زيف القبيلة / الشيخ الحسن الوالد

جمعة, 05/15/2015 - 21:10

حكمت القبيلة النظام الاجتماعي الموريتاني لفترة طويلة ظلت خلالها النظرة إلى الجسم القبلي كوحدة اجتماعية مرصوصة يشد بعضها بعضا في تقسيم وظيفي بحت جعل النسيج الاجتماعي بين القبيلة والأخرى لا يختلف إلا باختلاف اسم القبيلة نفسها فهل ثمة جينالوجيا تخرج الزنجي والبربري ... من بطن الحساني في كل نموذج قلي مورتاني ؟ أم أن هذا البناء القبلي لا يعدو أن يكون تقسيم تحكمه الحاجة الوظيفية ؟ و أي وحدة ثقافية تتحكم فيها الدكتاتورية وليس التفاعل الأفقي ؟ و هل هذا عصر قبيلة المصالح؟  

في زيف هذه الجينالوجيا ثمة مرحلتين للطعن الأولى مسألة الانتماء للجد المشترك والثاني حكرية القيادة (أشياخة). على المستوى الأول فان مسالة الجد المشترك هي قضية متجاوزة وذالك بوجود كل الشرائح الاجتماعية داخل القبيلة الواحدة فأي انتماء مشترك هذا يجمع بين المتناقضات بالنسبة للبعد الدموي من (البيظان إلى لمعلمين إلى لحراطين و إيكاون و الشرفاء ... من المكونات الاجتماعية في الفضاء الموريتاني ) إن هذا التلون المفرط في الوضوح يؤكد استحالة انتماء هؤلاء إلى نفس الجد المشترك بأي حال من الأحوال الطبيعية التي عرفتا البيولوجيا الإنسانية  أو القبيلية في أي من المجتمعات البشرية منذ بداية التاريخ .وعلى المستوى الثاني الذي يعتبر من أهم عناصر النظام القبلي حيث غيب العديد من الشرائح عن جماعة الحل و العقد التي تعتبر اكبر سلطة (دستورية) في القبيلة و التي تحدد في بعض القبائل المشخية في القبيلة والتي تعتبر في القبيلة الموريتانية حكرا على مكون واحد من العناصر المكونة للنسيج الاجتماعي وهو الوحيد الذي يملك الحق في دخول الصراع على القيادة (أشياخة)داخل القبيلة هو ما يؤكد زيف هذا الانتماء فمادمنا نملك نفس الجد المشترك فمن الطبيعي أن نملك نفس الحظوظ في الحصول على القيادة داخل هذا الجسم الذي (من المفروض أن نكون جزء من نسيجه و تركيبته الدموية )  

والأكيد أن القبيلة الموريتانية كانت تتحرك بشكل وظيفي متكامل بين الأنساق الاجتماعية  حيث بنيت على مجموعة من الأدوار لكل مكون على حدة وعرفت الشرائح الاجتماعية بأدوارها التي تؤديها داخل القبيلة وليس بضرورة انتمائها الجينالوجي للقبيلة (فكان للزوايا دورهم و الصناع دورهم و لعرب هم الآخرون لهم دور داخل هذا النسق إضافة إلى الحراطين و ايكاون و الصلحاء و الشرفاء ...) حيث كان المجتمع في ما يشبه مرحلة " المهنة الهوية " حيث كانت هوية الشريحة تحدد من خلال مهنتها التي تؤديها و- تميزت هذه المرحلة بالكثير من الفاعلية والايجابية داخل النسق القبلي حيث أتقنت هذه الشرائح دورها و قامت به دونما حساب أو انتظار لمكانة اجتماعية من وراء القيام بهذا الدور- هذا التقسيم الوظيفي شكل تجاوز تام للبعد الجينالوجي الذي طالما كان حجر الزاوية في التركيب القبلي الذي اختفي أمام هذه الحاجة الوظيفية لأدوار العديد من الشرائح هو ربما يكون المفسر لاستنساخ التركيبة الشريحية داخل كل القبائل الموريتانية و هو ما يعني أن خلق هذه الشرائح كان حاجة لهذه القبيلة لتستطيع أن تصمد اقتصاديا وثقافيا وعسكريا ...وليس فعلا طبيعيا للبيولوجيا البشرية .

الأساس الأخر لنفي مصداقية القبيلة هو البعد الرأسي التفاعل داخل القبيلة وليس من بعد أفقي يسمح للجميع بصناعة الثقافة و الفعل الثقافي داخل المجتمع القبلي إذ من الفروض أن يشارك الذين يحصلون على درجة معينة من الحقوق أن يأخذوا مكانا في صناعة الرأي داخل القبيلة وليس فرض الآراء عليهم و بقائهم في موقع المتلقي للثقافة وليس الصانع والمسوق لها .

إن القبيلة ببنيتها المعاصرة وخاصة بعد سيطرة الدولة على المجال الجغرافي و دخول المجتمع المدني حيز المنافسة على الرعاية الاجتماعية .باتت القبيلة في مرحلة شبه سبات مما فرض قيام شكل جديد يقوم على المصالح الفردية و الفئوية حيث أصبح من الممكن أن تجد أربعة أشخاص يعلنون (مشخية) قبيلة (وان في شكل حزب سياسي ) أو تحريكها عند الضرورات السياسية حيث اختفت المعالم التقليدية للقبيلة (المجال رأس المال المشاعي (العام) الفدية و (اللوحة) التضامن الانشطار...) و باتت بحاجة فقط إلى مقر و ممول و مجموعة من شتى الناس لا يفرض بل غير مطلوب انتماؤهم لنفس الجد أو غير ذالك من محددات القبيلة (التقليدية) و بالتالي فان الشكل الجديد للقبيلة هو قبيلة المصالح و الاستغلال لهذا المكون الاجتماعي وعدم السماح له بالضعف أمام الدولة مادام من الممكن استغلاله لتحقيق المصالح السياسية و تشكيل جماعات الضغط على مراكز صنع القرار في الدولة (سياسيا اقتصاديا أو عسكريا...) .

القبيلة في المجال الموريتاني بين ماضيها وحاضرها كانت واجهة تتشكل حسب السياق الاجتماعي الذي توجد فيه وليس نسق اجتماعي وحركة طبيعية للفعل الاجتماعي و النسق التاريخي لصيرورة الحاجات و الأنساق الاجتماعية في هذا الفضاء الذي كان يحكمه التنقل و المثاقفة مع الجنوب الإفريقي (التكروري ... ) و حتى المشرق العربي (الهجرة الحسانية ) و التلاقح الذي أنتجه التفاعل مع القبائل البربرية التي كان لها مكانها في هذا الفضاء . تميزت القبيلة الموريتانية عن العديد من هذه النماذج ببروز الاختلاط الشريحي في مكوناتها فهل ستنجح الدولة المعاصرة في الاستفادة من هذا التنوع العرقي والثقافي ؟ أم انه سيكون مصدر توتر كما هو الحال الآن مع دعوات النبش في الماضي بل وحتى الاستقلال الذاتي ؟