الخطر المحدق بسفينة الجمهوريين بعد استقالة أخر العقلانيين

سبت, 01/05/2019 - 11:38

د. محمود البازي

بدأ الانقسام يظهر إلى العلن ولم تكتف الأوساط الجمهورية بالنقد الداخلي بل تعدت الموضوع إلى النقد العلني للرئيس ترامب. انها بوادر تشكل معارضة داخلية داخل الحزب الجمهوري للرئيس دونالد ترامب. بعد المقالة التي نشرها “ميت رومني” في الواشنطن بوست، حيث أشار رومني إلى أن حكم ترامب في طريقه إلى الانزلاق. وتابع رومني الذي بدأ عمله في مجلس الشيوخ ممثلا لولاية يوتا الخميس “سلوكه خلال العامين الماضيين إجمالا دليل على أن الرئيس لم يرق إلى مستوى المنصب”. بعد رومني توقع مستشار للرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الابن أن يستقيل الرئيس الحالي دونالد ترامب من منصبه في عام 2019 مقابل حصانة تمنح له هو وعائلته، بحسب مجلة نيوزويك.

وقال المستشار السابق ألان ستاينبرغ إنه لا يعتقد أن ترامب سيعزل من منصبه، بل سيتقدم باستقالة في 2019 مقابل حصوله على الحصانة.

وقال فريدمان قبل ذلك في النيويورك تايمز “أؤمن بأن الخيار المسؤول الوحيد أمام الحزب الجمهوري اليوم هو أن يتدخَّل موضِّحاً للرئيس أنه لو لم يُحدِث تغييراً جذرياً في سلوكياته -ولا أحسب هذا مرجَّحاً- فلن يكون أمام قيادة الحزب خيارٌ سوى الضغط عليه لأجل تقديم استقالته أو الانضمام إلى الأصوات المنادية بسحب الثقة منه”. بعد كل التصريحات سابقة الذكر ما الذي يدعونا إلى الاعتقاد بأن سفينة الجمهوريين تغرق ولابد من عملية انقاذ فعلية يقوم بها الجمهوريون أنفسهم.

تبدأ القصة منذ الانتخابات الرئاسية السابقة والتي فاز بها ترامب بشكل مفاجئ وخلافا لاستطلاعات الرأي. منذ ذلك الوقت بدأ الرجل بربط الحزب الجمهوري باسمه وعلى ما يبدو تحول الحزب إلى حزب ترامب. إن الانقسامات الداخلية الأمريكية ليست بالأمر الجديد والطفرة إنما هي متجذرة في عمق التاريخ إلا أن هذه الانقسامات كانت بين الحزب الجمهوري والديمقراطي.

أما اليوم فنحن نشهد انقساما حادا ليس فقط بين الحزب الجمهوري والديمقراطي بل نشهد كذلك انقساما في الحزب الجمهوري نفسه. لا ريب أن سياسة الرئيس داخليا هو السياسة الأفضل بالنسبة لكلا الحزبين فانخفضت معدلات البطالة وارتفعت الأجور وقللت الضرائب و.. أما الخلافات فهي في السياسة الخارجية.

ـ أولا: الخروج الأحادي من الاتفاق النووي الإيراني هذا الخروج الذي أجبر الحلفاء على البقاء والمقاومة ومحاولة الإبقاء على هذا الاتفاق.

ـ ثانيا: حصار قطر والدور المحوري لوزير الخارجية آنذاك “ريكس تليرسون” حتى أن البعض قال إن تيلرسون منع هجوما عسكريا ضد قطر. ليأتي الرئيس بعد ذلك ويقيل تيلرسون من منصبه دون أسباب واقعية تذكر. والذي اثار حفيظة الجمهوريين هو أن ترامب اتبع نفس سياسة تيلرسون بالنسبة للأزمة الخليجية.

ـ ثالثا: نقل السفارة الأمريكية إلى القدس. ظهرت الخلافات الحادة حول نقل السفارة فما هو النفع الذي سيعود على المواطن الأمريكي من هذه الحركة. وعلى ما يبدو أن الرئيس فعل ذلك لدعاية انتخابية مبكرة للانتخابات النصفية والتي خسرها بدوره حيث كسب الديمقراطيون الكونغرس وذهبت جهور ترامب سدى في محاولة لكسب رضا “الإنجيليين” هناك.

ـ رابعا: حتى وإن كان الحزب الجمهوري وقف إلى جانب الرئيس في قضية تمويل الناتو إلا أن لهم نظرة أخرى بالنسبة للحلفاء الأوربيون والكنديون فإلى جانب التكاليف المالية فهم يبقون حلفاء لا غنى عنهم، بل هم حلفاء تاريخيون للولايات المتحدة بينما تعامل معهم الرئيس على أنهم تابعين.

ـ خامسا: العلاقة المشبوهة مع العربية السعودية. منذ مقتل الصحفي السعودي “جمال خاشقجي” بدأت الخلافات بالتعمق وبدأت بالظهور إلى العلن. فموقف الرئيس المتخبط سعى إلى لملمة الموضوع والتستر عليه بينما سعى صقور الجمهوريون للتعبئة في الكونغرس ضد السعودية بقيادة “ليندسي غراهام”. وظهرت هذه الخلافات إلى الأوساط الإعلامية وبدأت الأصوات تتعالى بوجوب فصل الحزب الجمهوري عن الرئيس ترامب.

ـ سادسا: إن الشعرة التي قسمت ظهر البعير هي الانسحاب من سورية وإقالة “ماتيس”. استمرّ الجمهوريون بدعم الرئيس بصورة مطلقة ولم يتململوا ابدا ولم تتزعزع صفوفهم خلال الفترة الأولى من الفترة الرئاسية حتى مع خروج وزير الخارجية الأسبق “ريكس تليرسون” من الحكومة بطريقة “غير لائقة”.

إلا أن استقالة وزير الدفاع الذي فشل بإقناع الرئيس بالتخلي عن قراره سحب القوات الأمريكية من سوريا لم يكن سهل التقبل أبدا ليس فقط من قبل الديمقراطيين بل ومن قبل الجمهوريين أيضا. إن الأعراف الأمريكية تولي احتراما فائقا لرجال الجيش فإننا نذكر على سبيل المثال لا الحصر “جون ماكين” والهيبة التي كان يحظى بها لدى الأوساط الأمريكية نتيجة بقائه في الأسر لسنوات خلال حرب فيتنام. ومن هنا تنبع القيمة الأخلاقية لرأي الجنرال ماتيس التي ضربها ترامب عرض الحائط. ترامب الذي تراجع جزئيا عن قراره سحب القوات الأمريكية من هناك وقرر سحبها على مدى فترة زمنية وليس فوريا.

الجنرال ماتيس هو من أخر العقلانيين الذين خرجوا من إدارة الرئيس الأمريكي. وعلى ما يبدو أن الجمهوريون لن يرضوا أبدا بهذا الخروج الغير مناسب للجنرال ماتيس.

وهو بالفعل ما أشار اليه “رومني” حين قال إن حكم الرئيس بدأ ينزلق منذ ديسمبر في إشارة واضحة لاستقالة وزير الدفاع وخروج القوات الأمريكية من سوريا.

مع اقتراب نهاية التحقيق الذي يقوم به المحقق مولر بصمت. قد تتغير قواعد اللعبة وقد يبدأ الكونغرس كرد فعل على التعطيل الحكومي بالبدء بإجراءات عزل الرئيس. وقد تتبلور معارضة ذات معالم واضحة داخل الحزب الجمهوري يقودها من يسعى للترشح لإنتخابات 2020م. علينا أن ننتظر ونراقب بدقة.

دكتوراة في الحقوق  عضو  في كرسي حقوق الإنسان اليونيسكو