هل شرق الفرات وجهة الجيش السوري القادمة بعد درعا؟

أربعاء, 07/11/2018 - 14:47

عمر الردّاد

ما إن ينتهي الجيش السوري من تحرير منطقة من المعارضة حتى تبدأ التساؤلات حول الوجهة التالية التي سينطلق باتجاهها الجيش السوري وحلفاؤه لتحريرها، فقد طرحت مثل هذه التساؤلات بعد تحرير الغوطة، وكانت التوقعات أن ادلب او درعا ستكون المحطة القادمة، فكانت معارك جنوب دمشق ثم تواصلت باتجاه الجنوب في محافظة درعا.

من الناحية العسكرية ،يبدو أن معارك درعا شارفت على الانتهاء ،بعد تحرير غالبية أراضي درعا ووصول الحكومة السورية إلى المركز الحدودي مع الأردن “نصيب” والانتشار على طول الحدود الأردنية السورية في درعا، وما بقي بخصوص غرب درعا والمناطق المحاذية للجولان المحتل ،فمن المرجح أن تنتهي في غضون أيام ،وفقا للاتفاق الروسي الأمريكي، باستلام الجيش السوري مواقعه في المنطقة ، مع إبعاد المليشيات الإيرانية عن المنطقة، وفقا للتعهدات الروسية.

ما بعد درعا، تطرح تساؤلات فيما إذا كانت وجهة الجيش السوري القادمة مناطق دير الزور وشرق الفرات ام ادلب، وفي تقديرنا ان مناطق ادلب ستبقى أخر محطات التحرير، كمنطقة لتجميع الرافضين للمصالحات،في ظل خضوع ادلب لتفاهم روسي تركي، يقر بالدور الأمني التركي في ادلب وشمال سوريا ،إضافة للتفاهمات التركية الأمريكية الجديدة حول منبج ،وهو ما يعني ترجيح أن تكون دير الزور وشرق الفرات هي المناطق التي سيتوجه إليها الجيش السوري وحلفائه، ولا يستبعد أن تتم معارك التحرير  في دير الزور وشرق الفرات  بالسيناريو نفسه ،الذي تم خلاله انجاز تحرير درعا، وسترتبط تلك المعارك بما يتم انجازه من توافقات بين الرئيسين ترامب-بوتين في قمة هلسنكي (16/7).

ربما سهلت التركيبة الديمغرافيا لسكان مناطق درعا  مهمة تحريرها بوقت قياسي، هذه التركيبة لا تتوافر في مناطق دير الزور وشرق الفرات ،إذ أن اللاعبين كثر، والمصالح أكثر تناقضا، بدءا من الأكراد،الذين يؤكدون حلمهم بحكم ذاتي، وتركيا التي تقوم إستراتيجيتها في سوريا على الحيلولة دون تحقيق الحلم الكردي ،لأسباب مرتبطة بأمنها القومي ،مرورا بداعش، التي ما زالت تتحرك في المنطقة ،رغم خسارتها لمعاقلها في الرقة ودير الزور، وانتهاء بالتواجد الإيراني، الذي يحرص على ضمان تحقيق مكاسب بأية معارك او صفقات،تضمن استمرار إستراتيجيته الهادفة لتامين طريق طهران بغداد دمشق وبيروت، والأهداف الكبرى الأخرى من تدخله في سوريا.

غالبية مناطق شرق الفرات ودير الزور تقع تحت سيطرة وحدات حماية الشعب الكردية، القوة الضاربة لأكراد سوريا ،الذين بسطوا سيطرتهم على المنطقة ، بالتعاون مع “العشائر العربية” وبحماية ودعم سخي من الولايات المتحدة ،وخاضوا معارك ضارية  مع تنظيم داعش ،وتمت هزيمته في معقله بالرقة ومناطق واسعة من شرق الفرات ودير الزور،واستفادوا من العلاقات غير الدافئة بين تركيا وأمريكا بتحقيق تلك السيطرة.

المشهد يتغير وبشكل متسارع ، ليس في شرق الفرات فقط ،بل بكل سوريا، إذ أن الولايات المتحدة اليوم أصبحت اقرب لتفاهمات مع كل من تركيا وروسيا، وتتعزز مؤشرات خروج القوات العسكرية الأمريكية من سوريا ،كما اعلن غير مرة الرئيس الأمريكي ترامب، هذا التفاهمات أنجزت مع تركيا ملف عفرين منبج ،فيما أنجزت مع روسيا صفقة في جنوب سوريا ،نتج عنها استعادة الحكومة السورية السيطرة على محافظة درعا.

ومن المؤكد آن الأكراد ينظرون بعين الريبة اليوم لهذه التفاهمات في ظل قناعات انها ستطالهم عاجلا أم أجلا،وإنهم سيكونون الطرف الخاسر في معارك او صفقة شرق الفرات ، وربما بالسيناريو الذي تم في الجنوب ،حيث تنازلت أمريكا عن دعمها لفصائل المعارضة، بصفقة مع روسيا، تعهدت خلالها روسيا بإبعاد الإيرانيين عن الحدود الأردنية وحدود هضبة الجولان المحتلة.

ويدرك الأكراد انه ووفقا للأوزان النسبية للقوى الفاعلة في المنطقة ،والمصالح الإستراتيجية بين تلك القوى، فان تركيا أكثر أهمية لأمريكا من الأكراد ،الذين أنجزوا مهمتهم بمواجهة وهزيمة داعش، من هنا بدا الأكراد منذ وقت مبكر فتح قنوات اتصال مع الحكومة السورية، يبدو أنها قطعت أشواطا ،خاصة وان أقصى ما يطمح إليه أكراد سوريا حكم ذاتي وحقوق كان مرفوضا القبول ببحثها من قبل الحكومة السورية قبل عام 2011 ، وعلى أساس أن تفاهما كرديا  مع القيادة السورية سيحول دون دخول تركيا إلى مناطق الأكراد في شمال سوريا،وان تلك التفاهمات ستكون بالضرورة بضمانة من روسيا ،صاحبة القرار الأول في سوريا، والتي احتفظت بعلاقات ايجابية مع الأكراد طيلة السنوات الثماني الماضية ،رغم ما شهدته من مد وجزر في بعض الأحيان.

  ومما يعزز فرص تسهيل إعادة سيطرة الحكومة السورية على المناطق التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية “الكردية”،العقبات التي تواجه استمرار الحكم الكردي للمنطقة ، فبالإضافة لاحتمالات انسحاب أمريكا ،والمخاوف من سيطرة تركيا، فان خطر ما بين ثمانية آلاف الى عشرة آلاف مقاتل من عناصر داعش ما زال قائما، وهو ما يعني ضعف قدرات سوريا الديمقراطية على مواجهة تنظيم الدولة في حال توقف الدعم الأمريكي ،كما أن تجربة حكم الأكراد للمنطقة والتمييز ضد العشائر العربية ،باتهامها بتشكيل حواضن لداعش ،جميعها عوامل تجعل إمكانية التسليم بسيطرة الجيش السوري على المنطقة أمرا مرجحا،وربما بدون عمليات قتالية واسعة.

شرق الفرات تشكل ربع مساحة سوريا، وذات أهمية إستراتيجية بالنسبة للدولة السورية ،حيث حقول النفط والغاز والأراضي الزراعية، ومؤكد أن مستقبلها سيكون مرتبطا  بنتائج قمة “هلسنكي” بين الرئيسين الأمريكي والروسي،بمعزل عن الكيفية التي سيتم من خلالها إنهاء الأوضاع في شرق الفرات ، والتساؤلات حول كيفية بدء تطبيقات الصفقة وإخراجها، ومستقبل القواعد العسكرية الأمريكية ،بما فيها القواعد في شمال سوريا بالرقة ودير الزور وحتى الحسكة وقامشلي، وقاعدة التنف في جنوب شرق سوريا ، ومالات التواجد العسكري الإيراني في المنطقة.

كاتب وباحث بالامن الاستراتيجي

oaalraddad@gmail.com