النظام السياسي للبلاد قد أخذ طريقه السليم متمثلا في إرجاع الكلمة لصاحبها، وتم بالفعل رمي النظام الفاسد خلفنا، ولم تعد تشغلنا مناورات عصبه الآيلة للزوال، ولا المخارج التي تلائم طرفا فيه على حساب آخر.
إن ما بني على باطل سيظل باطلا مهما طال به العمر ومهما تزيىّ من لبوس، والنظام الفاسد بني على حكم الفرد، وكل مخرج لا يصادر على نهاية حكم الفرد سيؤبّده بشكل من الأشكال، حتى ولو كان من خلال مؤسسة لا تزال تحظى باحترام الشعب.
لقد أسقطنا حكم الفرد من الجذور، والبحث له عن مخرج دستوري سيبقيه مهما بدت صور التخريج مستجدة، وحدَهُ التدبيرُ والتوافقُ السياسي هو الذي يزرع نبتةً طيبةً في أرضٍ طيبة، يرعاها الشعب وينميها ويصبر عليها حتى تستوي لأنها نبتته وزرعه، أما غير ذلك فلن يشعر الشعب بقطف ثمرة ثورته، بل بالالتفاف عليها إن لم يكن سرقتها.
وهنا لابد للطبقة السياسية النظيفة التي بقيت بعيدا عن دواليب السياسة الفاسدة من الاصطفاف إلى الخيار الجذري للشعب، ولا تستهويها الصفقات التي يجيدها ويبرع فيها الفاسدون، ليس الوقت للصفقات التي توفر عمرا إضافيا للحكم المريض تمكنه من استعادة الأنفاس وترشيح بدائل، بل الوقت لسرعة التوافق وتناسي الخلافات والنعرات، والاستماع الجيد والفهم الأجود لصوت الشعب باعتباره البوصلة الشرعية الوحيدة لهذا التغيير المطلوب.
إذا أدت الطبقة السياسية هذا الدور التاريخي، تكون قد فهمت قراءة اللحظة التاريخية، وأدت الدور الملائم، وأسندت شعبها في أصعب لحظات التحوّل، وهو لحظة المناورة والتلاعب وإعادة التموقع، وهذه الأوراق كلها ستسقط في ماء الحقيقة إذا تم الالتفات حصرا إلى قرار الشعب بترحيل كل الفاسدين إلى سلة النّسيان.
كاتب جزائري