الإسلام ... المسيس منه و السياسي حالة موريتانيا

جمعة, 10/05/2018 - 16:00
الشيخ الحسن البمباري

الشيخ الحسن البمباري

حين نادى   كوفوشيوس "الثقة الثقة "، كان ذلك يعني ضرورة أن الحوار هو الحل، و بعد حروب إفريقيا الضروس لم تنتهي الأزمات إلا بالمصالحة، أي ببناء الثقة بين مكونات الطيف الوطني، و هذه الثقة ليست عملية سهلة سلسة في المجتمعات المتجانسة، أو العضوية على  لغة أميل دوركايم، أحرى من مجتمعات متعددة و ليست بحاجة إلى تشتيت جديد في الموحد الديني، وهي تعيش أزمة اجتماعية أكثر تعقيدا.

عند ما بدأ الرئيس المصري السيسي حرب الأخونة ضد الجماعة التي استطاعت أن تكون طيفا سياسيا و بقيت بعيدة عن جماعات السلاح في عدة فترات كانت المنزلقات فيها كثيرة، فانه دفع من يوصمون بأنهم إخوان إلى أن يصبحوا في وضعية القنفذ، منفوشي الشوك و أكثر انطوائية على أنفسهم و لحمة داخلية، و هو ما عنى أن دعوة "تطليق الإخوانية" أتت حتما بنتائج عكسية، في معركة ظهر مع الوقت أنها لم تكن يوما معركة مصرية بحتة و لا معركة الرئيس عبد الفتاح نفسه .

أما في موريتانيا التي ينتقد فيها أي توجه يخدم (تشتيت الموحد سواء الاجتماعي أو الديني)، فان تفتيت الإسلام إلى إسلاميين،أي نمطين من التدين  أولهما تحمل الجمهورية شعاره، و يخدم مصالح الحكومات المتعاقبة لها، و هو تدين  لا يمارس السياسة و لكنها تمارس به، كما انه هو التدين الإسلامي نفسه الذي يشرع للتعامل مع البنوك الغربية (الربوية) و لا يجد غضاضة في المصافحة، و لا الحد من النسل و موانع الحمل...، و تفاصيل دنيوية أخرى يضيق النص عن عرضها، و مع ذلك لم يحمل هذا التدين صفته السياسي على الإطلاق و بقي للمباهاة باسم الجميع، في المقابل يبد أن التدين الآخر الذي يمارس السياسة في وضح النهار، أصبح أكثر إزعاجا لسابقه فلم تكد تنهي الانتخابات التي ألقت الضوء على الإسلام السياسي حتى تحول هذا الأخير إلى إرهاب في نظر الجهات العليا و التي بدأت في تقليم أنيابه و أطرافه، في عملية مناقضة لبناء الثقة التي طالب بها كونفوشيوس، و في تطبيق بالحرف لنظرية السيسي في مصر التي ما زالت تدفع البلاد يوما بعد يوم إلى مزيد التأزم و التعقيد في الساحة السياسية و الاجتماعية.

الفرق بين النظريتين في الإسلام السياسي أن إحداهما تطرح إشكالا كبيرا حول بنيتها، في ترجمة حرفية لنظرية (القبض و البسط في الشريعة) عند الفيلسوف عبد الكريم سروش، فالجمهورية إسلامية إذا دعت الضرورة، و غير ذلك في أحايين أخرى.

في ما يمثل الإسلام السياسي نظرية للدولة بخلفية إسلامية مع الاختلاف بين رواد هذا التوجه حول مدى الدين في الدولة التي يسعى لها الإخوان، و لكن الارتباك نفسه قائم في المؤسسة الحكومية للجمهورية الإسلامية التي تحارب مؤسسات و جهات حملت شعارات إسلامية بقيت في فلك الوسطية بالرغم من انه لا احد قد يجزم بصفاء نيتها، كما هو بالضبط حال حرب الدولة ضد الإسلام السياسي، أي أن المسألة قائمة ضرورة على فهومات معلبة يفرض القبول بها كما هي و دونما كثير جدلا في التفاصيل، مما يعني الدخول في التعبد بالعادات و ليس بالنصوص(الكتاب و السنة).

الخوف اليوم ليس من حالة تغول الحكومة التي تحاول جهات قريبة من الإخوان المسلمين التسويق لها في موريتانيا، أو تكرار سيناريو ولد الطايع ، بل إن الأزمة الحقيقية هي إضافة مظلمة جديد إلى الساحة الموريتانية التي لم تتعافى بعد من ارتدادات قضايا العبودية و الإرث الإنساني و ركوب موجة صراع بالوكالة دون أي مبررات مقنعة ، أي أن استمرار هذا التوجه و المعادي للحركة الإسلامية يعني أن الصراع لن يكون بعد الآن يفسر بالبراديغم الاجتماعي فحسب بل إن الفواعل الدينية و الجيوسياسية ستكون حاضرة و هذه الأخيرة إن حضرت قد تعني أننا في طريق مفتوح نحو تجارب أكثر قسوة مما سبق، قد تصل حالة اليمن و ربما أفغانستان في نسختها الآفروعربية أي حروب طويلة النفس و معقدة النتائج في فضاء مازالت التسيب جزء لا يتجزأ من أي تحليل يسقط على هذا الفضاء، الذي تتنازعه الرايات و الرجال من المرابون إلى أمراء السيبة فرجال الجيش و الانقلابات و معارك الرحيل و الساحات السياسية.

على الحكومة في موريتانيا أن تدرك أن إغلاق مركز أو جمعية أو حتى حبس شيخ لن يحل المشكل على الإطلاق، و  الاختيار السليم هو توقيف القبض  و البسط في الشرائع سواء السماوي منها أو الدنيوي (الدستور) و إدراك أن الثقة في اختيارات الشعب هي السبيل الوحيد لبناء دولة مباركة تحترم فيها جميع التيارات و التوجهات السياسية و الاجتماعية و  غيرها.