سقطرى: دخول القوات الإماراتية و«صفقة» خروجها

سبت, 05/26/2018 - 22:43

أحمد الأغبري

«القدس العربي»: خلال مشاهده آثار العاصفة الاعصارية «ميكونو» التي ضربت جزيرة سقطرى اليمنية الاستراتيجية (الأربعاء) تعود ذاكرة المتابع تلقائياً إلى ما شهدته الجزيرة في الأيام الماضية من أحداث كانت، من خلالها، موضوعاً رئيساً لنشرات الأخبار لنحو أسبوعين، وتحديداً منذ 30 نيسان/أبريل عند وصول قوات إماراتية للجزيرة وحتى 14 أيار/مايو، عندما غادرها رئيس الوزراء اليمنيّ معلناً طي صفحة تلك الأزمة.
لقد شهدت الجزيرة خلال تلكما الأسبوعين أحداثاً كبيرة انتهت باتفاق على ما يبدو أن اليمن قد اضطر فيه للعودة خطوات كثيرة للوراء ليأتي الاتفاق تثبيتاً لواقع الجزيرة قبل 30 نيسان/أبريل مقابل مغادرة القوات الإماراتية وعودة المطار والميناء لسلطات الجزيرة، وبالإضافة إلى ذلك دخلت السعودية بجانب الإمارات للعمل داخل الجزيرة، ليتحملان معاً مسؤولية الجزيرة تحت لافتة «إغاثة وتنمية» وهو ما يسقط أي حرج للحكومة اليمنيّة إزاء أي تحركات مدنية سعودية وإماراتية داخل الجزيرة.
في 14 أيار/مايو أعلن رئيس الوزراء اليمنيّ انتهاء «الأزمة» التي نشبت بين الحكومة والإمارات مع هبوط طائرات عسكرية إماراتية في الجزيرة محمّلة بجنود ومعدات، وسيطرة تلك القوات على مطار وميناء الجزيرة. كان ذلك بتاريخ 30 نيسان/أبريل، خلال زيارة رئيس الوزراء وعدد من الوزراء للجزيرة، ونتيجة للخلاف والتوتر الذي ظل يتصاعد بين الجانبين وصل «وفد عسكري سعودي للاطلاع على وضع الجزيرة» وخلال أيام تم «تشكيل لجنة يمنيّة سعودية مشتركة لتطبيع الأوضاع في الجزيرة» انتهت إلى «اتفاق» يعود بأوضاع الجزيرة إلى ما قبل وصول القوات الإماراتية.
ثمة تعتيم لفحوى الاتفاق الذي أنهى ذلك الخلاف، ونص على مغادرة القوات الإماراتية للجزيرة، وتمكين البرنامج السعودي لإعادة إعمار اليمن من البدء في «تنمية وإغاثة شاملة للجزيرة» وهو الاتفاق الذي تم بناء عليه افتتاح مكتب هناك لمشرف البرنامج، وهو السفير السعودي في اليمن محمد آل جابر، كما تم الإعلان عن تسيير جسر جوي سعودي إغاثي للجزيرة وهو ما أعـلــنه السفير آل جابر عقب يوم من الاتفاق.
أزمة جزيرة سقطرى، إن صحت تسميتها بأزمة لم تبدأ مع وصول قوات إماراتية في 30 نيسان/أبريل الماضي، وكذلك لم تنته بالاتفاق على انسحاب تلك القوات وعودة الوضع إلى ما قبل وصولها وفق ما تم إعلانه من الاتفاق الغامض. فالأزمة الأخيرة عملت على تثبيت ما كان (محل خلاف يمنياً إماراتياً) قبل زيارة رئيس الحكومة، وبالتالي فقد خلقت هناك واقعاً مفخخاً يمثل امتداداً لما هو عليه الواقع في بقية مناطق الجنوب في اليمن.
لقد تأخرت زيارة رئيس الوزراء اليمنيّ الأخيرة للجزيرة، والتي جاءت بهدف تسجيل موقف يمنيّ يؤكد ولو «إعلامياً» السيادة اليمنيّة على الجزيرة في ظل ما يتم تناقله من أخبار عن الحضور الإماراتي فيها خلال الفترة الماضية، والتي تصاعدت منذ بدء عمليات التحالف العربي في اليمن مع تناول إعلامي لخلاف يمنيّ إماراتي ظل يتصاعد في الفترة الماضية ويشمل شؤون ومناطق أخرى في الجنوب اليمنيّ، وبالتالي فقد عملت تلك الزيارة على إظهار ذلك الخلاف إلى العلن، وخاصة عندما أرسلت الإمارات طائرات عسكرية وسيطرت قواتها على مطار وميناء الجزيرة، وهو ما نشب على إثره خلاف وتوتر. وقد اعتبرت الحكومة اليمنيّة ما قامت به الإمارات «أمرا غير مبرر» مؤكدة في بيان صدر بعد خمسة أيام من وصول تلك القوات أن «الحالة في الجزيرة بعد السيطرة على المطار والميناء هي في الواقع انعكاس لحالة الخلاف بين الشرعية والأشقاء في الإمارات، وجوهرها الخلاف حول السيادة الوطنية ومَن يحق له ممارستها، وغياب مستوى متين من التنسيق المشترك الذي بدا مفقوداً في الفترة الأخيرة».
قبل يوم من صدور ذلك البيان كان قد وصل للجزيرة وفد عسكري سعودي، والتقى برئيس الوزراء، وحسب وكالة الأنباء اليمنيّة الحكومية فقد استعرض الجانبان أسباب التوتر الذي نشب في سقطرى «وأثار تساؤلات كثيرة عن الأسباب والدوافع التي أفضت إلى التوتر». وقد غادر الوفد، وهو يحمل، وفق تقارير إخبارية، مطلبا يمنيّا بضرورة مغادرة القوات الإماراتية للجزيرة.
المتتبع لتداعيات الأحداث ذات العلاقة بالاتفاق المبرم، والذي على أساسه تم الإعلان عن إنهاء الأزمة، سيلاحظ مدى التعتيم الذي فُرض على الإجراءات التي تم من خلالها تشكيل «اللجنة السعودية اليمنيّة المشتركة لتطبيع الأوضاع في الجزيرة» باستثناء ما أعلن عنه المتحدث باسم التحالف العربي العقيد تركي المالكي من أنه» كان هناك خلاف في وجهات النظر بين الحكومة اليمنيّة والإمارات وتم التوصل إلى آلية للتنسيق» وفق ما تناقلته وسائل الإعلام، لكنه في الوقت الذي قال إن المشكلة هي خلاف في وجهات النظر، لم يفصح عن محتوى آلية التنسيق التي تم التوصل إليها حتى نشرت وكالة الأنباء اليمنيّة الحكومية في 13 أيار/مايو خبراً عن لقاء رئيس الوزراء اليمنيّ برئيس وأعضاء اللجنة اليمنيّة السعودية المشتركة لتطبيع الأوضاع في محافظة أرخبيل سقطرى، وخلال الخبر تم الإعلان- لأول مرة- عن الآلية التي توصلت إليها اللجنة «بتنفيذ الاتفاق وإزالة أسباب التوتر الذي حدث في الأسبوعين الماضيين وعودة عمل القوات الأمنية وعودة القوات الأمنية في المطار والميناء إلى عملها، وسحب كل القوات التي قدمت إلى الجزيرة بعد وصول الحكومة وتطبيع الحياة في كافة مناطق وجزر الأرخبيل والبدء بتنمية وإغاثة شاملة للجزيرة تشمل كل المرافق الخدمية والحيوية وفِي كل المديريات والجزر بدعم من المملكة العربية السعودية».
وفي اليوم التالي لذلك اللقاء نشر رئيس الوزراء على حائطه في «فيسبوك» تدوينة أعلن فيها انتهاء الأزمة وقال «إن اتفاقنا يقضي بعودة الجزيرة إلى وضعها الذي كانت عليه يوم الإثنين قبل الماضي الموافق الثلاثين من نيسان/أبريل». 
وبناء على ما ورد في خبر اللجنة وتدوينة رئيس الوزراء فالاتفاق يمثل تطبيعاً وتثبيتاَ لما كان سبباً للزيارة. بمعنى أن الحضور الإماراتي المدني في الجزيرة قبل الأحداث الأخيرة قد أصبح أمراً لا خلاف عليه بين الجانبين وفق هذا الاتفاق حسب مراقبين، وقد يشمل ذلك ما تقوم به الإمارات من تدريب لقوات محلية سقطرية بهدف تكوين فصيل عسكري مواز للقوات الحكومية كما هو حال قوات النُخب والأحزمة في بقية محافظات الجنوب اليمنيّ، لاسيما وأن «مغادرة كل القوات» وفق ما نص عليه الاتفاق لم يتم الإعلان عنه بشكل رسمي، ما قد يرجح صحة بعض الأخبار عن عدم مغادرة جميع القوات الإماراتية والسعودية من الجزيرة.
إلى ذلك ثمة أكثر من تساؤل حول الجملة الأخيرة من آلية الاتفاق المعلنة، وهي الجملة التي تحدثت عن «تنمية وإغاثة شاملة للجزيرة تشمل كل المرافق الخدمية والحيوية وفي كل المديريات والجزر بدعم من المملكة العربية السعودية « وهنا يرجح مراقبون أن تحركات رئيس الوزراء اليمنيّ ووضعه لأحجار أساس مشاريع تنموية داخل الجزيرة ربما كانت سبباً مهماً من أسباب قدوم القوات الإماراتية بصرف النظر أن كانت تلك المشاريع وهمية أم لا. إلا أن زيارة رئيس الحكومة للجزيرة ولقائه بالناس كان مستفزاً لمن صار لهم حضوراً موازياً في حياة الجزيرة، وهو ما استغله السعوديون ليدخلوا، من خلاله، للجزيرة ويتولون مسؤولية المشاريع التنموية والخدمية والإغاثية كجهد مواز للحكومة، وذلك من خلال تضمين الاتفاق نص بذلك يفتح المجال للسعودية للتحرك بحرية في أي منطقة وفي أي مرفق داخل الجزيرة والأرخبيل، وبالتالي لا يمكن اعتبار ذلك تدخلاً أو مساً بالسيادة.
وتنفيذا لذلك بدأ السفير السعودي لدى اليمن تحركات واسعة عقب الاتفاق مباشرة شملت مناطق مختلفة في الجزيرة، كما أعلن أن الأرخبيل سيكون أول محافظة يمنيّة يتم فيها تدشين برنامج إعادة الأعمار في اليمن، على الرغم من أن الجزيرة لم تتضرر من الحرب بشكل مباشر.
مما سبق قد يكون الاتفاق أنهى الخلاف اليمنيّ الإماراتي حول ما كان سببا للخلاف والتوتر الأخير في الجزيرة، لكنه، في الوقت ذاته، ثبت الواقع السابق كما أتاح للسعودية أن تكون بجانب الإمارات في مضمار التنافس على فرض النفوذ داخل الجزيرة ضمن الواقع الجديد. وبالتالي فنتائج حل الخلاف تمثل تكريساً للواقع الجديد الذي هو امتداد وتوسيع للواقع السابق في الجزيرة، وذلك في إطار ما تشهده بقية مناطق الجنوب في اليمن من تغييرات في الواقع تفخخ مستقبل التسوية والوحدة، وتمثل تهديداً لاستقلال القرار السياسي اليمنيّ، وذلك ضمن مخطط يستهدف اليمن، وتسهم كبرى الدولتين في التحالف في تحديد مساراته، وكل من هاتين الدولتين يعرف دوره ويعملان معاً بتنسيق استراتيجي مع وجود اختلاف في التفاصيل تبعاً لمصالح كل منهما يجعلهما قد يتبادلان الأدوار أحياناً.