الايام المحيرة في الغضب والعدوان (1) بقلم / فريد حسن

أربعاء, 03/20/2019 - 21:58

لماذا نكون غضوبين عدوانيين في ايام وفي غيرها لا نكون ؟
سؤال طرحته على نفسي كثيرا ويطرحه غيري من الناس بشكل او بآخر عندما يجد الانسان نفسه غاضبا دون مبرر للغضب فيتصرف بعدوانية تجاه نفسه والآخرين دون ان تكون هناك اسباب تبرر حجم هذا الغضب .
كان هذا مجرد شعور او احساس لعاطفة داخل نفسي- لذلك اردت البحث عن طريقة اجد فيها لتساؤلي جوابا !
حملت مجموعة من مؤلفاتي السابقة وتوجهت الى قيادة شرطة حلب لأرى ما اذا كان بالإمكان مساعدتي في حل اللغز الذي افكر يشغل بالي , قد يسال القارئ وما علاقة مؤلفاتك السابقة بالموضوع ؟ نعم فانا ذاهب بشكل شخصي إلى ضابط برتبة عميد, وقته مخصص لأمور اخرى وليس لمساعدة الباحثين او مدعي البحث , تم تحويلي إلى القسم المختص في قيادة الشرطة , عرفت العميد رئيس القسم بنفسي ومهمتي , وقدمت له مجموعة من مؤلفاتي ووجدته يعرفني من خلال كتاباتي الدورية في الجريدة اليومية المحلية (الجماهير) ووجدت انه يتابع ابحاثي التي انشرها , حمدت الله لانني ساجد اذنا صاغية يمكن ان تتعاون معي , قال لي ماهي الخدمة التي يمكن لي ان اقدمها لك !
قلت له قبل كل شيء هل توافقني في الشعور او الاحساس بان هناك اياما تتصف بالغضب والعدوانية واياما غيرها تكون غير ذلك ؟ قال نعم ! قلت وانتم هنا في قيادة الشرطة هل تكونون في ايام منهمكين منشغلين متعبين مع الحوادث وفي ايام اخرى تكونون في حالة من الاسترخاء والراحة ؟ قال فعلا هذا ما كنا لا نجد له تبريرا !
قلت له وهذا ما جئت من اجل ان اجد انا له تبريرا , قال وما هو المطلوب منا ؟ قلت اريد احصائية اجعلها اساس دراستي .
رن الجرس فحضر مساعد في الشرطة – حياه تحية عسكرية وقال نعم سيدي ؟ قال له رئيسه : إن الاستاذ يريد منا احصائية عن حوادث القتل والمشاجرات والانتحار قال المساعد سأجهز الاحصائية بعد اسبوع , شكرت رئيس قسم الاعداد والاحصاء منتظرا قدوم يوم الموعد الذي حدده لي .
جئت في الموعد المتفق عليه وكانت الاحصائية جاهزة على مكتبه – لم تكتمل فرحتي عندما وجدت ان الاحصائية شهرية لمدة سنه وهي ليست يومية !
رغم اني كنت حدثته اني ابحث في الأيام لكن المساعد أعد لي احصائية شهرية , وبذلك عدنا الى نقطة الصفر حيث لن تفيدني هذه الإحصائية في شيء , حاورته في سبب عدم استفادتي منها وقلت له اريد عدد كل نوع من هذه الاعمال العدوانية يوميا – كل يوم على حدى , امتعض الرجل وقال هل تعرف ان المساعد لم يقم بأي عمل وظيفي الاسبوع الماضي بحجة انه منكب على تحضير الاحصائية التي طلبت- فكيف لو قلت له اريدها يومية فقد لا ينجزها في اسابيع او اشهر- اعتذر منك انا لا استطيع ان اعطل اعمالنا في عمل هو اصلا ليس من مهامنا !
قلت له سيادة العميد : عندي اقتراح لا اعرف إن كان ممكنا تحقيقه ام لا ؟
قال : وما هو اقتراحك قلت أستخرج المعلومات انا بنفسي من السجلات ( وكانت المعلومات إلى تلك الفترة غير ممكننة بعد) قال اتعرف ماذا يعني ذلك ؟ قلت لا اعرف قال : إن ذلك يعني اننا سنضع بين يديك المغلف اليومي للاحداث وفيه كل انواع مخالفات القانون وبالاسم الحقيقي للاشخاص (قتل – سرقة – تهريب – جرائم اخلاقية – مخدرات – سلاح – عملة – مشاجرات – انتحار الخ ) هل تعرف لو انك اطلعت على مثل هذه الامور وقمت بفضح سريتها ماذا يحدث ؟ قلت له اعدك بان ذلك لن يحدث بل انني اصلا لن اقرا أي ضبط خارج بحثي لانني ساترك عملي الخاص ( حيث كان عندي وقتها روضة اطفال صارت بعدها مدرسة خاصة) أي انني في حاجة لوقتي ولن أضيعه في مثل تلك القراءات – وافق مكرها – شكرته وبدأت عملي نفس اليوم – استمر عملي لاسبوعين متتاليين حتى انتهيت من تبويب الاعمال العدوانية لخمسة اشهر فقط – لعلي اصل إلى دلالات محددة !
بدأت بصنع جداول يوميه ووضعت فرضياتي لما يمكن ان يكون سببا في زيادة هذه الاعمال في يوم ونقصانها في آخر .
ففي يوم ثلاث جرائم قتل وفي اماكن متفرقة في محافظة حلب البالغ عدد سكانها حينها نيفاً واربع ملايين وتتلوها عشرون يوما دون جريمة واحدة , أليس أمرا محيرا, وفي يوم خمسة عشر مشاجرة في مناطق متفرقة وفي اليوم التالي ثلاث أو تكون لايام متتالية عالية لتاتي ايام متتالية منخفضة – وفي يومين متتاليين انتحار بينما شهر دون انتحار – في يوم خمس وعشرين حادثة سير وفي اليوم التالي خمس فقط اليس كل هذا محيرا ؟
من هنا جاءت تسمية النظرية بالايام المحيرة في الغضب –
ومن الفرضيات الكثيرة التي وضعتها للنظرية كان المناخ واحدا منها فاتجهت إلى دمشق لاحضار احصائية للمناخ عن نفس فترة الاحصائية التي اخذتها من قيادة الشرطة حيث شملت احصائية الارصاد الجوية ( الحراة الدنيا والعليا لكل يوم – وكذلك الرطوبة العليا والدنيا – واتجاه الرياح – والضغط الجوي – والطقس ( غائم – ماطر- صحو – سديمي- ضباب- الخ) ومن الفرضيات اثر المد والجذر – والعامل الاقتصادي اول الشهر وآخره – واثر الصوم في شهر رمضان المبارك – والاعياد – والعامل العصبي النفسي في نهاية الاسبوع – وبدايته – وفي يوم العطلة – والرقم 13-(الذي كتبت فيه تعليقا عندما صادف جمعة وكانت احداث باريس )
وبعد صدور الكتاب الاول نال الكتاب اهتماما كبيرا من المسؤولين في الجامعات السورية ووزارات الثقافة والاعلام ومن مفكرين وكبار المسؤولين في وزارات الداخلية والعدل- وقد القيت محاضرات عديدة في موضوعه في حلب ودمشق وادلب والعديد من مناطق حلب وادلب – وكتبت عنه عشرات الاعداد من الصحف والمجلات حينها وكان من الانتقادات قصر مدة الدراسة !
هناك مثل شعبي سوري يقول بالعامية (اللي بياكل العصي مو متل اللي بيعدها ) يعني ان الذي يتعب ويتالم ليس كمن ينظر اليه او يسمع عن تعبه فالخمسة اشهر تتطلبت مني اسبوعين دوام كامل في قيادة الشرطة واكثر من سنتين بحث ومراجع وسفر وسهر وكتابة وتنضيد وطباعه ……….الخ من اعمال !
لكن الاهتمام والتقدير الذي لمسته من المثقفين والمسؤولين دفعني إلى تحقيق رغبة الكل في توسيع البحث وقد فعلت حيث بدات محاولة الحصول على احصائية اطول من قيادة الشرطة في حلب لمدة سنتين واستمرت محاولتي فترة لابأس بها حتى وصلت إلى غايتي لكن دوامي في قيادة الشرطة هذه المرة كان لاكثر من شهرين نقلا للمعلومات من البرقيات الواردة إلى قيادة الشرطة بنفسي وعند اتمام العمل وقبل الطباعه كانت لي زيارة إلى اوربا فاتصلت بباحثين في علم النفس الاجتماعي في كل من جامعتي بروكسل في بلجيكا وبون في المانيا حيث اطلعتهما على نتائج بحثي وعرفت رأيهما في ما وصلت اليه والى كيفية الاستفادة من النتائج –
وقد حاولت جاهدا ان اجد من يضع لي طريقة رياضية تمكن من اعطاء تقييم للتفاعل بين العوامل المؤثرة في الزيادة والاخرى المساهمة في انقاص الغضب .
لاننا كما سنرى عند الحديث عن كل عامل ان عوامل تتسبب في زيادة الغضب – واخرى تتسبب في نقصانه – وغيرها من العوامل التي افترضت لاعلاقة لها لا بالزيادة ولا بالنقصان مثال ذلك الرقم 13 الذي يتشائم منه البعض !
وفي محاضرة للدكتور فاضل سكر عميد كلية الهندسة المعلوماتيه في جامعة حلب التقيته في نهاية المحاضرة وطلبت منه موعدا للقائه واتفقنا على الموعد – وكان اللقاء وحدثته بالنظرية التي اعجب بها كثيرا وابدا استعداده لمساعدتي فقلت فقط اريد ان تمكنني من معرفة ناتج خلط العوامل الحاصلة في يوم واحد حيث يرفع بعضها من الغضب وينزل غيرها منه – فقال ان ذلك من صلب اختصاصي –(ومن الناس عرفت فيما بعد انه من العقول المعدودة على مستوى العالم في البرمجه) وفعلا اعتبر النتائج التي قدمتها اطروحة دبلوم للطالبة الاولى لتلك السنه ( رفاه مختار) التي برمجت النظرية باشرافه وتوجيهه كل الشكر لعميد الكلية الدكتور فاضل سكر – ولقيادة شرطة حلب – ومديرية الارصاد الجوية بدمشق !
لقد صار بالامكان ان تعطي الكومبيوتر معطيات عن يوم انت فيه او عن ايام قليله قادمة فيعطيك سلفا نسبة تزايد اوتناقص الاعمال العدوانيه بحيث يمكن للافراد او الجماعات او الهيئات بشتى اشكالها الاستفادة من هذه التوقعات لما سياتي من ايام .
كما ترجم الكتاب بجزأيه إلى اللغة الانكليزية وسجل الكتابان طبعا في وزارة الاعلام حيث صدر الاول عام 2000م والثاني عام 2006م وإلى حلقات قادمة للحديث في العوامل المؤثرة سلبا او ايجابا في الغضب والعدوان (ان شاء الله ) دمتم بخير